(2)
لا احترام ولا مشاعر
من مساؤيء تعدد التلفزيونات.. ان قلة الوعي تذهب راكضة الى التلفزيون بدون حسيب ولا رقيب، حيث ينفث المغني الجاهل سمومه ورذاذ ابتذالاته على وجوه الناس واسماعهم وهو يضحك منهم ويسخر، واذ ان التلفزيون يدخل في كل بيت، فهم لا يرعوون في ترديد التوافه من المفردات والبذيء من الالفاظ، كما قال ذات مغني كان سعيدا ان يغني اغنية (بطة وراكبة ابطة/ مدوخه الناس هالبطة)، انها (اغنية طاكة) و(اغنية الموسم) ما دام هناك سيارة تسمى (بطة) فيصف حسين غزال المرأة بالبطة فيدعها تركب بطة فيغني لها بهذه الالفاظ، وهذه احدى (موضات) اغاني السيارات طبعا.
وتعال الى هذا المغني الذي اراد ان يغني اغنية وطنية فسقط في الاسفاف والسخرية حتى اصبح وكأنه يغني نكتة، انه يضحك على نفسه اولا ومن ثم يستهزيء بالوطن، ولو كان لديه بعض الوعي لانتبه الى الكلمات وعرف انه (عيب) عليه يغني هكذا كلمات ومن ثم انها يدعي انها للوطن، هذا المغني اسمه احمد شاكر ومؤلفها ضياء الميالي وملحنها نصرت البدر !!، واغنيته يقول في لازمتها (اروح لك فدوة / واررجع لك بجمسي!!)، ربما يصاب السامع بالصدمة حين يسمع كلمة (جمسي) وهو طبعا يقصد السيارة (جمسي)، وسيصاب بالصدمة رما حد الاغماء حين يعرف ان الاغنية (وطنية) !!، الشطر الاول جميل وهو مصطلح عراقي شعبي دارج يمثل ذروة التضحية والايثار والمحبة وهي تعني (ان يكون فداء لمن يحب)، ولكن الشطر الثاني يمثل قمة السخرية والاستهزاء، وهنا اشتغل المؤلف على مفارقة كلمة (يروح) وكلمة (ارجع) وبالمناسبة هي في الحقيقة نوع من المزاح البريء متداول، اذ يقال (اروح لك فدوة وارجع لك مشي) ولا نعرف ماذا يقصد المؤلف حين يقول لوطنه العراق وهو يريد العودة من الغربة (ارجع لك بجمسي) هل يريد ان يقول انه غادر الوطن فقيرا وعاد اليه غنيا !!، هل يريد ان يخبر الوطن انه غادره ليعمل في مطاعم الغربة مغنيا ويحصل على هذا المال الذي اشترى فيه سيارة الجمسي، يا لسخرية الاقدار ويا لمهزلة الازمنة.
اما اغنية ( انت مو مال احترام) التي كتبها خضير هادي وغناها ايضا بعد ان وجد ان الغناء صار (مثل سالفة اي واحد ممكن يسولف بيها) فهي عبارة عن شتائم مخزية،لا يمكن وصفها بأي وصف يليق بها، فالكلمات ذاتها تستحي من ان يقال لها اغنية، لانها غير محترمة اطلاقا، وقد غناها عدد من المطربين وراحوا يتباهون بها ويتصايحون بهذه الكلمات : (ومن عرفتچ قريت آنه على الحب السلام / للأسف تالي اكتشفتچ..انتي مو مال احترام) وطبعا اعتذر عن ذكر الكلمات كلها لانها مؤذية وغير مؤدبة، ولا اعتقد ان حبيبا يمكن ان يقول لحبيبته (انت مو مال احترام) او الكلام السيء الاخر، والكارثة ان الكلمات تتحول الى اغنية، وهذا يدلل على الجهل العجيب الذي يعشعش في عقول المغنين المضحوك عليهم جدا.
ومع كل نظرات الى الاغاني الحالية لا بد ان تكون هناك اغاني حسام الرسام فأسمعها مضطرا لكثرة ما تتردد على شاشة تلك القناة المتخصصة او من اجهزة التسجيل في سيارات النقل، ولا بد من قراءة في كلماتها التي اجد نفسي مستغربا ومتساءلا كيف يمكن غناؤها وهي تشكل قطعة من سخف وحثالة من ترجيعات نفسية سيئة جدا، فهو في احدى اغانيه يقول بصوت عال : (يابه يطبّك مرض هسه انت فد مندله)، هذا كلام اناس اصحاء؟، لا اعتقد، بل انه كلام حشاشين يلعبون في الشوارع الخلفية، هل كان مؤلف الكلمات يعني ما يقول، وان لم يكن هل كان المغني سعيدا حين يغني مثل مثل هذا الكلام، ومن ثم يعود الى غناء الاسوأ والاردأ والاكثر سخرية (تصح بيهه زلم تلگاها بس طول ويصح طرطور بيه كل البلية) بالله عليكم ما علاقة هذا الكلام بشيء راق اسمه اغنية، واية كلمات هذه المشحونة بالسخف من خلال مفردات اقل ما يقال عنها انها تشبه نفسها، كذلك اغنيته التي تهاجم النساء (چذابات.. مكارات) وترميهن بالصفات السيئة ولاطبع لا علاقة للكلمات بالاغنية فهي مجرد شتائم غاية في البذاءة، ونصل مع الرسام في رسمه الذي تختلط الوانه الى اسوأ ما انتجته قريحة (شاعر) في (تجي نتزوج بالسر) ولا اعتقد ان صاحب هذه الكلمات يشعر بشيء، (تجي نتزوج بالسر / اهلك واهلي ميفيدون / تجي نتزوج بالسر،اهلك واهلي خلي ولون / تجي ناخذ بيت بعيد،ونخلف بيبي صغيرون) ولا اعرف ما الذي كان يقوله حسام مع نفسه وهو يردد هذه الكلمات في التمارين الاولية، حقيقة انه امر عجيب، ويبدو انه معجب بها وهي تتلظى على شفتيه، معجب بالسباب الذي يطلقه على الاخرين، هل يمكن لرجل ولا اريد ان اقول (عاشق او محب) ان يقول هذه الكلمات لامرأة، واية امرأة ترضى ان يقال لها هذا؟ بالطبع ليست حبيبة هي أليس هذا الانحطاط بعينه، فهو يحرض على كسر معتقدات ويدعو للمجون والسفالة ايضا، يذم بشكل صارخ ولعين اهله واهل حبيبته التي يطالبها ان تتزوجه بالسر، وما اسوأ كلمة (خليه يولي) لانها عبارة عن شتيمة مذلة، اما المغني عادل جواد، فقد امتطته كلمات صباح الهلالي (لا مو من باجر) وجعلته يركض في صحراء (الفرحانين) انهم يغنون اغاني رومانسية او حبية، فهو متلهف الى ان يقول لحبيبته (مو من باجر من هسه كلمن ياخذ كلبه وينسه)، كأنه يريد ان يثأر وبغضب ويتعجرف على اساس انه محب، وليس هنالك محب يفعل هذا، ومن ثم يصل الى ذروة محبته ولهفته وغرامه، حينما يقول بفرح عارم (همزين الله طلعت منك / جنت أتمنى اخلص منك) أليست مضحكة هذه المشاعر التي هي غاية في السوقية، هل هذا هو الحب؟، او هكذا يتم التعبير عن هذه العلاقة الانسانية ومخاطبة الاخر وهذا ينم عن قلة وعي وسوء نية، ولا يمكن ان يعبر عن حالة حب واحدة، بل انانية وحقارة في السلوك،لان المحب الحقيقي لايتفوه بالالفاظ جارحة او مسيئة، لكنه حال الاغنية العراقية الان للاسف التي باتت تعج بالالفاظ التي لم تخرج من القاموس من قبل وبالمشاعر التي هي مجرد دخان.
عبد الجبار العتابي
بغداد
التعليقات