جلال الطالباني الزعيم الكردي المتقلب، والسياسي المثير للجدل، ورئيس جمهورية العراق الفيدرالية العتيدة، اطلق تصريحاً جديداً ضمنه اشادة خرافية بquot;منجزاتquot; حزب العدالة والتنمية التركي، وquot;سعيه المحمومquot; لحل القضية الكردية. وquot;ردquot; الطالباني كذلك على القصف الإيراني والتركي اليومي، ومنذ اكثر من شهر، على القرى الحدودية في اقليم كردستان الجنوبية( كردستان العراق) بالإشادة بعلاقات بغداد مع كل من طهران وانقرة. وسعي هاتين الأخيرتين الى ما وصفه بquot;دعم الإستقرار والأمن في العراقquot; وquot;مساندة العراق الجديد على النهوض وتحقيق التقدم والإزدهارquot;..!.

كما طالب الطالباني كل من حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردستاني بمغادرة المناطق الجبلية الوعرة في كردستان، وخيرّهم بين ان quot;يرحلوا الى بلادهم ليقاتلوا هناك، او يشاركوا في العملية السياسية!!quot;. او quot;ينزعوا سلاحهم ويرضوا بالعيش كلاجئين مقدرين في اقليم كردستانquot;. اي جنباً بجنب مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ـ ايران وجماعة كومله، وغيرها من التنظيمات الكلاسيكية quot;المحالة على المعاشquot; تلك..!.

ولم يكن الطالباني ينهي تصريحاته الحادة تلك، حتى اطل علينا الملا بختيار( عضو مكتب حزب الطالباني، واحد الذين يلوك المواطنون اسمائهم مقترنةً بالفساد الرهيب المتفشي في ادارة السليمانية) ليطلق تصريحات حادة ضد العمال الكردستاني، اقل مايقال عنها انها ظالمة وموتورة وتصب المياه في طاحونة الأتراك والإيرانيين. كما تدل على ان وراء الأكمة ما ورائها، وان حرباً اهلية جديدة، ضمن مخطط اقليمي اكبر، يشارك فيها الطالباني وحزبه، تلوح في الأفق.

ونحن هنا لانطالب الطالباني ان يمد حزب العمال الكردستاني بالمال والرجال، لكننا نطالبه بان يتخذ موقفاً متوازناً، ويسعى الى خلق حوار بين الحركة التحررية في كردستان الشمالية( كردستان تركيا) وبين الحكومة التركية التي يشيد بها مجاناً. هذا رغم ان رجب طيب اردوغان، وفي تكرار وقح لتصريحات سابقة، مازال يرفض لقاء الطالباني كونه quot;رئيس عشيرة في شمال العراقquot; ولايستحق ان يكون في منصبه الحالي، كرئيس لجمهورية العراق.

ورغم ان الطالباني كان قد لوحّ، عشية الحرب الأميركية ضد نظام صدام حسين في 2003، بكون quot;كرد العراق ليسوا بمفردهم امام التحديات التي قد تواجههمquot;، وانه quot;يستطيع ان يجند عشرات الآلاف من الكرد السوريينquot;، في اشارة الى وزنه القومي بين الكرد في المنطقة. ورغم انه نفسه كان لاجئاً هارباً من بطش نظام صدام في سوريا. لكنه يقوم الآن بتحريك الملف بشكل مريب ومشبوه ويدعو العمال الكردستاني والحياة الحرة الكردستاني ويخيرهما بين الرحيل او الصدام و الحرب..!

وعوض ان يعمل الطالباني علاقاته الجيدة وquot;الإستراتيجيةquot; مع الأميركيين للضغط على حكومة حزب العدالة والتنمية (الديمقراطية و{صاحبة مشروع الحل العظيم}، كما يصفها!)، لحثها على التجاوب مع قرار وقف اطلاق النار الذي اعلنه حزب العمال الكردستاني منذ عام، والدفع باتجاه الحل الديمقراطي السلمي، كما حصل في جنوب السودان وايرلندا الشمالية والباسك وفلسطين، فإن فخامة رئيس الجمهورية العراقي يتجه الى التصعيد ويعمد لصب الزيت على النار، في سياسة مهولة قد تؤدي الى اندلاع حرب اهلية كردية جديدة. وهو الأمر الذي يرفضه الشعب الكردي ومثقفوه، ويحملون الطالباني تبعات اي صدام دموي جديد...

ولم يكتف الطالباني بذلك، بل عمد وبشكل موارب لإنتقاد المواقف القومية المشرفة التي اطلقها رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني والتي كرر فيها استعداد الجانب الكردي للتوسط بين العمال الكردستاني وحزب اردوغان لإيجاد حل للقضية الكردية في تركيا، وذلك عندما قال quot;هنالك رئيس جمهورية، ووزير خارجية في العراق، ومن غير المبرر أن يأتي مسؤول كردي في هولير (أربيل: عاصمة اقليم كردستان العراق)، ويدلي بتصريح متعلق بالسياسة الخارجية، يؤثَر سلباً على علاقاتنا بالجارتين تركيا وإيرانquot;.

تصريحات الطالباني تأتي في وقت توسع فيه ايران وتركيا حملاتهما العسكرية المشتركة ضد الحركة التحررية الكردية. وهناك حديث عن نية طهران وانقرة انشاء جدار عازل على طول حدودهما مع اقليم كردستان. كما تشن حكومة العدالة والتنمية حربا خاصة ضد الكرد في البلاد: فهي تسعى لمحاكمة نائبتين كرديتين في البرلمان التركي بتهمة التعامل مع العمال الكردستاني وذلك في محاولة لتفتيت الكتلة الكردية وتحجيم دورها. كما تزيد من مضايقاتها ضد رؤساء البلديات الكرد من حزب المجتمع الديمقراطي، وتقيم الدعاوي بحقهم بنفس التهم. هذا غير سياسة العزل والتهميش التي تطال الزعيم الكردي الأسير عبدالله اوجلان في السجن الإنفرادي في جزيرة ايمرالي.

الأرجح ان علاقات الطالباني وتحالفاته مع النظام التوتاليتاري الإيراني لعبت دوراً كبيراً في لفظه لمثل تلك التصريحات الآنفة. فقوة حزب الحياة الحرة الكردستاني تتعاظم، وشهدت الشهور الماضية اتصالات كثيفة بين الأميركيين وقيادة الحزب. ولانذيع هنا جديداً حينما نقول بزيارة رئيس الحزب حاجي احمدي لواشنطن ولقاءاته السرية والعلنية هناك...

وسبق وان استندت طهران في تبرير حملاتها العسكرية المتصاعدة وقصفها لمناطق اقليم كردستان على quot; سعي المتمردين الأكراد المدعومين من الإحتلال الأميركي في العراق لضرب الجمهورية الإسلامية وإثارة القلاقل فيهاquot;. وهو الأمر الذي يتحرك الطالباني الآن لتقويضه، في سياسة وحملة مرسومة بدقة، دفاعاً عن مصلحة النظام الإيراني...

هذا وكان بعض الكتبة الكرد من quot;قبيضة الدفاترquot; المحسوبين على حزب الطالباني قد مهدوا لهذا الأمر في كتابات تحريضية، كريهة، تدعو للصدام الأخوي، نشروها في بعض الصحف العربية، واشرنا اليها في حينها...

الملا بختيار، المسؤول الكبير في الإتحاد الوطني الكردستاني، ساق عدة حجج في حمى الهجوم المفاجئ على العمال الكردستاني، واورد في لقاء خاص مع فضائية (كرد سات) عن quot; انشاء العمال الكردستاني لإدارة محلية في المنطقة التي يسيطر عليهاquot;، وقال ان هذا لايجوز. ونحن هنا وفي سبيل المقايسة والإختبار ليس الا، ندعو الملا للقيام باستفتاء في تلك القرى واستطلاع رأي اهلها فيما اذا كانوا يريدون البقاء تحت ادارية العمال الكردستاني( والذي امد لهم شبكات المياه والصرف الصحي، واوصل الكهرباء الى اكواخهم البائسة، بعد توليدها من السدود التي انشأها في المنطقة) ام الرجوع الى جنة الإتحاد الوطني الكردستاني، التي تنخر فيها...الكوليرا الآن..!.

الطالباني وفي حديث سابق له، بينّ على سبيل المزاح والإشارة إلى تحسن الحال، تزايد عدد اصحاب quot;المليون دولار واكثرquot; في السليمانية وقال، انهم الآن اكثر من ثلاثمائة مليونير. هذا طبعاً قبل ان تأتي الكوليرا وتبتلع مليونيرية الطالباني ( من سحرة وائمة الفساد والإفساد المتنفذين في حزبه)، وتكشف وجهاً آخراً من وجوه المحسوبية وضياع الحقوق وغياب القانون، والإستهتار بحياة البشر في ادارة السليمانية...

ماقاله الرئيس العراقي خطير جداً ويمهد لحرب اهلية كردية ـ كردية. والكل يعلم ان ساحة نضال العمال الكردستاني هو كردستان الشمالية، وهو لم يقل غير ذلك. وان اردوغان نفسه كان اشار ذات مرة، في غمرة خلافه مع المؤسسة العسكرية، الى وجود 5000 مقاتل كردي في اقاليم جنوب شرقي البلاد، مقابل 500 قيادي ومسؤول في شمال العراق. بينما تنشط الشخصيات الفكرية والثقافية الكردية والتركية الآن، بينهم الروائي الكردي الكبير يشار كمال، لدفع الحكومة التركية للحوار مع العمال الكردستاني، عبرquot;مجلس السلام في تركياquot; الذي انشؤوه قبل بضعة اسابيع.

كان المطلوب ان يساهم الطالباني في حل القضية الكردية في تركيا بالحوار والتفاوض. وان يعمل بشكل متوازن ومعقول لا ان يصعد من الوضع ويصل به الى حافة الصدام الكردي ـ الكردي. كان عليه ان يتخذ موقفاً رصيناً وثابتاً، كما فعل ويفعل مسعود البارزاني دائماً، بدعوته للحوار وحل القضية سلمياً، بعد ان اثبتت الأعوام ال25 الماضية فشل الحسم العسكري الذي راهن عليه جنرالات الجيش التركي.

والكل يعلم ان تركيا لاتريد الحل الديمقراطي، بل تهدف لتصفية كل مقاتلي الحزب والقضاء على مؤسساته العسكرية والمدنية. وهي تبحث عمن يقاتله نيابة عنها. كما انها لن ترضى عن quot;كرد العراقquot; ابداً حتى ولو اتبعوا ملتها الف مرة ومرة. وهي سبق وان قالت بانها ملزمة بمحاربة اي كيان كردي حتى ولو كان في الأرجنتين. ولا دخل للعمال الكردستاني بعداء انقرة المستفحل للكرد وفي اي مكان. وهو حجة تعتكز عليها انقرة لمحاربة الكرد وضرب طموحاتهم، مثلما تعتكز على التركمان تارةً، وعلى الأحقية في quot;ولاية الموصلquot; طوراً...

واخيراً نقول للطالباني والمصفقين لتصريحاته، هل يرضى نوري المالكي ان يوسم quot;حزب اللهquot; او حركة quot;حماسquot; بالإرهاب ياترى؟.

طارق حمو
[email protected]