تصارع الدولة التركية الزمن الآن بغية جر الكثير من الأطراف إلى جانبها في حربها المعلنة ضد هوية وحقوق الشعب الكردي في اقاليم كردستان الشمالية. الأيام الماضية حملت لنا بعض أوجه quot;الجهود الدبلوماسيةquot; لحكومة حزب العدالة والتنمية في اطار حربها ضد حزب العمال الكردستاني. محاولات جارية على قدم وساق لجر العراق واقليم كردستان وحتى الإتحاد الأوروبي الى عضوية (اللجنة المكلفة بمتابعة ملف حزب العمال الكردستاني). العدالة والتنمية يريد الإستعانة بالجميع لضرب العمال الكردستاني بعد أن فشل تماماً في تحقيق هذه المهمة عسكرياً وسياسياً.
حملة الحرب والحسم العسكري التركية تأتي في اطار المؤامرة الدولية ضد الكرد والتي ظهرت في اجلى صورها عام 1999 حين اختطاف أميركا وإسرائيل للزعيم الكردي عبدالله اوجلان وتسليمه للدولة التركية. قادة حزب العمال الكردستاني قالوا بان تركيا ماضية في سياسة الحرب وتريد جر المزيد من الأطراف إليها. ليس لدى تركيا اي نية لحل القضية الكردية بالشكل الديمقراطي السلمي. ليس في جعبة أنقرة سوى الحرب وشن المزيد من العمليات العسكرية.
التصريحات الكردية تقول بان المواجهة قد وصلت إلى مرحلة فاصلة. إما ان تنتصر الدولة التركية أو ينتصر الشعب الكردي ممثلاً بحركته التحررية: بشقيها العسكري والسياسي.
رئيس أركان الجيش التركي الجنرال إلكر باشبوغ بدوره يتحدث عن قرب القضاء على حزب العمال الكردستاني. باشبوغ قال هذا الكلام وفي صبيحة اليوم التالي نفذت قوات الكردستاني هجوماً نوعياً في منطقة (بي زلي) سقط فيه العشرات من جنود الجيش التركي.
تركيا تحاول الآن الإستعانة بخبرات الولايات المتحدة وإسرائيل والإتحاد الأوروبي في المجالات العسكرية واللوجستية والسياسية لتفعيلها واستخدامها ضد قوات حزب العمال الكردستاني. وهذه المساعي بحد ذاتها تدل على ضعف الموقف التركي وعجزه عن تحقيق اهدافه المعلنة في ضرب وشل قدرة العمال الكردستاني داخل وخارج البلاد.
رغم الحرب النفسية والحصار الإقتصادي واستخدام احدث التكنولوجيا العسكرية الغربية والحصول على المعلومات التي تجمعها طائرات التجسس الأميركية، إلا ان تركيا لم تحقق اي شيء ملموس ضد العمال الكردستاني حتى الآن.
حزب العمال الكردستاني حقق إنتصارات واضحة في مواجهات(أورمار) و( كابار) و(بي زلي) و( جوليك) و( آمد) و( ديرسم) و( زاب) وإستطاعت تشكيلاته المقاتلة ضرب القوات التركية في اعالي كردستان بالقرب من الحدود الروسية. ثمة من يرى تقدماً نوعياً في الحرب التي تشنها قوات الكردستاني. هناك استخدام لتقنيات جديدة ودخول اسلحة ثقيلة في المعارك ضد جنود الجيش التركي المتبعثرين في اقاليم كردستان. حرب الكر والفر وعبر المجموعات المقاتلة الصغيرة السريعة الحركة جعلت الجيش التركي يقف عاجزاً أمامها.
نتيجة أخرى من نتائج إرتقاء عمليات الكردستاني وعجز الجيش التركي أمامها، كانت في لجوء الدولة التركية ومسؤوليها الى الإتصال بحكومة اقليم كردستان الجنوبية( كردستان العراق). الساسة الكرد الذين كانت أنقرة تصفهم quot;برؤساء عشائر شمال العراقquot; وتوسمهم باحقر الصفات صاروا الآن شيئاً آخراً يركض المسؤولون الأتراك اليهم بغية استحصال مساعدتهم ضد قوات حزب العمال الكردستاني. لقد ساهمت التظاهرات المليونية التي قادها حزب العمال الكردستاني في ولايات كردستان الشمالية والمقاومة الضارية للقوات الكردية في دفع حكومة حزب العدالة والتنمية إلى الإتصال بقادة اقليم كردستان. حتى قائد الجيش الجنرال باشبوغ دعى الحكومة ورئيسها رجب طيب أردوغان الى الإتصال quot;بالمسؤولين في شمال العراقquot; بغية استجداء مساعدتهم في توسيع الحرب ضد العمال الكردستاني. وأنقرة وبمساعدة وضغط من الأميركيين وحكومة نوري المالكي في بغداد أستطاعت جر الطرف الكردي الجنوبي الى ماتسمى (باللجنة المكلفة بمتابعة ملف حزب العمال الكردستاني). كانت هذه اللجنة ثلاثية تضم أنقرة وواشنطن وبغداد، فصارت الآن رباعية تضم إلى جانب الثلاثة أربيل أيضاً. والخطة تقوم الآن على دفع قوات (البيشمركة) في اقليم كردستان لكي تتحرك ميدانياً ضد قوات العمال الكردستاني. يعني بكلام آخر، ضرب الكرد بالكرد وإعادة quot;حرب الأخوةquot; بين قوى الشعب الكردي مرة أخرى.
والسؤال هنا: هل ستخضع القوى السياسية في اقليم كردستان للضغوط التركية والعراقية والأميركية وتحارب قوات حزب العمال الكردستاني؟. ومقابل ماذا ستلجأ هذه القوى لمحاربة العمال الكردستاني بدل تركيا؟. وما الضمانة في الا تلتفت تركيا إلى الإقليم عسكرياً وتلجأ الى مهاجمته وتضييق الخناق عليه، وهي التي ترفض الحاق كركوك به وترفض الفيدرالية جملة وتفصيلاً؟.
الخطة التركية ترمي إلى ضرب الكرد بالكرد واضعاف الجميع. والقوى الكردية في اقليم كردستان فيما لو انجرت الى هذه اللعبة المهلكة تكون قد ارتكبت خطأ عظيماً بحق الشعب الكردي ومستقبله ومكتسباته، لايمكن التسامح معه أبداً.
وضمن هذا المشهد يبقى الموقف التركي رهن قوة وتنظيم الشارع الكردي في كردستان الشمالية وقوة حزب العمال الكردستاني العسكرية والتنظيمية. وثمة أمر آخر وهو في غاية الأهمية، ان تلجأ حكومة أربيل إلى رفض الضغوط الممارسة عليها وتصر على الحل الديمقراطي للقضية الكردية في تركيا وعرض التوسط بين العمال الكردستاني وتركيا. فيما لو حصل ذلك فإن الدولة التركية ستكون عاجزة أمام الكل ولن تستطيع فعل أكثر مما فعلته خلال الفترة الماضية.
يجب على القوى الكردية أن تتفق على ثابت مصيري وهو: لامواجهة كردية ـ كردية مهما حدث. هذا الثابت إذما توفرت الإرادة والإستقلالية لاتستطيع اي قوة، بما فيها الولايات المتحدة، أن تزيح الكرد عنه.
الدولة التركية عاجزة الآن عن الحاق الهزيمة بحزب العمال الكردستاني. هي عاجزة منذ 25 عاماً. ولاينبغي بأي حال من الأحوال مساعدتها على تنفيذ خططها التصفوية ضد هذا الحزب الجبار الذي يمثل طليعة الشعب الكردي في كردستان والعالم.
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يجوب مدن كردستان ويطلق التصريحات المخادعة بغية الإستحواذ على اصوات الملايين من الكرد (في الإنتخابات البلدية القادمة في آذار 2009 ) مستغلاً العامل الديني، بينما رئيس اركان الجيش الكر باشبوغ يصدر المزيد من أوامر الحرب وتوسيع العمليات العسكرية وقصف الجبال والوديان والتلال في كردستان. وفيما لو ثبت الكرد، جميع الكرد، على منهج المقاومة والنضال والرفض المبدئي لفكرة التقاتل الذاتي، فإن مصير خطة أردوغان ـ باشبوغ لن يكون بأفضل من مصير خطة تانسو تشيلر والجنرال دوغان غونش والتي استخدمت سياسة الأرض المحروقة وانتهت بفشل ذريع، مايزال مضرباً للأمثال في الأروقة السياسية في تركيا.
عزيز أوغور
[email protected]
ترجمة طارق حمو
* إعلامي ومعلق سياسي كردي
التعليقات