quot;تحمل منظمات مدنية عربية أكثر مما تحمله حكوماتهاquot;. تعبير أسر به إلي مراسل أجنبي أثناء اعتصام بادرت إليه منظمات المجتمع المدني اللبناني بعد الاقتتال الدموي الذي استباحت فيه مليشيات محلية لبنانية أرواح وممتلكات المدنيين في مايو الماضي. لكن هذه المنظمات المدنية التي باتت تحمل، وتتحمل، نتيجة التزامها بقضايا اجتماعية ملحة، ونتيجة مناداتها المزمنة التي لم تلق آذاناً مصغية من حكوماتها، ما تزال تحافظ على نفس الوتيرة من الزخم الذي انطلق به، وإن كانت اللغة قد تغيرت مع مرور ربع قرن على صحوة شبه شاملة لفت لبنان ودول عربية أخرى، التفتت فيها النخبة إلى أهمية عمل المجتمع المدني، وجدوى المناصرة الذاتية.
قمة الكويت 2009
تم تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والأمانة العامة للجامعة العربية بالإعداد للقمة العربية الإقتصادية والاجتماعية والتنموية التي تعقد في 19 و20 يناير المقبل في دولة الكويت بمشاركة منظمات عربية غير حكومية ومجالس وزارية متخصصة، واتحاد الغرف التجارية العربية ومؤسسات رجال الأعمال. تأتي هذه القمة تنفيذاً لقرار جامعة الدول العربية، وذلك في اطار قمة الدورة العادية التاسعة عشرة التي عقدت في الرياض العام الماضي. تخصص القمة للشؤون الاقتصادية والتنموية والاجتماعية بهدف بلورة برامج وآليات عملية لتعزيز وتفعيل الاستراتيجيات التنموية الشاملة والمتفق عليها. حيث يتمحور جدول أعمال القمة حول نقاط أربع أساسية هي الاستثمار والتجارة والأزمة المالية، البنية الاساسية في المنطقة العربية، الشق الاجتماعي: القطاع الصحي، قطاع التعليم، والبطالة، مستقبل المنطقة وأمنها في ظل فورة العلوم والتكنولوجيا، أزمة الغذاء، والتغير المناخي. فهل سيكون صوت المجتمع المدني، المتمثل من خلال المنظمات المدنية غير الحكومية العربية مسموعاً، وللمرة الأولى، على هذا المستوى من التنسيق؟
لا تزال آلية مشاركة منظمات المجتمع المدني في مسار التحضير للقمة، وفي القمة نفسها غير واضحة، حيث من المفترض أن يتم تنظيم منتدى، خلال ديسمبر الجاري، يخصص لمشاركة منظمات من المجتمع المدني وجهات من القطاع الخاص. لكن لا تزال آلية المشاركة فيه، بالإضافة الى أجندة الاجتماع، ومكان انعقاده غير واضحة. ويبدو ذلك ليس بالمستغرب من منظمة الدول العربية، أو من الحكومات العربية، التي لم تعتد على هذا الشكل من أشكال التنسيق بين الطبقة الحاكمة، المطاعة أوامرها دوماً، وبين منظمات مطلبية انطلقت من خلفية مطلبية حقوقية بناء على قضايا اجتماعية ملحة. فعلى الرغم من أهمية وجود فسحة، ظاهرياً، حرة ومتاحة لكل منظمات المجتمع المدني المهتمة بهذا المسار للمشاركة وتقديم آراءها ومقترحاتها لصانعي القرار، وراسمي السياسات والأقدار، المجتمعين في القمة في الكويت؛ إلا أن التجربة بحد ذاتها تعتبر سابقة ينبغي أن توثق بكل تفاصيلها، وهو اعتراف واضح من قبل الحكام بعقم سياساتهم الاجتماعية التي امتدت ربع قرن ونيف من دون الالتفات، أدنى التفاتة إلى آراء وتوجهات ونداءات المحكومين، الذين انتظم جزء منهم في منظمات مدنية سبقت الحكومات بأشواط تقدماً وتفاعلاً مع الواقع اليومي.
المجتمع المدني
كان خمس وسبعون مشاركاً من ممثلي منظمات المجتمع المدني العربي، من تسع دول عربية، قد التقوا في اجتماع إقليمي نظمته quot;شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنميةquot; حول quot;سياسات الإصلاح الإقتصادي والاجتماعي في المنطقة العربية، في العاشر والحادي عشر من أكتوبر 2008، خرج بتوصيات منها عقد اجتماع تحضيري موسع لمنظمات المجتمع المدني تحضيرا للقمة المرتقبة. هنا، ظهرت حاجة ملحة لإيجاد مساحة فعالة ومفتوحة للتفاعل بين المنظمات المدنية والقمة، على طول مسار التحضير لها، وأثناء انعقادها، وخروجها بالتوصيات والبيانات الختامية، تفاعلاً مع محاورها الرئيسية ووضع الرسائل الأساسية التي يتوخى إيصالها إلى صانعي القرار المشاركين فيها، فلا بد لهذه المساحة أن تتضمن مساراً من المشاركة الفاعلة يمتد على مدى الأشهر المتبقية للحظة انعقاد القمة، ويختتم، كذلك، باجتماع اقليمي للمنظمات المتابعة للقمة. من نافلة القول، ألا تدعى منظمات quot;أهلية رعوية خيرية... إلخquot;، تابعة إلى حاشية هذا الزعيم أو ذاك، منتقاة بعناية المستشارين ومستشاري المستشارين، ويكون حضورها صورياً، لتوقع على بيانات وتوصيات أعدت سلفاً، واختيرت كلماتها بقدرة قادر، كما جرت العادة في القمم العربية.
هنا، وجدت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية أنه quot;من الضروري أن تتناول المنظمات المنخرطة في هذا المسار الأجندة المطروحة للتفاوض والنقاش أمام صانعي القرار المشاركين في القمةquot;. فاقترحت أن تشكل خمس مجموعات عمل تتناول المواضيع الأساسية المطروحة على أجندة القمة، وتعمل على تطوير الرسائل الأساسية التي سترفع إلى المؤتمرين لتشمل هذه المجموعات: السياسة العامة باتجاه القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية، السياسات التجارية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية كالفقر والبطالة ومؤشرات التنمية البشرية، الأزمات العالمية وآثارها على المنطقة العربية؛ ما بين الالتزامات على المستوى الدولي والتوجهات المبلورة على المستويين الإقليمي والوطني، آلية مشاركة منظمات المجتمع المدني في مجال صنع السياسة داخل الجامعة العربية، والإطار العام لرسائل منظمات المجتمع المدني العربية المتابعة للقمة من التحول الديمقراطي في المنطقة العربية إلى متطلبات الامن الانساني، حقوق الانسان، والحوكمة الفعالة.
في شأن متصل تتداعى المنظمات المهتمة من الدول العربية إلى عقد اجتماع بمشاركة كل الأطراف المهتمة، من ممثلي منظمات مدنية وإعلاميين، من المرجح أن يعقد في القاهرة، في الأسبوع الثاني من يناير القادم ليناقش المحاور الرئيسية التي من المتوقع ان تطرح على جدول أعمال القمة، وكذا لتشكيل خمس مجموعات عمل من المنظمات المهتمة تعمل على تطوير الرسائل الأساسية، ولمناقشة آليات عمل مشتركة بين منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام العربية، تفسح بالمجال لتغطية وجهات نظر المجتمع المدني حول القضايا المطروحة في القمة. أما الأهداف المتوخى الوصول إليها من خلال هذا الاجتماع التحضيري، والعمل أثناء القمة نفسها، فيمكن تلخيصها بالتالي: إيجاد مساحة فعالة ومفتوحة لمنظمات المجتمع المدني للتفاعل مع القضايا المطروحة للنقاش في القمة، الدفع باتجاه مشاركة مثمرة للمجتمع المدني في النقاش حول السياسات الإقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، إصدار ورقة موقف تقدم للدول المشاركة في قمة الكويت، تحديد آليات مشتركة للعمل ما بين منظمات المجتمع المدني والجهات الإعلامية المتابعة للقمة لإيصال مطالب وآراء منظمات المجتمع المدني إلى صانعي القرار.
عماد الدين رائف
التعليقات