لم يجف الحبر الذي صادق به رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني على قانون تنظيم العمل الصحفي الصادر مؤخرا عن برلمان كردستان، حتى أودع صحفي بارز من المتصدين للفساد في الإقليم الى غياهب السجن، مع أن القانون المذكور رفع عقوبة السجن مكتفيا بالغرامة المالية على جرائم النشر..

تلك هي الآفة التي حاربتها بقلمي منذ أكثر من سنتين على منبر ( إيلاف ) وغيرها من الصحف الكردية، وهي آفة الفساد في كردستان. فالسلطة الفاسدة التي يبدو أنها فقدت صوابها جراء ما يكتبه الصحفيون والكتاب ضدها، لم تجد أمامها مثل سائر الدكتاتوريات الحاكمة في أرجاء العالم سوى اللجوء الى مصادرة حرية التعبير ورمي أصحاب الأقلام الشريفة في سجونها القذرة للحجر على آرائهم وكتم أنفاسهم لمجرد نشرهم مقالة أو تقرير يخبر الناس بما يحصل في الخفاء من مصادرة أقوات الشعب، وإستخدام خيرات البلد في الصرف على الملذات والشهوات وقضاء الليالي الحمراء في أحضان الغانيات والراقصات؟!..

تناهى الى سمعي يوم أمس خبر إعتقال الزميل الصحفي شوان الداودي رئيس تحرير صحيفة ( هوال ) المستقلة، وإيداعه السجن بناء على حكم صادر من إحدى المحاكم في السليمانية.والسبب ليس لأن الداودي إرتكب جريمة سرقة أو نهب أموال الناس أو النصب والإحتيال،ولم تكن جريمته تفجير كنيسة أو مسجد، أو تخريب الممتلكات العامة، أو وضع عبوة ناسفة تحت عجلة سيارة الشرطة، كما لم يستخدم الداودي لإعلان الجهاد الأكبر ضد قوى الكفر والظلال،كل ما فعله الداودي الصحفي أنه نشر خبرا أو مقالا بجريدته ينتقد فيها السلطة الفاسدة، أو يكشف فيه جزءا من المستور المخفي تحت قبب الدولارات المسروقة من أفواه هذا الشعب المسكين المبتلي بنيران الفساد؟؟!.

ويبدو لي أن القاضي الذي حكم على الصحفي بالسجن، أما أنه لا يقرأ الصحف ولا يلم بما يصدر عن البرلمان الكردستاني من قوانين وتشريعات، وهذه تعتبر منقصة منه يبنغي أن يتداركها من تسلم له رقاب الناس، وإما أنه رضخ لضغوطات من أعوان السلطة الفاسدة بإصداره لهذا الحكم الجائر والمخالف للقوانين النافذة في كردستان.

فليس هناك من لا يعرف في كردستان أن قانون العمل الصحفي الذي وافق عليه البرلمان قبل عدة أشهر وواجه إحتجاجات واسعة من قبل المثقفين ومنظمات المجتمع المدني بسبب عقوبات الحبس والسجن التي وردت في القانون، والتي كانت تعتبر سيفا مسلطا على رقاب الكتاب والصحفيين، وإضطر معها السيد رئيس الإقليم تحت ضغط المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والصحفيين الى رفض المصادقة عليها، وأعاد القانون الى البرلمان

الكردستاني لتعديله برفع عقوبة السجن ضد الصحفيين، وهذا ما حصل فعلا، حيث رفع البرلمان عقوبة الحبس والسجن عن المخالفات، وإكتفى بالغرامة والتي هي بدورها غرامة كبيرة لا تتناسب مع مصادر عيش الصحفيين الذين بالكاد يجدون أقواتهم في ظل الفساد الضارب بالإقليم، فكيف إذن تناسى السيد القاضي أو تجاوز على هذا القانون الذي عدله البرلمان وصادق عليه رئيس الإقليم برفع عقوبة السجن؟؟!!.

أنا عن نفسي تعرضت لحالة مماثلة عندما أقام السيد محافظ أربيل دعوى قضائية ضدي بتهمة القذف والتشهير، مع أني رغم ما أجده من مظاهر الفساد يوميا والتي تدفع بالإنسان الى حد الكفر، أربأ بنفسي عن التعرض بالقذف والشتم والتشهير لأي شخص كان،ولكن تلك المادة القانونية اللعينة الموروثة من قانون العقوبات الصدامي، وأقصد بها المادة 433 من قانون العقوبات والتي كانت كالسيف المسلط على رقاب كل أصحاب الأقلام الشريفة التي تنتقد السلطة الفاسدة بكتاباتها، تلك المادة أحالتني الى محكمة أربيل بتهمة القذف والتشهير بسبب مقال كتبته في جريدة (إيلاف ). ورغم أن السيد المحافظ تكرم علي بالتنازل عن حقه بالدعوى وهو صاحبها، ولكن المدعي العام الذي يمثل السلطة الحاكمة رفض التنازل وحوكمت بالسجن لمدة شهر مع وقف التنفيذ؟؟؟!!!..

ولمن لا يعرف القوانين السائدة في العراق، فأن أية مخالفة حتى ولو كانت مرورية أرتكبها خلال السنوات الثلاث القادمة ستؤدي بي الى السجن لتنفيذ تلك العقوبة، ولذلك علي أن ألتزم من الآن فصاعدا وحتى إنتهاء السنوات الثلاث والتي ستنتهي مع إنتهاء الإحتلال الأمريكي للعراق، بحسن السلوك أمام هذه السلطة الغاشمة، وأن أتغنى يوميا بمحاسنها ومكاسبها، وأهلهل لإنتصاراتها المزيفة في بغداد حول الخلافات العالقة مع المركز منها إستعادة كركوك ( أندلس الأكراد ) الى حضن الإقليم، وأن أؤدي التحية لأعوانها من الكروش التي إنتفخت بالسحت الحرام وبسرقة أقوات الشعب، وأن أصم أذني وأعمي بصيرتي من كل ما يحدث لكي لا أعرض نفسي الى السجن بسبب ذلك الحكم القضائي؟؟!!.

الإدعاء العام يمثل السلطة في القضايا القانونية، وإن رفض الإدعاء العام التنازل في قضيتي يؤكد بما لا لبس فيه، أن السلطة الحاكمة هي التي حاسبتني على كتاباتي رغم أنها تتشدق ليل نهار بالشعارات الديمقراطية وبالحرص على الحريات وحقوق الإنسان؟!
وحين أردت أن أستأنف الحكم، نصحني قاض صديق بالسكوت، لأن من ينظرون في دعوى الإستئناف هم الوجه الآخر للسلطة التي حاكمتني على تلك الكتابات، فلا داعي لإتعاب نفسي، لأنه من المحتمل أن أتعرض الى عقوبة أقسى، لأنني معروف عندهم بإنتقاداتي لهذه السلطة الفاسدة حسب نصحيته؟!.

ما يجري في كردستان هذه الأيام يفوق تحمل كل إنسان ذي ضمير وحس وطني، مجموعة من المافيات تتحكم بكل خيرات هذا الإقليم، سرقات وإستغلال نفوذ وإنتهالك حرمات والتحكم برقاب الناس وتجويعهم كالكلاب، مقابل إنتفاخ جيوب وبطون شرذمة صغيرة من حفاة الأمس القريب اللائذين بمعسكرات دول الجوار، هذه المظاهر التي نلمسها ونراها يوميا بأم أعيننا تحفزنا على الكتابة وعدم السكوت، لأنني أعتقد بأن الساكت عن مثل هذه الأمور ليس شيطان أخرس فحسب، بل هو رئيس رؤساء الأبالسة لعنهم الله، فمنظر الناس البؤساء، الوالد الذي يعجز عن شراء بدلة مدرسية لطفلته في العام الدراسي الجديد، ورب البيت الذي يعجز عن سداد إيجار بيته، والشاب المتخرج من الجامعة الذي يخفق في إيجاد

وظيفة مشرفة تتناسب مع شهاداته ومؤهلاته، في الوقت الذي يشغل فيه أشباه الأميين وظائف كبيرة، ويتبوأون مناصب عالية، والبيشمركة الذي ييأس من الحياة لأنه يعيش على الكفاف وهو يحرس الملايين المكدسة المخبأة في غرف المسؤولين، كل هذه المناظر المؤلمة التي تقشعر له الأبدان وتهتز لها ضمير كل إنسان، فكيف بنا نحن حملة الأقلام والمثقفين الذين يعتبرنا المجتمع طلائع الأمة وضمير الشعب؟؟!!..

إن من سجنوا شوان الداودي وغيره،ومن قتلوا بالأمس الصحفي اللامع سوران مامة حمة في كركوك، سيكون مصيرهم حفر العنكبوت وبئس المصير، لأن مصادرة حرية التعبير والتظلم هي طريق نحو الدكتاتورية والإستبداد، وما مصير الدكتاتور الأرعن عنا ببعيد؟؟!!!.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً..صدق الله العظيم.

شيرزاد شيخاني

[email protected]