تتحضر المنظمة الدولية للاحتفال بالذكرى الستين لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر المقبل، إذ يشكل العام الحالي منعطفاً لدى المنظمات المدنية في كل أنحاء العالم لجعل حقوق الإنسان بشكل عام حقيقة معاشة، وذلك بعد يأس كثيرين من الوصول إلى بعض هذه الحقوق سواء في الدول المسماة متطورة، أو في الدول النامية، أو العالم الثالث.


إن نظرة سريعة لما هو العالم عليه اليوم بالحقائق والأرقام توضح مدى الكارثة التي يعيشها على صعيد الحقوق. ويمكن بالتالي المقارنة بين ما كان ينبغي أن تكون عليه أحوال الشعوب حول العالم وبين ما هي عليه اليوم، فالمادة الأولى التي تفيد بأنه quot;يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوقquot; يقابلها أنه في النصف الأول من العام الماضي قتل حوالي 250 امرأة على أيدي أزواجهن أو على أيدي أحد أفراد أسرهن باستخدام العنف في جمهورية مصر العربية وحدها، واغتصبت هناك امرأتان في كل ساعة. أما المادة الثالثة التي تقول بأنه quot;لكل فرد الحق في الحرية وسلامة شخصهquot; فيقابلها أن 1252 شخصاً قد أعدموا من جانب حكومات دولهم العام الماضي في 24 بلداً، مع العلم أن 104 بلدان قد صوتت لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام في العالم!

التعذيب والاحتجاز القسري

فيما يتعلق بالتعذيب، فقد أشارت المادة الخامسة من الإعلان العالمي إلى أنه quot;لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات الوحشية القاسية، أو المحطة بالكرامة الإنسانيةquot;، فقد وثقت منظمة العفو الدولية حالات كتلك المهينة واللانسانية في أكثر من 81 دولة حول العالم. وكذلك فيما يتعلق بالمساواة تجاه القانون، و quot;التمتع بحماية متكافئة لديه من دون أي تفرقةquot;، كما نصت المادة السابعة من الإعلان، فقد أفاد تقرير المنظمة بأن ما لا يقل عن 23 بلداً عضوا في الأمم المتحدة لديها قوانين تميز ضد المرأة، منها 15 على الأقل لديها قوانين تميّز ضد المهاجرين، و14 لديها قوانين تميّز ضد الأقليات. هنا تجدر الإشارة إلى لاجئين يعانون تمييزاً مضاعفاً، منهم 30 ألف فلسطيني نزحوا من مخيم نهر البارد شمال لبنان، ما يزالون رهن التشرد في مخيمات أخرى كالبداوي وشاتيلا وبرج البراجنة للعام الثاني على التوالي، مع وعود عقيمة بالعودة إلى مخيمهم المهدم، الذي لم تتم عملياً إزالة الركام وآثار الدمار منه لغاية الآن.

على صعيد متصل، أفادت التقارير أنه في نهاية العام الماضي كان قرابة 600 شخص معتقل حول العالم من دون تهمة موجهة إليهم، أو محاكمة، أو مراجعة قضائية لا عتقالهم في القاعدة الجوية الأمريكية في بغرام بأفغانستان، و25000 محتجزين لدى quot;القوة المتعددة الجنسياتquot; في العراق، بينما تنص المادة التاسعة من الإعلان، على أنه quot;لا يجوز القبض على أي إنسان، أو حجزه، أو نفيه تعسفاًquot;. وقد سجل التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية للعام 2008 إجراء محاكمات جائرة في 54 دولة فيما تفيد المادة العاشرة المتعلقة بحق الإنسان في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً. في المقابل هناك 800 شخصاً محتجزاً في خليج غوانتنامو منذ فتح السجن الملحق الخاص بالاعتقال في يناير 2002، منهم 270 محتجزين في العام 2008 من دون تهمة أو إجراءات قانونية. ومن غوانتنامو إلى فلسطين، ففي العام الماضي أقيمت أكثر من 550 نقطة تفتيش عسكرية إسرائيلية، وحصار يقيد حركة الفلسطينيين بين بلداتهم وقراهم في الضفة الغربية وحدها، بينما المادة الثالثة عشرة من الإعلان، تقول بأنه quot;لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولةquot;.

في حرية التفكير والعمل

quot;لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخلquot;، إذ يبدو أن 77 دولة حول العالم وقعت على هذا الإعلان لم تسمع بهذه المادة، فتعمل على تقييد حرية التعبير والصحافة بشكل جائر فيها، ويوجد في 45 منها سجناء رأي، بينها دول عربية. وقد وثقت منظمة العفو الدولية في تقرير العام 2008 عوائق حكومية تقام في وجه حرية التعبير، وطلب المعرفة، والإعلام البديل والالكتروني، إذ وجهت تهم جنائية من قبل السلطات الحكومية إلى عدد من الصحافيين والمدونين في الإمارات العربية المتحدة وتونس والجزائر والمغرب ومصر واليمن.


ستون عاماً مرت بطيئة على شعوب العالم، لا سيما الدول العربية، وهي تنتظر تطبيقات على الأقل ضئيلة لهذه الوثيقة العالمية التي سارعت المجالس التشريعية المحلية إلى المصادقة عليها، كجزء لا يتجزأ من الإنضمام إلى المنظمة الدولية.
لكن تلك الآمال المعلقة اهترأت، وأحدثت قساوة الأرقام والتقارير فيها ثقوباً لا يمكن أن تغطيها احتفالية أممية تتداعى إليها الوجوه نفسها التي تعمل جاهدة على خرق يومي لبنودها.


عماد الدين رائف