في عام 1973 وفي بغداد كان يسكن منطقتنا وبجوارنا شخصا كردي الأصل، وقد كنت اجهل الكثير عنه الا اني توصلت الى مؤشرات اثبتت لي انه شخصية مهمة ويتمتع بشعبية كبيرة من خلال كثرة زائريه واصدقاءه الذين كنت التقيهم بالصدفة اثناء زيارتي له في بيته، فلا يمر يوم الا وارى في بيته عدد من اصدقاءه ومحبيه لقد كان رجلا لطيفا ومتواضعا، وكنت حينها اشعر بسعاد حين التقيه حيث كان يوجه لي دائما النصح والكلام الطيب، لقد كان كثير القراءة ويقضي معظم وقته في البيت بعد عودته من عمله في دائرة الكهرباء الوطنية الكائنة في ساحة الخلاني، ومن خلال ذلك اكتشفت انه شخصية كردية مهمة وينتمي الى الحزب الشيوعي العراقي، كان عمره آذاك في الخمسينات اما انا فكان عمري في العشرينات وكنت حديثا في التعليم الجامعي...سألته مرة...كم سنة وانت تعمل في الحزب الشيوعي.. اجابني وهو يبتسم، اكثر من عشرين سنة، فقد ضحيت كثيرا من اجل الحزب ولكني اليوم نادم على كل ما قدمته للحزب... قلت وانا مستغرب.. لماذا انت نادم وانا ارى اعدادا من اصدقاءك يزورونك باستمرار وتقضي اوقاتا طويلة معهم.. قال وبدون تردد..لاتغريك اللقاءات انها مجاملات ومصالح..

ويستمر..اخي العزيز اريد ان انصحك لأنك شاب ما زلت في مقتبل العمر، ان لا تفكر يوما بالعمل مع اي حزب او اي جهة تعمل من اجل فئة او طائفة معينة لأنها لن توصلك الى شئ انما ستوصلك الى الندم لأنك ستفقد مستقبلك الذي تبغيه، اخي العزيز ان السياسة وخاصة في العراق هدر للوقت وكذب على الذقون هكذا قال ناصحا لي، ويستمر..فبالرغم من ان الشيوعية لا تمثل فئة او طائفة ولا قومية معينة الا انها حُرفت لدى معتنقيها في العراق ففقدت شعبيتها، هل تصدق ان بعض من اصدقائي الشيوعيين تخلوا عني وعن حزبهم والتحقوا بحزب البعث، هل تصدق ان بعضا آخر اما اعدم او هرب الى خارج العراق، هذا هو مستقبل من يعمل في الأحزاب، ويستمر..، بما انك جاري وتعرف باني انسان كردي هاجر من الشمال ليسكن بغداد، ساقول لك شيئا.. قلت تفضل.. قال..لقد قام القادة الكرد بمطاردة ومحاربة واعتقال الشيوعيين في الشمال، فبالرغم من اننا نحن الشيوعيون وقفنا الى جانبهم من اجل الحرية لكنهم غدروا بنا، اتعلم لماذا.. قلت لا.. قال.. لأن الكرد قوميون عنصريون ونحن امميون... وسافشي لك سرا.. اني احد المطاردين وقد هربت الى بغداد خوفا على حياتي!

ولذلك يا جاري العزيز انصحك ان تتجنب الأحزاب الطائفية والقومية العنصرية لأنك قد تفقد بسببه حياتك وقيمك ومثلك في الحياة لا بل قد تفقد اهلك واصدقاءك بل كل مستقبلك.
هذا ما نصحني به هذا الجار قبل اكثر من ثلاثين عاما، واليوم لا ادري ان كان حيا او في ذمة الله.

في العراق اليوم كما بالأمس ساسة منتمون الى احزاب دينية وقومية وعلمانية متعددة جميعهم يدعون المبدئية والوطنية والإخلاص في عملهم السياسي من اجل الوطن، لكننا لم نرى من نتائج سياساتهم جميعا غير الفساد والنهب والجريمة وهدرا للوقت، وقد تجلى ذلك من خلال ما يدلون به كل يوم من تصريحات غريبة وعجيبة، اذكر منها....
يقول بعضهم..ان سبب التدهور الأمني يعود لإندساس عناصر من اجهزة النظام السابق في اجهزة وزارة الدفاع والداخلية الحالية، ويضيف آخر ان الفساد الإداري والعنف الطائفي جاء نتيجة الإحتلال الأمريكي، وليس بسبب فساد الحكومة كما يقول المعارضون، ويضيف آخرون من المتخصصون في لغة التصريحات المنمقة والتي لا تمت بالواقع بصلة اطلاقا، انهم منتخبون من قبل 12 مليون عراقي واخيرا تم تغييرها الى 15 مليون عراقي، ويطل ثالث ليقول بان القتل على الهوية يمارس من قبل ميليشيات شيعية وسنية مخترقة من قبل ازلام صدام وتنظيم القاعدة، وآخرون يتهمون ايران بزرع الطائفية في العراق وبنفس الوقت يدينون بالولاء لها، اما الأغرب فان البعض من القادة في الحكم يتهم جيش المهدي في زرع الفتنة الطائفية ويؤكد ارتباطه بايران، في حين يرى الآخر بان جيش المهدي هو ميليشيا عربية وقفت ضد الإحتلال الأمريكي، حالة من التناقض يعيشها اعضاء الحكومة دون استثناء حيث يدلون بتصريحين متناقضين وحسب الحاجة الأمريكية والإيرانية، بمعنى انهم بين حانة ومانة مرتبكين وغير صادقين.

الغريب بان هناك من لا يريد ان يصدق ان الحرب مع ايران شارك فيها الجيش العراق المكون من الشيعة والسنة والكرد الى جانب كل شرائح المجتمع العراقي مسلمون ومسيحيون وغيرهم، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها، فاهل الجنوب والشمال مدنيون او عسكريون شئنا ام ابينا كانوا معظمهم ضمن تنظيمات حزب البعث او ضمن تشكيلات الجيش الشعبي سواء كانوا مرغمين او طواعية، لكن الأغرب اليوم ان quot;معظمهمquot; إنتموا الى حزب الدعوة والثورة الإسلامية والحزبين الكرديين، وبعضهم يعملون ضمن ميليشياتها، تناقضات عجيبة غريبة تحدث في اوساط الحاكمين ولا ادري كيف اوصفهم فمنذ مقتل الملك فيصل الى مقتل عبد الكريم قاسم الى مقتل عبد السلام عارف الى مقتل صدام حسين والشعب العراقي مغلوب على امره من قبل حاكميه فهو يجبر ان يصفق ويصفق دائماً.

بعد اربع سنوات من غزو العراق، ما زالت اميركا تدير شؤونه عبر مجموعة رجال غير كفوئين اختارتهم اميركا لهذه المهمة عبر انتخابات غير نزيه، فهم يديرون شؤون العراقيين بمفاهيم ورثوها من اجدادهم، وقد تمرسوا على حفظ جملتين واحدة سلبية وأخرى ايجابية حيث يستخدمون الجملة المناسبة في المكان المناسب وطبعا عند الحاجة، فهم يفهمون العمل السياسي هكذا، ويطالبون العراقيين ان يصدقونهم.


اجتماعات ولقاءات ومؤتمرات وتصريحات ودوائر فديوية، وانسحابات، وزراء يُتهمون بنهب المال العام، خروج كتل برلمانية { زعلانة } وعودتها فرحانة، اتهامات متبادلة بين المسؤولين، الأكراد يهددون بالحرب ضد العرب اذا لم يحققوا مطاليبهم في كركوك، والمسلمون منشقين بين سنة تدعمهم بعض الدول العربية وشيعة تدعمهم ايران، وصحوات عشائرية عجيبة في مناطق العراق، دعوات لإقامة مناطق آمنة للمسيحيين على ارض وطنهم، النفط يباع بدون علم الحكومة، ميليشيات تجوب الشوارع، رؤساء الوزراء يتهمون البعض، اعلان عن مصالحة ولا احد يعرف مع من المصالحة، مهاجرون بدون هدف، قصف المدن، مداهمات وحرب شوارع في النجف وديالى، جثث في المزابل كل يوم،لا كهرباء لا ماء، فوضى، آيات الله تنصح، والمشايخ تفتي والسادة يصرّحون والرئيس الزعيم يجامل وضيّعِنّة المشيتين بابتساماته، احتلال مناطق واعلانها دول مستقلة، كل هذا يحدث في العراق والحكومة تدعي انها منتخبة.


ختاما نقول ان الحجة والخطة الإيرانية والأمريكية التي سيتم بسببها تقسيم العراق قد نجحت، حيث ومنذ غزو العراق اعلنوا ان حكم العراق سيتم على اساس المحاصصة الطائفية والحزبية، وتوّجوا نجاحهم اليوم بتوجيه بعض من عشائره لتعلن صحوتها فزادوا الطين بلة، وهذا هو الهدف الذي تتقاسمه إيران و اميركا، وعاجلا ام آجلا فان quot; شعب الأدب والثقافة والعلوم والوطنية في العراق quot; الذي كان بعيدا عن الطائفية والعنصرية بات تغيير ثقافته ضروريا للبدء بتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به اميركا ودعت المتحالفين معها لدعمه.

ادورد ميرزا
استاذ جامعي مستقل