يقول الله في محكم كتابه..
الم.. ذلك الكتاب لا ريب فيه.. هدي للمتقين..الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون.. أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون..صدق الله العظيم..
كلام واضح لا يحتاج تأويلا ولا تفسيرا.. يدخل القلب والعقل معا.. كتاب الله لاريب فيه.. وليس مثل بعض الكتب من التراث التي تحتمل كل الريب..
يصف فيه المتقين.. الذي يؤمنون به ويقيمون الصلاة وممارزقهم الله ينفقون في إعمار الأرض....وليس ممن يكنزون المال أو ينفقونه علي أسلحة الدمار أو فيما يضر البشر..لم يقل أن المتقين هم من يحملون سيوفا أو عصيا يكرهون بها الناس علي الإيمان.. أو يستعبدون من ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
لقد استخلف الله الانسان في الأرض وترك له حرية الاختيار وحكم نفسه..بعث له الرسل ليذكروه بالحكمة والموعظة الحسنة وقد كان قادرا عز جلاله أن يجبر الناس علي الإيمان أو علي الاسلام.. ولكنه لم يفعل...الله لا يحتاج سيفا في يد بشر فاني ليجبر الناس علي الإيمان به أو علي دين معين كان الاسلام أو غيره..كان يكفيه أن يقول كن فيكون..


فمن يقول الحكم لله هو يخلط الأمور، وحكمة الله في الاستخلاف والحساب هو أن جعل الحكم في الأرض هو للإنسان من بني آدم..وبعث الرسل ليذكروا هذا الانسان لا ليجبروه.. فمن يستعمل سيفا أو عصا لإجبار الناس علي الإيمان هو في الحقيقة مخالف لأوامر الله..
السيف هو فقط للدفاع عن النفس ضد إنسان آخر...والانسان هو المسئول عن الاستعمال الخاطيء له وليس الله....


لقد قال الله مخاطباً النبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم): (ولو شاء ربّك لآمن مَنْ في الأرض كلّهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمني)
وقال سبحانه: (وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل).. وقال تعالي (وما أنت عليهم بجبّار فذكِّر بالقرآن مَن يخاف وعيد ).. وقال سبحانه (فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلاّ البلاغ )
وقال تعالى: (فذكِّر إنّما أنت مذكِّر * لست عليهم بمصيطر * إلاّ منَ تولّى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر )
هكذا قال الله لرسوله وليس لبشر فاني من عينة محمد الفاتح وغيره...يحمل السيف يكره الناس علي الإيمان والخضوع لحكمه... حتي الرسول ليس له حق حساب من تولي وكفر...ولكنه حق لله وفي الآخرة..


وكما هو واضح وضوح الشمس في كتاب لا ريب فيه تنزيل عزيز حكيم.. وليس كتب أو مقالات بشر من عينة سيد قطب وصحبه.. بشر تفسر علي هواها.. المعنى المقصود في هذه الآيات النافية للإكراه في الدين، والمؤكدة ان مهمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودعاة الاسلام هي الدعوة الى الاسلام، والتعريف بمبادئه، وأنّ عليهم أن يحسنوا الخطاب، واعتماد أسلوب العقل والعلم والحوار، ليواجه الانسان المخاطب مسؤوليته وواجبه..


وليس مهمتهم إقامة دولة أو خلافة أو استعمل السيف أو العصي لإكراه الناس علي الإيمان..
وما ينطبق علي المسلمين ينطبق علي غيرهم....
فهل هو حكم الله...أن يأتي الصليبيون الي الشرق ليفرضوا إيمانهم بالسيف..معاذ الله..
وهل هو حكم الله..أن يحتل شعبا أرض غيره ويشرد شعب هذه الأرض بحجة أنهم شعب الله المختار معاذ الله...تعالي عن ذلك علوا كبيرا.....


وهل هو حكم الله أن يتقاتل المسلمون صراعا علي السلطة السياسية..ويقتلون بعضهم البعض في موقعة الجمل أو صفين..معاذا الله..
وهل هو حكم الله أن تقوم الدولة الأموية علي أشلاء وجثث أهل البيت ويفعل يزيد مافعله في أهل المدينة..معاذ الله..تعالي عن ذلك علوا كبيرا..
وهل هو حكم الله أن تقوم الدولة العباسية علي أشلاء الشعوب ونبش قبور الأمويين..معاذ الله..
وهل حكم الله أن تقوم الدولة الأيوبية علي أشلاء الفاطميين.. والتفريق بين نساءهم وذكورهم حتي ينقطع نسلهم..معاذ الله..


أو تقوم الدولة المملوكية علي أشلاء الأيوبيين أو الدولة العثمانية علي أشلاء الضحايا من الشعوب التي غزوها اسلامية كانت أو غيرها..واستعباد الغلمان و النساء الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارا...أو أن يبدأ محمد الفاتح حكمه بقتل إخوته من أبيه وأمه..هل تبرر فتوحاته هذا العمل الشنيع..معاذ الله..
هل تبرر الخلافة الاسلامية العثمانية ماحدث من تقتيل وشنق في مصر..وباب زويلة مازال شاهدا..وما اقترفه العثمانيون الأتراك البدو الأجلاف من مظالم علي شعب مصر..معاذ الله..
الدين هو دعوة سلمية... هو نشر الأخلاق والايمان بالدعوة.. و وضرب المثل الأعلي وليس فرضها بالقوة أو الدولة....


الانسان الذي استخلفه الله في الأرض هو الذي يحكم هذه الأرض..استلهاما من مباديء الأديان التي بعث الله رسله بها.. ليتسني لله حساب هذا الانسان في الآخرة علي مااقترفت يداه..خيرا بخير..وشرا بشر....
لا الاسلام ولا أي دين آخر هو دولة..و الدين ليس ضعيفا ليحتاج دولة تحميه،، لأن الله هو الذي يحمي الدين.. ويحميه المؤمنون به....
الدولة يقيمها بشر يعيشون علي بقعة جغرافية معينة تراضيا فيما بينهم.. بصرف النظر عن دينهم وعن جنسهم.. والدولة أي دولة تمثل جميع هؤلاء المواطنين ويجب أن تحمي حقوقهم في حرية عقيدتهم..حتي لو كان هناك مواطنا واحد يختلف في عقيدته عن الباقين....
لقد تخطت البشرية ماكان يقترف من مظالم باسم الدين أو الله..ولم تبقي إلا قله تمارس القتل وتدعي انه باسم الدين والله....


هل هو حكم الله قتل المدنيين علي يد جنوش بوش لأنه يتوهم أن الله أمره بذلك....
أو قتل المدنيين علي يد من يعتقدون أنهم مجاهدين في سبيل الله في أفغانستان والعراق من أتباع المهووس الآخر بن لادن...
هل قتل الشيعة الغلابة علي يد مهووسي القاعدة في العراق هو حكم الله..معاذ الله..
وهل قتلة غلابة السنة علي يد مهووسي الحرس الثوري الإيراني المؤمنين بولاية فقيه !....
هل هذا هو حكم الله معاذ الله.. معاذ الله...الله ليس مسئولا عما يقترفه الانسان باسمه أو اسم الاسلام تحت مسميات الخلافة و الدولة الاسلامية والمرجعية الدينية وغيرها...


هل قتل الإخوان للنقراشي ومحاولتهم قتل عبد الناصر أو قتل السادات علي يد مهووسي الجهاد الذين لا زال زعيمهم يمارس هواية إزهاق الأرواح هو حكم الله..معاذ الله وتعالي عن ذلك علوا كبيرا.....
الدولة المدنية التي يحكم فيها الانسان بنفسه وعبر ممثليه المنتخبين.. دولة فيها استلهام مباديء الاسلام العليا..بل ومباديء كل الأديان.. هي الدولة التي تعكس روح الاسلام والدين وأوامر الله العليا....
الله لا يحتاج سيفا ولا قطع يد ولا حدود ردة...الله لا يحتاج منافقين.. بل هو يريد مؤمنين عن قناعة واختيار حر..
أي دولة دينية أو تدعي أن لها مرجعية دينية...اسلامية كانت أو مسيحية.. هي في الحقيقة دولة ظالمة لأنها تفرق بين مواطنيها مهما ادعت العكس.....
والله ليس مسئولا عن ظلم الانسان الانسان لأخيه الانسان ولا عن استعباد بشر ولدتهم أمهاتهم احرارا..مهما كان المبرر الذي يستعمله هذا الانسان الذي يلبس ثوبا لم يمنحه الله له..
لنا الله وحمانا ممن ينصبون أنفسهم دون وجه حق ممثلين لله علي الأرض في الشرق أو الغرب..

عمرو اسماعيل