المعروف أن سوريا تعارض أي اتفاقية تعقد بين العراق والولايات المتحدة مهما كانت وبأي صيغة كتبت. فهي تريد خروج القوات الأمريكية من العراق وبأسرع وقت ممكن، كما صرح بذلك رئيسها بشارالأسد مرارا وكرره تكرارا. ويوم الأثنين 17 تشرين الثاني/نوفمبر صرح وزير الاعلام السوري محسن بلال لوكالة (أسوشييتد بريس) قائلا : (بدلا من مكافأة الأمريكيين المحتلين باتفاقية فان على العراقيين الحصول على اعتذار من واشنطن للتدمير الذى وقع لبلدهم). كلام جميل، ولكن :(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم... الآية)؟؟

لماذا لا تضرب لنا سوريا مثلا وتحرر هضبة الجولان التى تحتلها اسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود، وتحصل على اعتذار منهم على احتلالها؟ لماذا لا تسترجع سوريا لواء الاسكندرون الذى اغتصبته تركيا منهم بموافقة الرئيس الراحل حافظ الأسد؟ وقبل حوالي شهرين قصفت اسرائيل موقعا عسكريا (وربما نوويا) داخل سوريا، ولم تفعل سوريا شيئا عدا القول بأنها سترد على ذلك فى الوقت المناسب. وقد سمعنا هذا من قبل أيضا ولعدة مرات. أتستأسدون على لبنان والاردن والعراق وهم عرب مثلكم وتخنعون أمام غيرهم؟ لقد صح فيكم قول الشاعر: عبيد للأجانب هم ولكن***على بنى جلدتهم أسود.

لا يخامرنى أي شك فى أن حكام سوريا البعثيين يدركون جيدا وضع العراق المضطرب الذى هم أكبر المساهمين فيه، ويدركون أن الاتفاقية مهما كانت فهي خير من بقاء القوات الأجنبية فى البلد لمدة غير محددة، ويدركون جيدا أن اي انسحاب فوري لتلك القوات من العراق الذى يملك حاليا أضعف قوة عسكرية فى المنطقة، سيعرضه للتمزق والانهيار و يصبح ساحة حرب للدول الطامعة فيه من أمثال سوريا نفسها وايران وغيرها.

ليس سرا فى ان سوريا تحتضن كبار أعضاء حزب البعث العراقي الذين يتحرقون الى العودة الى العراق واعادة بسط حكمهم الدموي عليه. وليس سرا فى أن سوريا هي منبع أفكار حزب البعث الذى حكم سوريا والعراق عدة عقود وسبب أكبر كارثة للعراق منذ طرد العثمانيين منه، ولم نتخلص منه فى العراق الا بعد دخول القوات الأمريكية وازالة صدام حسين من الوجود.

ما كانت القوات الأمريكية ستبقى حتى اليوم فى العراق لولا تدفق الانتحاريين والمخربين المجرمين اليها من الحدود السورية، بعد أن أسقطت تلك القوات حكم البعثيين وأطمأنت على استمرار تدفق نفط الشرق الأوسط اليها (الذى كانت ولا زالت تشتريه بسعر السوق العالمية)، وأزالت حكم الدكتاتور المقبورالذى كان يطمح الى الاستيلاء على كل منابعه فى الشرق الأوسط بقوة السلاح، فهاجم ايران لاحتلال عبادان وفشل بعد أن قتل مئات الآلاف من العراقيين ودمرت البنية التحتية للعراق نتيجة لتلك المغامرة الحمقاء، ثم غزا الكويت، فكانت النكبة الكبرى للعراق، وأعطى بذلك الحجة للأمركيين بالحضور المكثف فى المشرق العربي.


عاطف العزي