إذهب أنت وإسرائيل فقاتلا.. إنّا ها هنا قاعدون

-1-

بعد خراب العراق وإفغانستان ولبنان وإطلاق يد إيران في الشرق كلّه وتركها تنمو وتنمو وتقوى وتكبر عسكريا حتى بلغت من القوة مبلغا يستحيل على العرب والترك والأمريكان ذاتهم ( ربما ) تداركه، يجيء السيد بوش إلى العرب، عرب الخليج الطيبين المنشغلين منذ عشرات السنين بتنمية وتطوير بلدانهم ومجتمعاتهم سلميا، يأتيهم محرضا على إيران..!
هل من بلاهة اكبر من تلك البلاهة وهل من سخف اشد من هذا السخف؟
طيب.. اما كان ممكنا أن تفعل هذا قبل خراب البصرة، نعني خراب العراق!!
اما كان جديرا بك أن تفعلها منذ سنوات حين كنت لما تزل في بواكير حكمك وأمامك سنين عدة للتحرك بحرية ضد منبع الشرّ ومصدر الفتنة والبؤس والخراب في الشرق كلّه وهو النظام الإيراني؟
هل كان العراق جديرا فعلا بكل هذا الحصار الظالم لما يفوق العشرة أعوام، ثم لتلك الضربة الماحقة التي لم تنهي النظام، بل الشعب العراقي الذي كان موحدا منسجما متحابا قبل أن تأتيهم بفتنة التقسيم العرقي والطائفي؟
وكيف تظن أن العرب يمكن أن يتوافقوا اليوم معك في جهودك التي لا يمكن أن يثقوا بها البتة بعد ما رأوه مما فعلته في العراق وما لا نشك في أنك فاعله ( وبالتوافق مع إيران ذاتها ايضا ) في بلدانهم؟

-2-

يرد في النصّ القرآني..أن موسى حين جاء لقومه راجيا إشراكهم في حربه وحرب ربّه ضد أعدائه وأعدائهم، ردّ هؤلاء عليه هاتفين بشجاعة ووضوح شديدين:
( إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون ).
الرّد منطقي لا ينطقه إلا العقلاء فعلا وصدقا.. ( إن كنت صادقا في القول أن تلك حرب الله فإن الله كفيل باعداءه ولا ضرورة لحضورنا، فمن يدري قد تكون مشاركتنا إجراما بينما مشاركة الله هي فعل طبيعي من القوي الحق مالك الملك وخالق كل شيء وبالتالي فتلك مسؤوليته في أن يحي أو يميت وليس مسؤوليتنا نحن البشر الضعفاء.. فلا ضرورة لتوريطنا في أفعاله النابعة عن حريته وقوته المطلقة وإمتلاكه الحقّ لِسنام كل حيّ وحياة )..!
وهكذا هو حال أهلنا الخليجيين ( إن كنت ترى في إيران عدوا لك فهم ليسوا أعداء لنا ولم نستثرهم يوما ولن نفعل، أما حدودنا فآمنة وأنظمتنا جاهدة في سد الثغرات الإجتماعية والسياسية ( بينما انت ذاتك إجتهدت في تمزيق اللحمة الإجتماعية العراقية وهذا ما لن يكون في بلداننا )، فإن كنت ترى أنك
قادر أنت والعزيزة إسرائيل على ضرب إيران فأفعلوا إن كان لكم مصلحة في ذلك ( بينما لا مصلحة لنا نحن ).
إفعلوها أنتم إن كنتم قادرين، بينما نحن هنا قاعدون لحراسة حدودنا ونُظّمنا ولحمتنا الإجتماعية وما بنيناه بواردات البترول منذ عشرات السنين.
إفعلوها إن شئتم ولا تورطونا مجددا في افعال نعرف سلفا أنها ستعود وبالاً علينا لا عليكم ولا على الإيرانيين ).

-3-

إذا كان من حرب يجتهد الأمريكان لإشعالها مجددا في شرقنا البائس الحزين، فإنها قطعا لن تضر أمريكا ذاتها لأنها بعيدة كل البعد ولن يصلها ولا حتى رذاذها، ناهيك عن أن الحروب تجارة رابحة للشركات الأمريكية العملاقة وبينها شركات توظيف المرتزقة كتلك العاملة اليوم في العراق والتي يفوق عدد عناصرها قرابة المائة وثمانين الفاً..!
اما إسرائيل فحفظها الله ورعاها، اذكى من أن تتورط في حرب مباشرة طويلة الأمد ويكفيها أن تبعث طياريها وصواريخها لإنهاء جيوب إيران في لبنان وغزّة، بينما يتكفل الباتريوت بصّد ما سيأتي من صواريخ كرتونية لا نشك في أنها لا تقل وهناً عن صواريخ ( صدام )..!
ويبقى الخاسر الأوحد والأكبر هم العرب، والعرب وحدهم لأن هؤلاء هم من ستصلهم صواريخ إيران وقذائفها وهؤلاء ذاتهم من ستجتاحهم ( عقب إنتهاء الحرب ) شركات إعادة الإعمار والمرتزقة وفقهاء الطوائف الذين سيؤسسون ( كما فعلوا في العراق ) لدويلات طوائف ظلامية مريضة متخلفة يتزعمها لصوص الحرب وأمراءها من زعماء الإستكراد والتسنن و...التشيع السياسي..!
علما بأن امريكا وإسرائيل لن يضرِبا ولن يضرّا إيران، لأن ما يجمعهم معها اكبر وأكثر مما يفرقهم بدليل ما حصل في العراق وإفغانستان ولبنان وغيرها..!
بل العرب والعرب وحدهم المُستهدفين، المُراد توريطهم من أجل تكرار تجربة العراق فيهم بأي ذريعة وحجة كانت..!
لم يشكل النظام العراقي السابق خطرا جديا على الأمريكان حين أسقطوه ولا يمكن أن نصدق أنهم اسقطوه من اجل عيون الصدر والحكيم والطالباني والمالكي..!
لا أبدا ولكنه البترول والهيمنة وإعادة رسم خارطة المنطقة من جديد بالتوافق مع إسرائيل وإيران..!

-4-


( لقد سقطت على العالم وعلى كل من فيه مصيبة فادحة عندما انتخب جورج بوش رئيسا للولايات المتحدة. العالم كبير كما نعرف، وهو كبير فعلا على جورج بوش، فليس هو الشخص الذي يمكنه أن يخفف آلامه وأوجاعه. هذا شخص منذ أن quot;وُلد من جديدquot; وفُتحت عيونه كعيون الطفل الرضيع، وهو يرى العالم بصورة سطحية. وفقا لتقاليد المسيحي الاصولي الممزوجة بتقاليد الكاوبوي القادم من تكساس ).
يوسي ساريد رئيس حركة quot; ميريتس quot;، ووزير التعليم الإسرائيلي الأسبق

حين يقول لك السيد بوش أنه صديقك.. حذار أن تصدقه..!
بالذات في حالة شرقنا المريض..!
قال للأكراد نحن اصدقاءكم.. اوهمهم أنه معهم في حلم كردستان الكبرى، وما اسرع ما انقلب حين غضبت تركيا على هؤلاء، وبالحال قامت طائراته وراداراته بخدمة الجهد الحربي التركي بكل همّة و... خسّة..!
في الحالة اللبنانية.. لا يكف يوما عن ترداد أنه مع لبنان وشعب لبنان والديموقراطية اللبنانية، ومع ذلك لم يبذل ولا اقل الجهد في دعم هذا البلد وزعيمه السنيورة وتجمع قوى آذار الرافض للوصاية والحريص على بناء دولة لبنانية حرّة مستقلة حقا..!
لم يبذل على حكومة السنيورة ولا حتى عشر معشار ما دلقه من مليارات الدولارات على دعم كرزاي والمالكي، رغم أن هذين ابعد ما يكونا عن الديموقراطية ولا يمثلان شعبيهما البتة، ولا يشكلان حالة حضارية في بلديهما ولا يُتوقع منهما أن يخلقا ديموقراطية حقيقية، تضاهي الديموقراطية اللبنانية العريقة..!
في الحالة الخليجية، يتجشم الرجل عناء السفر إلى الخليج ومصر محرضا الناس على الإشتراك في حربه الموهومة القادمة ضد إيران.. يقول هذا بعد أن مزّق لُحمّة العراق وسلّم اشلاءه بالكامل لإيران، ثمّ.. بعد أن اجمعت اجهزة مخابراته الإثني عشر على إصدار صك براءة النظام الإيراني من أي نشاط نووي عدواني..!
غريب.. كيف يجتمع هذا بذاك ايها الرجل، وهل تظن أن العرب أغبياء ليصدقوك بعد كل ما فعلت؟

كامل السعدون