نشرت وسائل الإعلام نص الاتفاق الأمني المزمع عقده بين العراق والولايات المتحدة بعد أن أعلنت الحكومة العراقية موافقتها عليه وبالطبع لا يمكن لأي منصف أن يتجاهل أهمية عقد مثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات مع أميركا وضرورتها لمستقبل العراق ولسيادته إلا أننا لم نرد أن تأتي الاتفاقية سطحية وغامضة وشكلية بهذا الشكل فمن خلال مطالعتنا لنصها المنشور في وسائل الإعلام نجد أن الاتفاقية تعد خيبة أمل كبيرة بالنسبة للعراقيين وكارثة ماحقة بالنظر لما حوته من بنود لاتتماشى بأي شكل مع المصلحة العراقية لأنها فرطت وبشكل عجيب بمصالح العراق وتنازلت مجانا عن حقوقه التي ذهبت أدراج الرياح الأمر الذي يدل على فشل سياسي كبير لم يحدث مثله في أي مكان أخر فالاتفاقية في حقيقة الأمر ليست سوى إعفاء لأميركا من التزاماتها القانونية تجاه العراق الالتزامات التي حددتها القرارات الدولية اثر الحرب الأخيرة وبدلا من أن تفرض الاتفاقية على أميركا التزاما طويل الأمد بدعم العراق اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وعلميا تنازلت لها عن هذا الحق وجعلت الاتفاق مؤقتا لايزيد أمده على ثلاث سنوات أي أن أميركا حصلت على كل شيء من العراق مقابل لاشيء له الأمر الذي يعني نجاح المفاوض الأميركي نجاحا منقطع النظير في مقابل فشل ذريع للمفاوض العراقي الذي اخذ يلهث وعلى مدى عدة أشهر خلف مادة أو مادتين متجاهلا بقية المواد الأكثر أهمية فالمفاوض العراقي بنظرته الضيقة وبمخاوفه الباطنية واستسلامه للعاطفة واد فرصة الحصول على مكاسب ثمينة والتزامات مباشرة من الجانب الأميركي بتقديم ما يلزم لبناء العراق بناءا على خلفية تبنيه لعملية التغيير وفي هذه الحالة ربما وقع المفاوض العراقي ضحية استدراج من نوع ما أو أن المفاوض الأميركي لم يعارض التوجه العراقي أو يبذل جهدا لتغييره فالإدارة الأميركية الجمهورية تدرك جيدا أنها تحمل التزاما قانونيا وأخلاقيا بتأهيل العراق بعد التدمير الذي شهده أثناء الحرب وبعدها وربما هي تدرك حراجة موقفها السياسي بعد تحول السلطة إلى الحزب الديمقراطي لذلك لن يكون بإمكانها التخلص من هذا الالتزام بسهولة ما يجعلها بحاجة إلى هذا التنازل العراقي الثمين لكي تبرا ذمتها الثقيلة وهذا على الأرجح مرام الإدارة الجديدة (الديمقراطية) أيضا التي لا تريد أن تتحمل تبعات سياسة الإدارة السابقة سيما وهي تدرك جيدا صعوبة المهمة التي ستقع على عاتقها والتي وعدت الشعب الأميركي بان تتخذ موقفا جديدا منها وبدلا من أن يستفيد المفاوض العراقي من هذا التجاذب بين الإدارتين ومن الموقف المتقاطع لهما من هذه القضية اختار الطريق الأغرب وفرط باثمن فرصة يمكن أن يحصل عليها بلد من أميركا وهكذا ضحت الحكومة العراقية بالكثير من المكاسب التي يمكن أن تقدمها أميركا للعراق من اجل نزوة عاطفية لا غير وهو أمر يستدعي التساؤل عن مدى أهلية هذه الحكومة لقيادة البلد لان ماحصل يؤشر فشلا عراقيا بكل ما لهذه الكلمة من معنى ولتأكيد قولنا هذا سنناقش بعض مواد هذه الاتفاقية ممن لها علاقة بطرحنا لان الجزء الأكبر من الاتفاقية ليس سوى تفاهمات إجرائية لا أكثر وهي خاصة بتنظيم وجود وعمل القوات الأميركية في العراق ففي ما يخص المطالبات التي يمكن أن يطرحها الجانب العراقي عن الأضرار التي سببتها الحرب على واقع البلاد أكدت المادة الحادية والعشرين على تنازل الطرفان والمقصود هنا الجانب العراقي عن حق مطالبة الطرف الأخر بالتعويض عن أي ضرر أو خسارة أو تدمير يلحق بممتلكات القوات المسلحة أو العنصر المدني كذلك تمنح الاتفاقية الجانب الأميركي فرصة التملص من أي التزام تجاه البلاد بعد أن حدد أمد الاتفاقية بثلاث سنوات أي أن كل المواد التي نعتقدها في صالح العراق سوف تفقد مفعولها بعد هذه الفترة الزمنية القصيرة كحماية الأصول العراقية المشار إليها في المادة السادسة والعشرون وردع المخاطر الأمنية المشار إليها في المادة السابعة والعشرون وبدلا من أن تلتزم أميركا بحماية العراق أو نظامه الديمقراطي تلقائيا إذا ما أشير إلى ذلك في الاتفاقية سوف تحتاج الحكومة إلى مفاوضات وربما مساومات مع أميركا حتى تحصل منها على الدعم المطلوب و الذي قد لا يحصل أيضا لان أميركا لم تلتزم بذلك في المعاهدة ما يجعلنا نعتمد على طيبة المسئولين الأميركيين و رؤيتهم الناصحة أكثر من أي شيء أخر والغريب أن الحكومة فشلت حتى بإلزام أميركا بتسليح الجيش العراقي أو بالالتزام بإخراج العراق من طائلة البند السابع الأمر الذي يؤكد سوء العملية التفاوضية وعدم اقترانها بنظرة عميقة و بالطبع نحن نأمل أن تكون بنود الاتفاقية الإطارية أفضل بعض الشيء لأنها أن سارت على منوال الاتفاق الأمني سنكون وبحق أمام كارثة كبيرة وهدر إستراتيجي هائل وفي كل الأحوال نحن أمام فشل عراقي كبير.

باسم محمد حبيب