منذ إعترافه قُبيل الإنتخابات التركية الأخيرة، بquot;وجودquot; مشكلة إسمها quot;المشكلة الكرديةquot; في تركيا، تحوّل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان 180 درجة، هارباً إلى نظرية quot;تركيا واحدة لتركي واحد أحد، بعلم واحد، وأرض واحدة موحدةquot;؛ النظرية الأتاتوركية المعروفة، والتي تمشي عليها تركيا منذ تأسيس الجمهورية الأولى فيها سنة 1923، على يد التركي quot;الأعلىquot; مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، والأب الروحي لأتراكها.

بعد انفلات حزبه من الحظر والمنع والغلق على يد quot;تركيا الجنراليةquot;، أصبح أردوغان المعوّل عليه وعلى quot;علمانيته الإسلاميةquot;، أتاتوركياً أكثر من أتاتورك، وجنرالياً أكثر من رئيس الأركان التركي الجنرال ألكر باشبوغ.
ففي جولاته المكوكية التي قام بها رئيس حزب العدالة(العدالة على الطريقة الأتاتوركية)، إلى quot;تركيا الكرديةquot;، كشف أردوغان القناع عن quot;أتاتوركيتهquot; الحقيقية، التي لا يمكن لquot;إسلام حزب العدالةquot; أو quot;إسلامات أخرىquot; لاحقة، محوها بquot;السهولة المفترضةquot;، من الذهنية التركية التي تربت وتتلمذت عليها، منذ أكثر من حوالي 85 سنة مضت.
في محطته الأخيرة من جولته بين quot;أكراده المفترضينquot;، خطب أردوغان في جمهوره الكردي بquot;جولَميركquot; جنوب شرقي مقاطعة هكاري، قائلاً: quot;من لا يريد لتركيا أن تكون دولةً واحدة، تحت علم واحد، لشعب واحد، وأرض واحدة، فليخرج منهاquot;.
يعني هذا الكلام الأتاتوركي حتى العظم، أن على 18 مليون كردي، إضافةً إلى الأقليات الأخرى اللاتركية، كالأرمن واللاز والبلغار والعرب واليونانيين، ممن لا يريد لتركيا أن تكون لأتراكها فقط، بلسان تركي فقط، وأتاتورك واحد فقط، عليه الخروج منها بلا عودة..
المفهوم من تهديد أتاتورك حزب العدالة هذا، هو quot;من لا يريد هكذا تركيا لتركيّها الذي يساوي العالم، عليه أن ينقلع منها، فبابها يفوّت جمل، على حد قول المثلquot;.

ومن هذا الباب التركي الذي quot;يفوّت جملاً كثيراًquot;، هدد أردوغان الأكراد الذين وصلوا عبر انتخابات تركية، إلى إدراة البلديات في بعضٍ من مدنهم(52 بلدية)، قائلاً: quot;يجب علينا فتح الإدارات المحلية وبلدياتها في المناطق الكرديةquot;.
أردوغان لم يستخدم مفردة quot;الفتحquot; خارج سياقها التاريخي المعروف بالطبع(أسلم تسلم)، فهو قصد بها، على مستوى quot;إسلامه التركيquot;، quot;فتحquot; الكردي المختلف، وإجباره على الدخول في quot;التركيةquot;، إن شاء أم أبى.

وكي يثبت أردوغان للعالم بأن كلامه الخطير، عن نيته في مطاردة الأكراد في تركيا(هم)، هو ليس مجرد مزحة، أو quot;زلة لسانquot;، فإنه أثبت جنراليته، في تصريحاته الأخيرة بعيد الإحتجاجات الكردية الأخيرة في مدينة استانبول، والتي جوبهت بقمع البوليس التركي بمشاركة مدنيين أتراك مسلحين، بقوله: quot;للصبر حدود..الناس سيدافعون عن أنفسهمquot;. وأردوغان يقصد بquot;ناسquot;(ه) ههنا، أولئك المدنيين الأتراك الذين صوّبوا ببنادقهم مع بوليسه، إلى الأكراد المتظاهرين في استانبول قبل أيام.

في الضفة الأخرى من تركيا، أثارت تصريحات أردوغان العنصرية هذه بحق أكراد quot;تركيا الكرديةquot;، ردود أفعال كردية كثيرة. النائب أحمد تورك رئيس حزب المجتمع الديمقراطي، ردّ على أردوغان، مخاطباً أكراده في آمد/ دياربكر الكردية، بلهجةٍ كان فيها أكثر من تحدٍّ قائلاً: quot;تصريحات أردوغان التي وقف فيها إلى جانب مسلحين أتراك مدنيين، قاموا بقمع المظاهرة الكردية، هي بمثابة فتوى تبيح قتل الكردي على يد التركيquot;، وأضاف quot;أوليست تركياً وطناً مشتركاً لنا جميعاً؟؟ ثم مَن يطرد مَن من بلاد من؟quot;
أحمد تورك واضح في تصريحه المضاد هذا، الذي صاغه على شكل أسئلة كبيرة موجهة إلى أردوغان وفتاويه. ففي الوقت الذي يريد فيه أردوغان أن يطرد الأكراد من تركيا(ه)، يصّر تورك على أن الأكراد هم على أرضهم التاريخية، وفي وطنهم التاريخي، وليس هناك quot;مَنquot;(لا تركي ولا غير تركي)، يستطيع أن يطردهم من أرضٍ، هم فيها ومنها وإليها.

إذن قالها أردوغان، على العلن، نيابةً عن أتاتوركه الحي الحاضر القيوم فيه، وفي تركيا(ه) quot;المسلمةquot;، أبداً: quot;لا تركيا خارج أتراكها..كما ليس لquot;مَنquot; خارج تركي داخل تركياquot;.
في تصريحاته الأتاتوركية هذه، quot;كذّبquot; أردوغان كل quot;البلابل الليبراليةquot; التي عوِّلت كثيراً على quot;الإسلام التركيquot; الممثّل بالأردوغانية وحزبها(العدالة والتنمية)، على أنه مفتاح الحل السحري لكل تركيا ومشاكلها، لا سيما مشكلة أكرادها المسلمين.

تُرى ماذا على الأكراد أن يفعلوا بإسلامهم، وquot;إسلام أردوغانquot; يطردهم من تركيا(ه)، التي بابها quot;يفوّت ألف جملquot;؟
ماذا على الأكراد أن يفعلوا بتركيا(هم)/ وquot;تركيا أردوغانquot; quot;تفتحهمquot;، بquot;سيف العدالةquot;، فتحاً مبيناً؟
ماذا على الأكراد أن يفعلوا بكردستانهم، وquot;تركيا التركيةquot; تمزّقها إرباً إرباً وتعدمها على خارطةٍ من ورق، وستُطاردها حتى إن طارت إلى القمر؟


هوشنك بروكا

[email protected]