تبدأ القصة مع بدء الحلقة الاولى تجذب المشاهدين إليها ويتعلقون بها فيضبطون حياتهم وأوقاتهم بما يتناسب مع أوقات ذلك العمل التلفزيوني لتتحول العلاقة بالمسلسلات إلى ما يشبه الإدمان، عندها يصبح المسلسل وأحداثه محورا لحياة المشاهدين ممن هم عشاق تلك الأعمال فتجمع شملهم وتصبح حديثهم اليومي إلى درجة أن شخصيات ذلك المسلسل تتجسد بهم فيتشبهون بها ويعيشون حالات الخيال والعاطفة والحب والفرح والحزن واليأس والموت معهم!!

فبعد أن احتلت المسلسلات الدرامية التلفزيونية العربية والمدبلجة الشاشة الصغيرة في كل بيت جعلت من المشاهد لعبة بيد صانعيها الذين يسعون إلى المال في المقام الأول وإلى إنجاح ذلك العمل، فيصبح مرهونا بالربح أو بالخسارة فيجيدون إخراج وإنتقاء النصوص التي تجذب المشاهدين حتى يضمنوا نجاح عملهم..

وكذلك نرى أن الإعلام يلعب دورا ًرئيسياً في توطيد العلاقة بين المشاهد والمسلسل التلفزيوني نظراً لتخصيصه مساحات كبيرة له على الشاشات الفضائية، فلا يعد بعدها المسلسل مجرد عمل درامي بل يصبح عبارة عن عمل تديره رؤوس أموال القيمين على ذلك المسلسل حتى يتم إنجاحه ليدر عليهم ربحاً كبيرا مضمونا.

ليقع المشاهد بدوره ضحية الإعلام والقنوات الفضائية التي تجعل منه باحثاً عن مادة يتسلى بها وترضي ميوله، فيختار أي مسلسل ينجذب إليه ويهبه وقته متصوراً أنه يبحث بذلك عن نفسه فيه لقرب أحداث ذلك المسلسل من أحداث حياته اليومية، أم إنه يبحث عما هو جديد كالمسلسلات المدبلجة التي تجعل منه مسافراً بعينيه وخياله عند مشاهدتها إلى بلاد وتقاليد وعادات جديدة يتعرف عليها من خلال متابعته لها، فيتعلق بها مهما كانت حلقاتها كثيرة ومملة ويتابعها بشغف وتصبح أحداثها على لسانه في كافة إجتماعاته اليومية وحتى أنها تصبح هاجساً يومياً مليئاً بالمناقشات والتوقعات لحلقات المسلسل بعد إنتهائها وحتى قبل أن تبدأ..

ويتكون رأي لدى عشاق المسلسلات بأنها تأخذهم إلى عالم جميل ممزوج بالخيال والواقع وتلبي حاجاتهم وتنفس عن أحزانهم وهمومهم اليومية فيتفرغون لها تفرغاً كاملاً ويعطونها كل حواسهم حتى أنهم في بعض الأحيان يهملون واجباتهم أو يؤجلون أعمالهم الإجتماعية والعملية من أجل ألا تفوتهم أي حلقة أو مشهد كان!!!

حتى أنك ترى كثيراً منهم يعيشون حالة توحد كاملة مع أبطال ذلك المسلسل أكانت أحداثه حباً ضائعاً أم قيماً إجتماعية أو ملحمة تاريخية، فيفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم لدرجة أنهم لا يخرجون عن إطار الحديث عن أحداث ذلك المسلسل حتى بعد إنتهائه ولو بمدة طويلة، فإنه يبقى يهيمن على عقولهم وحياتهم بأحداثه التي لا تذهب من بالهم..

والتبرير الذي يقدمه مدمنو هذه المسلسلات هي أنها تفرغ الطاقة المكبوته فيهم، فيتفاعلون معها ويتشبهون بكلام وعادات وتصرفات وأزياء أبطالها، فيتجاوز المسلسل حد الإعجاب العادي بحيث ينتقل المشاهد إليه حسياً وجسدياً فيشعر أن هناك أناسا مثله في عالم وبيئة تماثل البيئة التي يعيش فيها، فيبعده ذلك عن مرارة الواقع بمتابعته له وإنتهائه نهاية سعيدة كل مرة طبعاً، إما بعودة الحبيب إلى حبيبته أم بلم شمل العائلة أو بالنصر المحتوم ضد العدو، المهم أن المسلسل لا ينتهي إلا بما يرضي المشاهد!!

لكن الواقع ليس كالمسلسلات التلفزيونية التي نشاهدها عبر الشاشة الصغيرة، لأن القصص الحقيقية لحياتنا اليومية قد تنتهي بالموت والحزن والفراق ودائماً هناك قصص ألم ووجع بسبب الحروب والكوارث الطبيعية التي يمر بها العالم، ولا تنتهي كل مرة بالنهايات السعيدة المفرحة للمواطنين الذين هم انفسهم أولئك المشاهدين..

وهناك رأي آخر يعتقد أن الإدمان على المسلسلات ليس سوى مسكن للمشاهد يبعده عن الحزن والهم الذي يعيشه في حياته اليومية وإلى تفريغ الضغط اليومي المتراكم عليه، وما هو إلا عقدة نفسية تنتج عن الحالة الإجتماعية التي يعيش فيها..

فالمرأة لها النصيب الأكبر في حالة الإدمان على المسلسلات لكونها مخلوقا عاطفيا وحساسا، وسعة الوقت لديها أكثر من الرجل الذي يخرج من شرنقة المسلسل بخروجه من بيته إلى عمله، بينما تبقى المرأة في البيت إذا لم تكن موظفة، سجينة الكلمات والتصرفات لذلك المسلسل حتى تقع في غرام مسلسل آخر، فتتكرر الحكاية وتسلم نفسها وأحاسيسها وعواطفها كاملة إليه وكأنها طفل صغير لا يميز بين من يضحك عليه ومن يحترم تفكيره..

مثالا على ذلك المسلسل التركي المدبلج الأشهر quot;نورquot; الذي ضجت به المجتمعات العربية والصحف والمجلات العربية والذي أحتل ساحة كل الشاشات الفضائية، وسقطت ضحيته معظم قلوب النساء اللواتي سحرن بمظهر البطل مهند وحبيبته نور وإطلالتهما، وأصبحوا حلم كل إمرأة ورجل حتى أنه إفتعل كثيرا من الخلافات الزوجية في معظم البيوت العربية إلى أن حرّمته بعض المراجع الدينية بسبب quot;الغزو الثقافيquot; والمشاهد الجريئة والنص البعيد عن الأخلاق والدين..

وكل ذلك يرجع إلى ضعف الثقافة في المجتمعات العربية وانعدام أساليب إستغلال الوقت الذي يجعل من المشاهد العربي مجرد متلق يسجن نفسه في قوقعة الشاشة الصغيرة، بدل أن يقوم بأعمال إجتماعية يوزع وقته فيها كالأنشطة الثقافية والفنية والأدبية والرياضية بدل المكوث أمام الشاشة لساعات وساعات دون أي منفعة سوى أنها حاجة تعويضية يبحث عنها هذا المشاهد على حسب سنه وظرفه لتبعده عن مرارة واقعه الذي يتخبط فيه والذي هو ليس إلا من صنع يديه وتفكيره...

حنان سحمراني

[email protected]
http://hananhanan.maktoobblog.com/