بعد 6 سنوات على هجمات 11 سيبتمبر الولايات المتحدة قوة بلا انتصارات


اكد وزير الخارجية الامريكي الاسبق هنري كيسنجر، بأن مرحلة ما بعد 11 سبتمبر ستؤدي الى صياغة النظام العالمي للقرن 21. وقد مرت 6 سنوات على هذه المرحلة، والولايات المتحدة الامريكية ما زالت تخوض حربا استباقية، ردا على الهجمات الارهابية التي ضربت مبنى التجارة العالمي في نيويورك، رمز القوة الاقتصادية الامريكية، ومبنى البنتاغون في واشنطن، رمز القوة العسكرية الامريكية.
وتختلف هذه الحرب كثيرا عن غيرها من الحروب لانها ليست بين دول، بل بين دولة هي الولايات المتحدة، وبين ظاهرة هي الارهاب. ويستخدم الارهابيون في اساليب نشاطهم لضرب المصالح الامريكية عبر العالم، (العلم) وتكنيك (حرب العصابات)، مما يجعل مسالة انتصار الولايات المتحدة في هذه الحرب امرا مشكوكا فيه. وهذا يفسر اعلان الرئيس بوش عقب هجمات 11 سبتمبر، بانه: لن يميز بين الارهابيين والدول التي تاويهم. هدفه في ذلك، ملاحقة الدول بدلا من الارهابيين الافراد.


وحدد الرئيس بوش على وجه الخصوص، من بين الدول التي تقف وراء الارهاب، العراق وايران وكوريا الشمالية، وحذر هذه الدول الثلاث التي اطلق تعبير (محور الشر) بأنها اذا كانت راغبة في تطوير أسلحة الدمار الشامل، وتوفير الماوى للارهاب، فأن الولايات المتحدة مستعدة للتصرف معها على اساس وقائي.
ومواجهة الدول تحتاج الى عمليات سرية يقوم بها ضباط المخابرات الامريكية بجانب العمليات العسكرية التي يقوم بها البنتاغون. والعمليات السرية تتم عادة في الولايات المتحدة باشراف الكونغرس، وهو مبدا تتميز به الولايات المتحدة عن باقي الدول لتحول دون اساءة استعمال السلطة من قبل الحكومة. وهذه هي فائدة المؤسات الديمقراطية التي يفتقدها عالمنا العربي والاسلامي. فحكام العرب والمسلمين (اطال الله اعمارهم) هم الذين يقروون مصير ومستقبل ملايين الشعوب العربية والاسلامية، دون اي رقابة او حساب (!)
ولكن المؤسسات الديمقراطية تتوقف في الحالات الطارئة، عند مواجهة الامة تحديات بمستوى هجمات 11/9. فحالات الضرورة اطلقت يد الحكومة الامريكية لتنفيذ اجراءات تتناقض مع القانون والاخلاق بحجة المصلحة العليا لامن اللدولة.


وتم تبرير وسائل (التعذيب) التي مارستها المؤسسة العسكية الامريكية، في غوانتانامو، وابو غريب بهدف حماية الامن القومي. فاولوية الامن سيكون المبدا الذي ستردده الحكومة الامريكية ومعها جميع الحكومات عبر العالم الديمقراطي والدكتاتوري على حد السواء على امتداد السنوات الست الماضية (!)
واصبحت كل الدول وفقا (لاستراتيجية الدفاع الوقائي) وقوانين الارهاب لا تلتزم بميثاق الامم المتحدة ومعاهدات جنيف، ولا تعرف قانونا غير الاهتمام بحماية نفسها، واصبحت كل الافعال اللاانسانية التي تقوم بها الحكومات خلافا لميثاق الامم المتحدة، مسموح بها وفقا لقوانين الارهاب.


وهكذا فتحت الولايات المتحدة بقيادة المحافظين الجدد، الطريق امام العودة الى حقبة العصور الوسطى، واجهاض كل المنجزات الجليلة والتشريعات الانسانية التي وضعت في خدمة الانسانية للحد من شرور الحروب والدفاع عن حقوق الانسان ضد التعسف واساءة استخدام السلطة من قبل النخب الحاكمة، سواء في الدول الديمقراطية او الدكتاتورية، لان الفرق بين الاثنين ليس في طبيعة السلطة فهي مفسدة في كل زمان ومكان، ولكن في وجود ضوابط لتحديد السلطة، وقد ادت هجمات 11 سبتمبر الى ازالة هذه الضوابط وانتهاك القواعد الجماعية، فانحنى القانون وتوارت العدالة واصبحت حقوق الانسان في اسفل السافلين امام حاجة المحافظين الجدد، لتحقيق مصالحهم الخاصة تحت شعار مواجهة الارهاب (!)
وحسب اعتقاد (مايكل غيرسون) كاتب خطب الرئيس بوش، بان هجمات 11/9، وفرت فرصة مناسبة ولحظة مثالية ونموذجية لصياغة الراي العام وحشده للتصدي للارهاب وحفظ السلام العالمي حول العالم. واصبح لدى الرئيس احساس بانه اقحم في هذه اللحظة التاريخية، لانجاز هذه المهمة العظيمة. فخاطب الشعب الامريكي والعالم، ووعدهم بهدفه الطموح قائلا: ان العدالة ستتحق لا محالة. وذلك اما بتقديم اعدائنا الى العدالة او حمل العدالة الى حيث يوجد هؤلاء الاعداء.


وهذا هدف خطير ينطوي على اعداد الشعب الامريكي والعالم لحرب طويلة بدون خريطة لا تعرف الانتهاء، حددها الرئيس ومساعديه (المحافظين الجدد) بعبارات اكثر طموحا: اننا سنستاصل الارهاب اينما وجد، مما سيفضي الى فقدان اعداد لا تحصى من الرجال والنساء والاطفال لحياتهم اينما توجه الامريكان لمواجه الارهاب (!)

وتحتى الاحساس بهذه المهمة التاريخية، اعلنت الولايات المتحدة بانها سوف لن تكون موثوقة الايدي بقرارت ميثاق الامم المتحدة التي تتحكم باستجدام القوة، واعتبرت بان هذه القرارات فاشلة ومجرد عبارات قانونية غير ذات معنى ولم تستطيع ان تحمي الامن والسلام الدوليين.
ويمر الاحتلال الامريكي الان في العراق باوقات عصيبة لان القصف الجوي الامريكي المكثف، لمواقع الجماعات المسلحة المتنوعة التي تقاتل قوات الاحتلال، لم يحدث تاثيرا يذكر على هذه الجماعات التي اصبحت تسيطر على الموقف في العراق.


وخلال عمليات القصف التي تنفذ باسم مكافحة الإرهاب ونشر الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الانسان (المزعوم)، سفكت سلطات الاحتلال الآلاف من الأرواح البريئة، المحمية بالقانون الدولي الانساني، واستباحت اثناء عمليات المداهمة حرمات المنازل وازهقت ارواح الناس وسلبت املاكهم واعتدت على اعراضهم، واعتقلت الآلاف من الناس لمجرد الشبهة، وتعرضوا هؤلاء المعتقلين في معتقلات الاحتلال والسجون السرية للحكومات التي شكلها الاحتلال إلى ابشع أنواع التعذيب دون محاكمة، وكان غالبيتهم ابرياء حسب الاعترافات الاخيرة للناطق باسم حكومة المالكي، مما جعل حقوق الانسان في العراق في ادنى مستوياته.


واخذت الصحافة الامريكية والعالمية تشير الى ان الرئيس بوش ومساعديه (المحافظين الجدد) في طريقهم الى هزيمة كهزيمة فيتنام..ووصلت الامور الان الى حد ان الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء السابق، بطلب من الامريكان، الاستعانة بكوادر من حزب البعث، والجماعات المسلحة (المتهمة بالارهاب ) للسيطرة على الامن والنظام. وهذا التعبير يعني ترتيب خروج القوات الامريكية من العراق بكرامة. وتزامنت مع هذه التصريات زيارة الرئيس بوش لمنطقة (المثلت السني) المتهم بدعم الارهاب(!)

ويبدو بان الامريكان لجاوا الى هذا الخيار مجبرين، بعد فشلهم في التعامل مع ايران واتباعها في العراق. وهذا الفشل امر طبيعي بعد ان اصبحت العلاقة بينهما غير متكافئة، فايران واتباعها العراقيين ليسوا على استعداد لمعونة الولايات المتحدة، او اعاقة هزيمة الجيش الامريكي في العراق، دون الحصول على تنازلات تمس المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة التي من اجلها جاءت الولايات المتحدة الى العراق. وبذلك فعنصر المصلحة المشتركة بينهما اصبحت مفقودة بعد ان حصلت ايران واتباعها على (العراق) بدون عناء، وبدماء الجنود الامريكان واموال دافعي الضرائب (!)

وهذه الاشكالية التي وقع بها الامريكان في العراق، سوى بوعي او بدون وعي، هي نتيجة تعاملهم مع شيعة العراق من خلال صيغة المحاصصة الطائفية، كانهم شعبا منفصلا في العراق، واعتبارهم من (اتباع ايران) وليس عرب اقحاح من أتباع الامام علي (ع) صهر النبي العربي، ووطنيين عراقين ليس لهم صلة بالتشيع الايراني.


والتشيع الايراني ذو فلسفة دينية خاصة، مستقاة من المصادر الفارسية القديمة الغنوصية والزرادشتية، المحاطة بهالة من القداسة والغموض، الذي يحول الواقع الى رمز اعلى من الوجود. وهذه النظرة الدينية، ذات المصدر العرفاني الباطني، لا يستذوقها التشيع العربي القريب الى الاسلام العربي السني، ولانها تقف ضد اي عنصر عقلاني في الاسلام، وتؤدي في النهاية الى حصر مهمة العقل في التحليل الفكري. وربما لهذا السبب سلمت ادارة بوش المراكز الحساسة في الدول العراقية للعراقيين من ذوي الاصول الايرانية او العرب المتفرسين وهو سر العلاقة الحميمة والروحية التي تربط ايران بالحكومة العراقية الحالية (!)

اما بخصوص قبول تعامل بعض فصائل البعث وبعض عشائر المثلث السني مع الاحتلال، الذين اطلق عليهم مؤخرا مصطلح (الصحوة!!)، والذي تجسد بتسليحهم او ربما باطلاق سراح قادة الجيش العراقي (المنحل) المحكومين بالاعدام، كثمن للتعاون، فيظهر بان اصحاب (الصحوة) ابتلعوا الاهانة والاذلال والتدمير الذي تعرض له العراق كيانا وشعبا، وتتنازلوا عن ارواح الالاف من الضحايا الذين ذهبوا اما ضحية القصف الامريكي او التعذيب في سجون الاحتلال او في معتقلات وزارة الداخلية التي تم تنظيفها مؤخرا من المجرمين باعتراف الناطق باسم حكومة الجعفري (!) فاستغلوا هذه (الفرصة) لينتقلوا الى المصالحة مع الاحتلال وحكومة الاحتلال، حيث يبدوا بان ابعادهم عن السلطة والنفوذ كان يعذبهم (!).. وكما يقول نيتشة: لا نقدر في بعض الاحيان ان نحصل من شخص ما على شيء ما الا بجرحه وجعله عدوا: الشعور بان له عدوا يعذبه لحد انه يستغل اول اشارات اللطف والدماثة كي ينتقل الى المصالحة ويضحي على مذبح هذه المصالحة بالشيء الذي كان يتمسك به جدا والذي كان لا يريد اعطاءه مهما كان الثمن.

وبموجب هذه السياسة الامريكية (الخبيثة ) الخطرة، التي تقوم بدعم حكومة المالكي من جهة، ورد الاعتبار الى بعض اطراف البعث وتسليح بعض عشائر السنة من جهة اخرى، ثم التصعيد مع ايران وتاليب الشعوب والانظمة العربية عليها، بعد ان سمحت لها بالتغلغل والسيطرة على العراق من جهة، ثم الضغط على الانظمة العربية ودول الجوار، بدعم العملية السياسية ومساعدة العراق من جهة اخرى...
بموجب هذه السياسة المراوغة تشجع الولايات المتحدة على اشعال حرب اهلية في العراق ستكون شاملة لتورط القوى الاقليمية فيها، وستكون مهمتها مراقبة هذه الحرب وتحريكها من بعيد، وحماية (ابار النفط العراقية) وهذا يفسر عدم توصية السفير الامريكي في العراق (كروكر- بترايوس) في تقريره الاخير بخروج سريع القوات الامريكية من العراق.

وارى بان الولايات المتحدة اتخذت هذه الخطوة نتجة فشلها بتعزيز سلطة الاحتلال على العراق وموارده، ويمكن تحقيق هذه الخطوة بحكومة من الطاقم الصديق للمحافظين الجدد، حسب مواصفات بول ولفويتز نائب وزير الدفاع الاسبق.
واصبحت قوتها العسكرية (وهي القوة العظمى الوحيدة في العالم)، تحت ضربات ابطال المقاومة العراقية المسلحة والقوى الوطنية التي لم تتوقف طيلة الاربع سنوات الماضية، قوة بلا انتصارات (!)

الدكتورة راقية القيسي
جمعية الحقوقيين العراقيين ndash; لندن