على الرغم من كوني لا اجيد التركية، وبالرغم اني لست اسلامي النزعة والهوى، وبالرغم من المعاناة الكبيرة لابناء جلدتي الكرد في تركيا من جراء السياسات الشوفينية الجائرة، تابعت جلسة البرلمان التركي الخاصة بانتخاب رئيس جديد لتركيا بشغف ولهفة، تابعتها من اولها لاخرها رغم معرفتي المسبقة بنتائجها المتوقعة، ومن ثم تابعت لقطات الاعادة مرات ومرات على القنوات التركية الاخرى، كما تابعت نشرات الاخبار العربية والغربية، لاستمع لتعليقات المختصين والباحثين في الشأن التركي، لم اترك التلفاز لساعات طويلة، وانا استمتع بمشاهدة التجربة الديمقرطية في تركيا، ولن اكتفي بهذا فقط، فغداً ساقرء الصحف والجرائد، واتصل بخالي الطبيب خريج جامعات انقرة والضليع في الشأن التركي، لاعرف منه حقيقة ما جرى في العلن وفي الخفاء ووراء الكواليس، وتفاصيل اخرى عديدة لا نعرفها نحن ممن لا يجيدون التركية، ولا نعرف مايكتب في صحافتها الحرة، وكيف تسلم عبد الله غول مفاتيح قصر الرئاسة ؟ وماذا كان شعور رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تجاه فوز شريكه ورفيق دربه في حزب العدالة والتنمية بالمنصب الكبير؟ وماذا عن موقف نجدت سيزار الرئيس المتبجح السابق ؟ وكم بودي معرفة ردود فعل جنرالات تركيا اللاديمقراطيين، وهم يودعون عهد نفوذ وتسلط العسكر، وماذا عن السيدة الاولى المحجبة وهي تدخل قصر الرئاسة التركي ؟ حقيقة انا معجب بالسيدة حرم الرئيس، انها سيدة اولى عن حق وحقيقة، والا كيف يمكن تفسير حصول زوجها الرئيس وحزبه على اصوات نصف سكان تركيا، ووراء كل رجل عظيم امرأة كما يقال، فوز عبد الله غول ووصوله الى سدة الرئاسة التركية رغماً عن انف الجنرالات والاميرالات الترك، انتصار كبير للديمقراطية، لحظات تاريخية تابعتها بتفاصيلها لحظة بلحظة.
بعد ساعات قضيتها امام التلفاز وانا اتابع الحدث الكبير، وبعد ان تأكدت ان تركيا اختارت الديمقراطية والى الابد، اخترت بدوري ان ارفه عن نفسي قليلاً ولو للحظات، وقررت ان اشاهد احد البرامج الترفيهية، ولاننا نتحدث عن مساء يوم الثلاثاء، فلم اجد افضل من الاتجاه المعاكس البرنامج الشهير والمثير، واعتقدت للحظة انه افضل الخيارات على الاطلاق، خاصة وان البرنامج يبث حالياً من سوريا، بلدي وبلد الاستاذ فيصل القاسم، البلد الذي نتمنى له ولشعبه الطيب تجربة ديمقراطية على غرار الجارة التركية، لكنني ولسوء الحظ وبمجرد تغير القناة، ظهر امامي على الشاشة الاعلامي المحنك فيصل القاسم، بشحمه ولحمه وصلعته، وهو يقرء بسرعة كعادته، نتائج التصويت الذي يجريه بنفسه وعلى مسؤوليته وذمته، يؤكد فيها ان نسبة 86 بالمائة من الجمهور العربي صوت لصالح تراجع وانحسار الديمقراطية في العالم.

كاتب سوري
[email protected]