حدثني أحد المعارف ويعمل سائقا لسيارة أجرة في كركوك، أنه أقل ذات يوم أحد الأشخاص من دون أن يعرف أنه إنتحاري من جماعة القاعدة، فقد بدا متنكرا يخفي تحت سترته حزاما ناسفا، وأنه طاف به عددا من أحياء وشوارع كركوك من دون أن يقتنص الإنتحاري هدفا يفجر به نفسه.. فنزل بعد يأس من السيارة مخاطبا السائقquot; للأسف لم أتشرف الليلة بضيافة الرسول ( ص ) quot;. يقصد ( الإستشهاد ) إنتحارا ليحل ضيفا كريما مكرما على سيدنا الرسول؟!..
ولا أدري هل كان الإنتحاري يبحث عن طابور للمتقاعدين، أو تجمعا لعمال المساطر، أو تجمهرا لأطفال المدينة ليفجر بينهم نفسه؟!. أو هل أن الرسول الكريم كان سيرحب به، وقد أزهق أرواحا بريئة لا ناقة لها ولا جمل في حرب القاعدة مع النصارى واليهود؟!. أم أنه سلام الله عليه كان سيعاتبه بإخطائه الهدف وإنتزاع أرواح كرمها الله في عليائه بجعل منبتها ومستقرها جنات الخلد؟؟!
أم أنه كان سيرضى عن المجاهدين التسعة عشر الذين ألحقوا بالإسلام أفدح الأضرار بغزوتهم لنيويورك، وهي الغزوة التي أدت الى إعلان العالم برمته حربا ضروسا ضد الإسلام تحت شعار مكافحة الإرهاب؟!. فعلم كل ذلك عند الله العليم الخبير.
ولكن الذي أعرفه وأستنتجه من التداعيات لما بعد غزوة نيويورك هو، أن الإسلام لم يواجه طوال تاريخه مثل هذه الحملة الشعواء التي تستهدف إقتلاع وجوده على الأرض كما يحدث اليوم على مستوى العالم..
فجيوش العالم محتشدة برمتها ضد الإسلام، ومليارات الدولارات تصرف كل سنة لخنق هذا الدين الذي أنزل رحمة للعالمين. دين قيم دعا الى مجادلة الناس بالحسنى، وأنه لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى، وأن الدين لله ولا إكراه فيه، فلماذا تلك المغامرة غير المحسوبة النتائج التي سميت بغزوة نيويورك؟؟!!.
لا جدال في أن الإسلام يتعرض اليوم الى حملة شرسة تستهدف كيانه ووجوده، بعد أن كان مقبولا لا بل مرحبا به في المجتمعات الغربية، وكانت تلك المجتمعات تحترم معتنقيه وتوفر لهم سبل العبادة، ولكنهم اليوم تحولوا الى منبوذين محتقرين في معظم تلك المجتمعات الغربية.
لا أريد الإطالة في النتائج السيئة التي حصل عليها الإسلام بقتل 3 أو 4 آلاف أمريكي، فمنذ تلك اللحظة قتل 300-400 ألف مسلم أو أكثر من ذلك بسبب الحرب المعلنة ضد الإسلام، يكفي أن نشير الى الضحايا العراقيين الذين سقطوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة في العراق جراء تداعيات تلك الغزوة النيويوركيةويفوق أعدادهم ذلك بكثير، ولكني أتساءل فقط مجرد تساؤل، ماذا لو إخترنا غير تلك الطريقة في الجهاد لمواجهة النصارى واليهود؟؟!.؟. أي باللجوء الى طرق الجهاد الأخرى غير القتل والهدم والتدمير..
يقول الباريء عز شأنه في محكم كتابه الكريم ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ).
فماذا لو إهتدينا فقط بهذه الآية الكريمة وجعلناه منهاجا وشرعة لنا في ( نضالنا ) الإفتراضي ضد اليهود والنصارى؟..
ماذا لو كرس زعيم القاعدة أسامة بن لادن جزءا من أمواله الطائلة وجزءا من التبرعات الهائلة التي تتلقاها منظمته من شتى البلدان العربية الإسلامية تحت مسميات عديدة لنشر مباديء الإسلام السمحة في المجتمعات الغربية ( يهودية ومسيحيية) بدل القتل والدمار؟؟.
من مباديء الإسلام:
مبدأ العدل (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ).. و( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).
ومنها مبدأ المساواة ( وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ).. و(مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ).
ومنها مبدأ الأخوة في الإنسانية ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).
ومنها مبدأ العفو والرحمة ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) و (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً ).
ومنها السلام ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) و (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ).
ماذ لو تحولت القاعدة الى منظمة داعية للتعايش والسلام مع شعوب الأرض، تنوب عن الحكومات الدكتاتورية الغارقة في غيها في إعطاء الوجه الآخر من الصورة الجميلة لهذا الدين الحنيف داخل المجتمعات الغربية الغارقة في الفساد، وتحقيق شعار( الإسلام هو الحل )؟؟!!..
ماذا لو أن القاعدة ومن لفوا لفها أرسلوا التسعة عشر إنتحاريا الى الولايات المتحدة لتلقي علوم الكومبيوترات والتكنولوجيا الحديثة وإستخدام عقولهم من أجل نشر الإٍسلام في أخطر الشبكات المعلوماتية وهي الأنترنيت، يعرضوا فيها القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأمين، وسيرة الصحابة الخيرين والتابعين ومن تبعهم من الذين أوصلوا الدين الى أقاصي الشرق عبر التجارة والسفر وليس نشره بالسيف والدم؟!.
ماذا لو كرست القاعدة عشر معشار إمكانياتها المادية لفتح مدرسة في قرية قصية بجبال كردستان، أو بلدة نائية في الصحراء المغربية، أو في مدينة أفريقية، بدل إرسال إرهابيين يفجرون أنفسهم وسط المهنئين بعيد الأضحى في أربيل،أو قتل الناس في مقهى للأنترنيت بالمغرب، أو تفجير مبنى سفارتين مليئتين بمواطنين من غينيا؟؟!!.
ماذا لو أرسلت القاعدة أبو قتادة المغربي، أو أبو الدحداح السوري، أو أبو عبيدة التونسي لتعليم أطفال السودان وماليزيا أحكام الإسلام وحفظ القرآن، بدل إغتيال أطفال العراق بالمفخخات، وتفجير الجسور والأبنية بالعبوات الناسفة؟!.
ماذا لو أن القاعدة عمرت مسجدا في مدينة حلبجة الذبيحة، أو الفلوجة المحطمة، أو ديالى المهدمة، بدل تفجير الحسينيات الشيعية والمساجد السنية في بغداد والبصرة؟!.
ماذا لو أن القاعدة تحملت تكاليف طبع كتب الأئمة الأخيار وعباقرة الإسلام على حسابها ليعرف العالم نوابغ الإسلام، بدل تفجير مراقد هؤلاء الأئمة في الخالص وسامراء؟!.
أعتقد راسخا أن القاعدة لو فعلت ذلك لكانت خيرا ولجزت ثوابا أفضل من ثواب قتل الناس في الشوارع والطرقات وتفجير المساجد والكنائس والأبنية، لأن ذاك الثواب كان أدوم، ولكان الإسلام اليوم أفضل حالا، بعد أن أصبح المسلم يخجل من أن يشهر دينه، أو التصريح به خشية التوصيف بالإرهاب؟؟!!..
لقد أصبح الإرهاب مرادفا للإسلام، فهل هذا ما أراده إبن لادن والظواهري والزرقاوي ومن يواصلون نهجهم في بث الدمار والخراب بديار الإسلام؟؟!
فضد من تحارب القاعدة في العراق مثلا، ضد اليهود والنصارى، أم أن من يقتل فيه هم مسلمون يشهدون أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟؟!!..
فالله الله في دماء المسلمين
والله الله في دين الله...
شيرزاد شيخاني
التعليقات