يعيش في أستراليا قرابة النصف مليون مسلم ينعمون بحالة مثلى وفريدة من الحرية والكرامة الإنسانية والبحبوحة والتقدير والاحترام مما لم يعرفوه يوما في ممالك القهر والتجويع والتشليح والتشبيح والاستبداد. قيم المواطنة والحرية وحقوق الإنسان العظيمة التي أنتجها الغرب quot;الكافرquot;، ولم تكن موجودة يوماً في تاريخنا المجيد الطويل والمليء بقصص الحروب والتصفيات والانتقام والثارات والكراهية والحقد والبغضاء والمذابح والمجازر والعداوات المستفحلة التي لا تنتهي بنهاية التاريخ نفسه، والحمد كل الحمد لله الذي لا يحمد على استبداد وظلم وقهر سواه. ومع ذلك يبدو أن البعض لا يحلو له ولا يعرف أصلاً، كيف ينعم بتلك النعم الإنسانية العظيمة التي قدمها للإنسانية quot;اليهود والصليبيون أحفاد القردة والخنازيرquot; حسب خطاب أحفاد أبو العباس السفاح والحجاج والبقية الباقية من جلادي التاريخ العربي الزاهي بأفانين القتل والتنكيل والتشنيع والسلبطة والسادية والإرهاب.

وقد خيـّرت أستراليا المتطرفين والتكفيريين ومن يحذو حذوهم، من أن لا مكان لهم في هذا البلد وأن عليهم الاندماج والقبول بتقاليد هذا البلد المضياف وإلا سيكون مصيرهم الترحيل إلى حيث أتوا إلى غابات القهر والظلم والدجل والسحر والخرافات وكهوف التاريخ المدلهمة. ويأتي القرار الأسترالي بعد أن طفح الكيل بسياسيي أستراليا وبعد سلسلة طويلة من الفضائح التكفيرية والسلوكيات المشينة والفتاوي المضحكة التي يقوم بها نجوم التطرف والإرهاب هناك وتهديد الأمن والسلم الاجتماعي في أستراليا عبر الدعوات لرفض قيم المجتمع ونبذها والتمرد والثورة عليها. ولا حاجة بنا للتأكيد على أن كثيرين من المسلمين الطيبين والمؤمنين بريئين من تصرفات أمراء الجهاد الأجوف، غير أن هذا القرار الحكيم يأتي بعد أن تفاقمت الأمور وبلغ التكفيريون في غيهم حدوداً غير مسبوقة في تحدي قيم وعادات المجتمعات التي أووا إليها هرباً من بطش أنظمتهم المستبدة والجاثمة على رقابهم، مستغلين بدناءة ولؤم بدوي، أبشع استغلال، مناخات الحرية والديمقراطية وحرية التعبير والكلام واحترام حرية وخصوصية الناس، وسيادة سلطة القانون والدساتير العلمانية وتقديس قيم المواطنة والمساواة التي لا تفرق بين إنسان وآخر.

لقد أسدى هؤلاء quot;اليهود والنصارىquot; خدمات جليلة للمسلمين الفارين من ولاة الأمر المغاوير الأبرار أبطال القهر والتجويع والحرمان والإذلال فليس من الجائز ولا من الأخلاقي في شيء مقابلة الإحسان والمعروف وإغاثة الملهوف والفار بالإجحاف ونكران الجميل، فأهم صفات المؤمن هي الصدق والوفاء، وعدم الاستماع لأولئك الجهلة الذي لا يريدون خيراً لا بالإسلام ولا بالمسلمين، ولا بالإنسانية جمعاء.

فهناك طوابير طويلة ولا نهاية لها من الفقراء والمضطهدين البائسين الذين تقطعت بهم السبل تحت رحمة جنرالات القمع والسلب والنهب المنظم، وتنتظر فرصتها الأخيرة في حياة كريمة على أبواب سفارات quot;الصليبيين والكفارquot; للخروج من جحيم السلالات المستألهة إلى جنان الحرية والديمقراطية في أحضان quot;الكفارquot;. وإن استمرار البعض في إعطاء صورة مشوهة عن شعوبنا المنكوبة والمقهورة يساهم إلى حد كبير في حرمان أولئك البؤساء المحاصرين بقراقوشيات الزمان، من فرصة الخروج من جهنم هذه الأنظمة البدائية المتخلفة القهرية، ويئد نهائياً آمالهم وأحلامهم في التحرر من ربقة الأغلال نحو حياة تحمل أبسط مقومات العيش الكريم والخدمات البسيطة التي استكثرتها عليهم منظومة الاستبداد الشرق أوسطية التي لا تنظر إليهم ولا تعاملهم إلا كرعايا وعبيد وسبايا في مزارع خاصة تستغلهم وتفلح عليهم وتجوّعهم وتسرق البسمة من وجوه أطفالهم الصغار في آخر النهار وتضن عليهم بأبسط الأشياء.

والسؤال الذي يقض المضاجع، ويفج الرأس، لماذا يلجئون إلى هذه البلاد إذا كانت لا تعجبهم، ولا تروق لأمزجتهم، ويكنـّون لها هذا الكم الهائل من الازدراء والاحتقار؟ ولماذا يفر أولئك من أوكارهم فرادى ومثنى وجماعات وبالبيجامات وبقوارب الموت تحت جنح الظلام، ومن ثم يحاولون ثانية، وبكل تناحة وغباء ويباس في الرأس، إنتاج نفس ظروف القهر والاستبداد التي فروا منها عبر بعث، والتمسك بـ، والإصرار على العيش في نفس المنظومة القيمية والسلوكية والمعرفية التي شكلت تلك البيئات الجهنمية التي لا تطاق، ولا يحاولون، ولو لمرة واحدة، تجريب معنى الكرامة، والتغيير والتأقلم والاندماج مع مجتمعاتهم الجديدة والعيش كبشر أسوياء وأحرار والتخلص نهائياً من العاهات والتشوه الخلقي والفكري والدماغي الذي أصابهم وعانوا منه قروناً من الزمان. فمن لازال يحن إلى مناخات الاستبداد والقهر والتلويع والاستفشار والتفنن في دوس الرقاب فما يزال لديه خيار العودة إلى ديار الموت والاستبداد التي تحفل، وبحمد لله وفضل منه، بصنوف عجيبة وغريبة وفريدة من القهر والإذلال اليومي وامتهان كرامة الناس والتنكيل بهم ولإفقارهم وسلبهم إنسانيتهم وآدميتهم التي وهبتهم إياها الطبيعة، وترك تلك الشعوب والأمم الحرة بحالها تنعم بالحرية والعيش الكريم والرفاهية والازدهار.

إنها خطوة صغيرة، ولا بد منها، في المشوار الطويل لمحاربة هذا الوباء التكفيري السام ودحره إلى غير رجعة. فمرحى لأستراليا على قرارها الإنساني الشجاع ومسك الختام والعقبى الكبرى حين تحذو حذوها بقية عواصم النور والألق والضياء.

نضال نعيسة
[email protected]