انتهت الانتخابات وأصبح أوباما الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة.. أصبح هذا الأسمر النحيف رئيساً للدولة التي كانت قبل سنوات قليلة تحارب لونه وتمنعه من الاختلاط مع العرق الأبيض أو ارتياد الأماكن التي يتواجد فيها هذا العرق المقدس!.. انتهت الانتخابات بفوز مميز وتاريخي للرجل الأسمر الأول الذي سوف يدخل البيت الأبيض مرفوع الرأس من أبوابه الأمامية بدلاً من الأبواب الخلفية التي كان يحفظها أجداده حينما كانوا يدخلون البيت الأبيض مطأطئي الرأس مكسوري الخاطر تحت ذل الأسر وأغلال العبودية!.. فاز أوباما، ولم يكتفي بالفوز.. بل جعله فوزاً تاريخياً لا تصمد أمامه عبارات الشك.. فوزاً يستحقه لإحداث التغيير الذي ينشده!


كانت كل المؤشرات تقول أنه الفائز منذ البدايات.. شخصيته وأفكاره وأخلاقه ومبادئه كانت تجري به نحو الرئاسة سريعاً في الوقت الذي كانت فيه أفكار خصمه العجوز الجمهوري تزحف زحف السلاحف مع تعثر مستمر!.. وفي النهاية اختار الأمريكيون فلسفة quot;التغييرquot; بديلاً لنظرية quot;الترهيبquot; التي أدمن الجمهوريون استخدامها ونجحوا في كسب تعاطف الناس من خلالها.. ولكنها لم تعد ورقة رابحة بعد أن أسرف الرئيس الأمريكي الحالي في استهلاكها دون مبرر بالتزامن مع هيبة مفقودة واقتصاد منهار لأقوى دولة في العالم!


تكلم أوباما في مدينته شيكاغو.. تحدث إلى أهلها وإلى الشعب الأمريكي.. كان كالعادة قوياً في خطابه، وبليغاً في عباراته، وقريباً في مفرداته إلى أنصاره.. كان واثقاً حينما كان يخطوا إلى المنصة.. وكان هادئاً ومتواضعاً وعاشقاً.. كان يعلم أنه يصنع التاريخ.. وكان يدرك أنها لحظات تختلط فيها الدموع مع الضحكات.. فزادته تواضعاً وعشقاً وامتناناً للجموع التي أمنت به ودعمته وساندته وأيقنت أنه التغيير الذي تبحث عنه لإرجاع البيت الأبيض من خاطفيه!


لم تكن فرحة عادية، ولم يكن نصراً كاسحاً.. بل كان أملاً عمره مئات السنين عاشه السود وهم يحلمون باليوم الذي يصعدون في إلى المنصة ويعانقوا تاج المجد والكرامة، وليعلنوها قوية.. أوباما الأسود أصبح الليلة رئيساً للولايات المتحدة.. قالتها المذيعة المشهورة quot;أوبراquot; من خلال دموعها وهي تتابع الحدث مع الحشود في حديقة في مدينة شيكاغو.. وقالها القس جسي جاكسون وهو يبكي كالأطفال.. وقالتها الأمة السوداء في الولايات المتحدة بعد سنين من العنصرية والاضطهاد.

كان من الصعب أن يخسر رجل مثل أوباما!.. وكان من السهل أن يخسر رجل مثل ماكين!.. أفكار الرجلين تختلف وأحلامهما تتمايز ومواهبهما تتباين!.. الأول يملك الأمل والتغيير وحلم الأجيال.. والأخر يملك الرعونة وسوء الاختيار وجو السباك!.. أوباما يملك الأوراق الناجحة ويصنعها.. وماكين يستعين دائماً بالأوراق الخاسرة ويجري خلفها!.. بدأها العجوز العابس بالمرأة المبتدئة كنائبة له.. ثم استعان بسباك يحلم بالثراء.. واختتمها بشريط فيديو يستجدي الجريدة المشهورة لإطلاقه!

نال أوباما النصر ولعله يحتفل به الآن مع عائلته وأقربائه وأنصاره وأفراد حملته.. وعاد ماكين لبيته ليقضي بقية أيامه يسترجع الماضي ويتذكره.. وستعود نائبته بالين إلى قريتها لتواصل ممارستها لهواية الصيد التي ربما هي الشئ الوحيد الذي تتقنه وتملك القدرة في الحديث عنه دون ارتباك أو هفوات أو حماقات تسئ لها وللحزب الذي تنتمي إليه!.. وستبقى الولايات المتحدة دولة كبيرة بشعبها ونظامها الذي اختار رئيساً أسود على رغم أنف المتشددين والعنصريين من البيض!!

الدكتور خليل اليحيا

المشرف العام على الملتقى السعودي في أمريكا
[email protected]