بعد اشتداد موجة الإرهاب لم يعد أمام دول العالم من سبيل إلا بمواجهة هذه الموجة المخربة بشتى الوسائل والأساليب الممكنة وان لاتقتصر المواجهة على العمل العسكري أو الأمني وحسب بل لابد من سبل أخرى لتكون المواجهة فاعلة وناجحة وأهمها بالتأكيد السبل التربوية لان الإرهاب ينبع من بيئات يعشش فيها الفقر والتخلف ويهيمن عليها واقع فاسد تفرضه أنظمة راديكالية وشمولية مفزعة وبالتالي من الضروري بمكان الالتفات لإصلاح الواقع الاجتماعي قبل أو مع أي مواجهة مباشرة مع هذا الداء الخطير وان تتخذ آليات تسمح بإصلاح هذا الواقع تشمل كل الجوانب الحاسمة والضرورية وبالتأكيد فان للعامل الاقتصادي دور أساس في هذا الأمر سيما وان السبب الأساس في نمو التطرف وبروز الإرهاب ينبع على الأرجح من هذا العامل فيما يمثل الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي عاملا مضافا أيضا بعد أن يخلق الإرهاب سبيلا للتنفيس عن الآلام وإطلاقا عشوائيا للطاقات المكبوتة التي لم تجد ما يستوعبها فتستغلها الحركات الراديكالية والإرهابية لتكون وقودها الذي تحرق به كل شيء بعد أن تتخمها بالشعارات الرنانة والآمال المعسولة بالنجاة من البؤس واللحاق بالجنان ولان ظاهرة التطرف تحمل أكثر من بعد ديني ونفسي واجتماعي وسياسي واقتصادي فان من الضروري اتخاذ مايلزم بشأنها ولعل حوار الأديان هو احد الوسائل الضرورية لمواجهة هذا الداء بغض النظر عن النتيجة التي يمكن أن نتوصل إليها فقد أثبتت التجربة العراقية أن السياج الوطني لا يمكنه أن يحمي بلداننا من آفة التطرف المقيتة ولا أن يضع حدا للتنابزات الطائفية والعنصرية وبإمكاننا اعتبار الوضع العراقي جرس إنذار للجميع يمكن أن ينفجر في أي لحظة سيما في ظل أي اختلال سياسي أو انفلات امني وبالرغم من أهمية الحوار في كثير من الحالات إلا أننا يجب أن نركز أيضا على دور التربية لما له من أهمية في زرع قيم الحب والتسامح في نفوس النشا الجديد مدركين أن للمناهج والفلسفة التربوية السائدة في بلداننا دورها السلبي في هذا المجال لأنها تركز على الفوارق والاختلافات بين الشعوب وتنمي الكره والحقد تجاه الأخر حتى وان لم تصرح بذلك فالكتب الدينية تكاد تركز على مسائل الاختلاف والتناقض أكثر من تركيزها على مسائل التوافق والتقارب وتجعل من درس التربية الدينية منبرا تبشيريا تشوه فيه قيم الأخر وأفكاره أما منهج التاريخ فيتناول الأحداث من منظار قومي أو ديني حيث يبدوا التاريخ وكأنه صراع أديان وقوميات لا أكثر فيجري التركيز على الحروب الصليبية و الفتوحات الإسلامية وعلى المشاكل التي يفرضها التجاور الجغرافي بين أوربا والشرق الأوسط فتجير هذه الأحداث لصالح منهج الكراهية الذي تزرعه الأيدلوجيات الدينية ndash; السياسية الحاكمة ولذا نحن بحاجة إلى استنفار حقيقي للطاقات وان يبرز العمل والإصرار على الانتصار في أكثر من مجال بما في ذلك وبشكل أساس مجال التربية حيث اقترح لذلك ما يلي:


يتم إعداد مناهج التاريخ والتربية الدينية تحت إشراف الأمم المتحدة وبموجب قرار دولي ملزم يفرض على الجميع التقيد بهذا الامربحيث تمارس الأمم المتحدة دورا إشرافيا ورقابيا على أن تنتدب إلى ذلك عدد من الخبراء والاختصاصيين في مجالات عديدة لإعداد مناهج خاصة بهاتين المادتين بعيدة عن الادلجة والتعبئة الفكرية وان تضم هذه المناهج مواضيع عالمية موحدة ومواضيع خاصة بالدولة المعنية تكون معدة ومصرح بها من قبل لجان الأمم المتحدة.


يعد منهج التاريخ بحيث يبتعد عن إثارة الحزازات والاختلافات بأي شكل من الأشكال وان يسعى لزرع قيم إنسانية عالية ويمتن العلاقات بين بني البشر بعد أن يشعرهم بوحدتهم الإنسانية وبكونهم أبناء لحضارة واحدة وان اختلفت بلدانهم وألوانهم وألسنتهم ومعتقداتهم وان قدرهم أن ينتجوا وحدتهم الإنسانية وحضارتهم العالمية فمن شان هذا المنهج خلق جو تعليمي بعيد عن التعبئة والادلجة ويزرع تدريجيا قيم الحب والتعاون التي نحتاجها لمستقبلنا الواحد.


يعد منهج التربية الدينية بحيث يستوعب المشتركات الإنسانية وان يقلل من شان الاختلافات بما يدعم ويقوي الرابطة الإنسانية الجامعة ويتم ذلك من خلال تدريس جميع الأديان بحيث يضم منهج التربية الدينية نصوصا إسلامية ومسيحية ويهودية وبوذية وهندوسية وزرادشتية..الخ لاسيما تلك النصوص التي تدعوا للتلاحم والتقارب حتى يشعر الدارس بالألفة مع الجميع وينبذ أي اختلاف مع الأخر يفرضه الجدل الديني أو الثقافي لان معظم التوترات والخلافات سببها عدم اعتماد منهج تربوي يخدم الغرض الإنساني ويكون سببا في تمتين الرابطة الإنسانية الملغية لأي فوارق مهما كان شكلها.


يجب أن توضع آلية لمعاقبة الدول غير الملتزمة بهذا الأمر من اجل فرض احترام عالمي له فتدريس منهج الأمم المتحدة يجب أن يكون إلزاميا ولا يجوز لأي دولة التملص منه وان يشرع تحت طائلة البند السابع إذا تطلب الأمر ذلك وان تقبل الدول بمراقبة الأمم المتحدة لها لمعرفة درجة التزامها بهذا الأمر.


وبالتالي يمكن لنا من وضع التربية في خدمة مشروع مكافحة الإرهاب لكي نكون قادرين على محاصرة منابع الإرهاب وتجفيفها واضعين المواجهة المسلحة كخيار أخير لأننا ندرك أن معركتنا مع الإرهاب اكبر من أي معركة أخرى وإننا ربما نواجه اخطر مشروع هدام في تاريخ البشرية بل وفي تاريخ منطقتنا بشكل خاص ما يجعل من مقاومة هذا المشروع ليس هدفا عالميا وحسب بل هو وبشكل أساس هدفنا الأكبر لان منطقتنا هي أكثر المناطق عرضة للاختلال وأكثرها تعرضا للاختلالات السياسية والأمنية ولأننا نمتلك تنوعا اثنيا واسعا وارثا ثقافيا متصارعا فلابد أن يكون رائدنا مواجهة هذا الأمر بكل ما نملك من قوة وإمكانية فتعاوننا مع الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب هو وبشكل أساس تعاون يخدم مصلحتنا قبل أن يكون له أهمية عالمية فالخطر المحدق بنا وبأجيالنا القادمة يجب أن يضعنا أمام رؤية واضحة لما يجب أن نفعله من اجل إبعاد هذا الخطر وان نمارس أي فعل يمكن أن يساعدنا في هذه المواجهة لان معركتنا مع الإرهاب هي معركة حياة أو موت ولابد أن نقاتل من اجل أن نضمن الحياة لأبنائنا وأحفادنا وبالتالي يجب أن تكون مواجهتنا للإرهاب مواجهة جدية وان تتسم بالقوة والشراسة وإذا كان الحوار هو هدف مهم فأننا يجب أن لا نكتفي به أبدا دعونا نستمر في مقومة هذا الداء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا فحي على الحوار وحي على التعاون من اجل دحر عدونا المشترك الإرهاب.

باسم محمد حبيب