تعرفنا عام 2004 على كثير مما يدور في دهاليز بعض المنظمات الحكومية الدولية، خصوصا الفاو، اليونسكو، والوكالة الدولية للطاقة النووية. في حينه نشرنا بعض المقالات عن حالة عربية شاذة في منظمة دولية، وكان أن استوقفتنا ضجة بين المثقفين العراقيين، وكتابات نشرت هنا وهناك؛ كما كتبنا مرة عن حالات البيروقراطية والفساد في منظمة التغذية والزراعة، الفاو.
في هذه الأيام تعود ضجة صحفية عن اليونسكو، حيث قرأنا مقالات في صحف مصرية ولندنية عن الترشيحات العربية الجارية لمنصب المدير العام لليونسكو.
لقد اتصلنا بعد قراءتنا لما نشر بعدد من الأصدقاء والمعارف المطلعين على تفاصيل الأمور، ومنهم موظفون في الأمانة العامة. وإلى القارئ شيء عن المشكلة القائمة، والضجة حولها:
بعد أسابيع تشغر وظيفة مدير عام منظمة اليونسكو في باريس. كانت سلطنة عمان قد رشحت سفيرها لدى اليونسكو، الذي هو أيضا رئيس المؤتمر العام، لهذا المنصب الهام. أما المغرب فقد رشح السيدة بناني، سفيرة المغرب لدى اليونسكو والرئيسة السابقة للمجلس التنفيذي للمنظمة. بعد هذين الترشيحين رشحت مصر الأستاذ فاروق حسني، ليكون ثالث مرشح عربي، حيث المفترض أن يعود المنصب في هذه الدورة لعربي.
لقد سعى الرئيس المصري لدى سلطنة عمان لسحب ترشيح سفيرها فاستجابت. أما المرشحة المغربية فهي لا تزال مرشحة، وهذا ما أثار ثائرة بعض الصحف المصرية واللندنية، في محاولة لتفسير الترشيح المغربي كتحد لمصر، واستصغار متعمد لمرشحها11
لسنا هنا بصدد مقارنة الأشخاص وكفاءة كل منهم، ولعل المرشح المصري هو الأكفأ، علما بأن الترشيحات العليا في المنظمات الدولية الحكومية تسيّرها العلاقات، والمساعي، والمناورات الدبلوماسية، وليس فقط مستويات المرشحين، بل في بعض الحالات لا يؤخذ المستوى بنظر الاعتبار. أما عند تكافؤ المستويات فالنجاح سيكون لمرشح الدولة ذات العلاقات الدبلومسية الأكثر والأقوى، مع مراعاة كل ظرف سياسي دولي.
إن معضلة مصر وبالأخص كثيرين من صحفييها هي اعتبار كل مرشح مصري هو الأولى والأكفأ بلا مقارنة ولا مناقشة، واعتبار كل مرشح عربي آخر متطاولا على هيبة مصر ومكانتها1 وأكثر من هذا، في بعض الحالات كانت مصر تصر على مرشحها حتى لو كان غير مرشح الجامعة العربية، وهو ما حدث عام 1997 في الانتخابات لنفس المنصب في اليونسكو. إن التقليد عادة هو أن يجتمع وزراء كل مجموعة انتخابية لاختيار المرشحين للمقاعد الشاغرة المخصصة لها، وبالنسبة للدول العربية يتم الاتفاق على هذه الترشيحات في اجتماعات وزارية للجامعة العربية. في العام المذكور اختارت الجامعة مرشحا واحدا هو الدكتور القصيبي، المثقف السعودي اللبرالي، الذي تعرض باستمرار لحملات رجال الدين السعوديين المتشددين. كانت مصر ضمن الدول التي صوتت لهذا المرشح، غير أنه لم تنقض أيام حتى تقدمت دول أفريقية بترشيح الدكتور المصري إسماعيل سراج الدين، وذلك من وراء قرار الجامعة العربية المتخذ بالإجماع. لم يكن ذلك ممكنا دون اتصالات مكوكية مصرية رسمية في الكواليس بالدول الأفريقية من وراء ظهر الجامعة العربية. مرة أخرى لسنا بصدد المقارنة بين كفاءات المرشحين المذكورين، ولكن للإشارة مجددا إلى هذه المعضلة المزمنة التي تتصور أن مصر، وكقاعدة عامة، أحق من غيرها للمناصب الدولية.
إننا بالطبع نعرف تماما أن في مصر كفاءات ثقافية، وإدارية، وعلمية عالية جدا، وهذه مفخرة للعرب كلهم، وقد تعلمنا جميعا في مدرسة الأدب والثقافة المصريين، ولا نزال من المعجبين بفطاحل الأدب، وعمالقة الثقافة المصريين، ممن أثروا الثقافة العربية، بل والأدب العالمي، منذ بداية القرن العشرين.
إن هذه كلمة منصفة يجب أن تسجل، ولكن من الحق أيضا أن يتم الاعتراف بكفاءات عربية أخرى لا شك في وجودها.
عبد الرحمن الناصري
التعليقات