الكل يعلم بأن الفرقة التي أسسها الإمام محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) هي الفرقة الناجية وإن كان قولي هذا يصعب على البعض لإعتقادهم أنهم شعب الله المختار إلا أن هذه هي الحقيقة التي يجب أن يقر بها كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولا أقصد من هذا الكلام عرض الحياة الدنيا إنما هي الحقيقة التي لا تحتاج إلى تنظير.

ومن يريد أن يثبت صحة ما ذهبت إليه عليه أن يتابع تأريخ الفرق الإسلامية وكيف أن الدين أصابه السقم والضعف في كثير من المراحل التي مر بها قبل أن يجدد على يد الإمام عبد الوهاب (رحمه الله) فقد جدد الله تعالى هذا الدين على يديه، وقد جاء هذا الرجل العظيم في وقت إنتشر فيه الشرك وعبادة القبور وغيرها من البدع مما إضطر هذا المصلح أن يحارب الحجة بالحجة حتى أبطل الكثير من البدع مما جعل أعداء الدين الحنيف يسعى لأجل القضاء على طريقته المثلى.

وقد حاول البعض من هؤلاء بكل قواهم وقوى الشر التي وقفت معهم أن يكذبوا ما دعا إليه إلا أن الله تعالى كان لهؤلاء بالمرصاد، ومن هنا نرى أن الإمام (رحمه الله) حاول القضاء على ضلال الفرق التي فسرت القرآن الكريم على ما تقتضيه مصالحها. من بعد هذه المقدمة سأشير إلى أحد هذه الفرق وأقول ربما يتسائل القارىء حين يقع بصره على عنوان المقال ويقول في نفسه إن الفرق الإسلامية كثيرة فلماذا أشار الكاتب إلى فرقة واحدة متهماً إياها بالضلال وهل الفرق الأخرى مستقيمة في نهجها التفسيري عند الكشف عن مقاصد الله تعالى.

وللإجابة على هذا السؤال المفترض أقول: إن الفرق الإسلامية التي ضلت عن النهج الصحيح للتفسير لا يمكن حصرها في مقال واحد، لذا سيكون حديثنا عن الفرقة الأكثر بعداً عن الإهتمام في علوم القرآن الكريم، وهذه الفرقة التي سأتناولها في هذا البحث لها عدة أساليب لا يتقبلها العقل، ولا يرتضيها الشرع ولا يستسيغها الذوق العربي السليم، وأكثر من هذا ظنهم بأنفسهم يفوق من يعتقدون أنهم شعب الله المختار.

وقد أخذ هؤلاء المسار المعاكس الذي شرعه الله تعالى وأنزله في كتابه المجيد وما أتى به الرسول (ص) في سنته التي لا تقبل الزيغ، متبعين بذلك السبل التي فرقتهم عن الجماعة وكأنهم أحد المخاطبين بقوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام 153. وبالفعل فإن هؤلاء إتبعوا السبل التي تستند إلى المناهج الجائرة عن الحق، مما شجع أتباعهم على البدع والتقرب إلى الله تعالى بالأولياء الصالحين والنذور وزيارة القبور التي حرمها الدين الإسلامي بكل طوائفه، وأضف إلى ذلك تكفيرهم للصحابة وقذف نساء النبي (ص) وعدم إعتماد الشورى.

وهذا النهج الذي إتبعوه يجعل الثغرة قائمة طيلة العقود التي مرت والتي ستمر إذا ظل نفس الإعتقاد هو الذي يسيرهم، وللأسف فإن هذه الفرقة إبتعدت كثيراً عن الخطوط المشتركة للأمة، حيث لا تقام عندهم صلاة الجمعة أو التراويح أو غيرها من العبادات المشتركة التي هي محل إتفاق لجميع الأمة. وهم بهذا الإتجاه ينأون بأنفسهم عن الحق الذي شرعه الله تعالى مما أدى بهم إلى إتباع نهج مخالف لكل الفرق الإسلامية الأخرى.

حيث تراهم يفسرون أغلب ثوابت القرآن الكريم بما يناسب أهوائهم، ومن الأمثلة التي أريد ذكرها نسبتهم حديث الإفك وآياته التي نزلت في براءة أم المؤمنين عائشة (رض) إلى ماريا القبطية، وكذلك دعواهم أن الذي عنده علم الكتاب هو الإمام علي وجاء إستدلالهم هذا بناءً على قوله تعالى: (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) الرعد 43. علماً أن هذه الآية من أوضح الواضحات وتدعو المشركين بأن يستدلوا على رسالة النبي (ص) بشهادة أهل الكتاب لعلمهم بنعته وصفاته التي ذكرت في كتبهم.

ومن الأخطاء العظيمة التي لا يريد العلماء المحدثين الإعتذار عنها تلك التي ذكرها القمي في تفسيره ومنها قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران 110. يقول القمي أنزلت هذه الآية بلفظ غير هذا حيث بد ل قوله [أمة] إلى [أئمة] والأغرب من هذا أنه نسب هذا التبديل للإمام الصادق حيث قيل له وكيف أنزلت يا ابن رسول الله؟ قال إنما أنزلت [كنتم خير أئمة أخرجت للناس] ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية [تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله] ويضيف القمي: ومثله قوله: (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) الفرقان 74.

يقول: قيل للإمام الصادق يا ابن رسول الله كيف نزلت؟ فقال: إنما نزلت [الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماماً] إنتهى

وقبل أن أختم مقالي هذا أريد أن أسأل العلماء المحدثين الذين يدعون المعرفة بأسرار اللغة العربية وبديعها وطباقها وجناسها أريد أن أسألهم هل يتقبلون هذا اللون من الآيات التي حرفت والتي لا تنسجم مع أبسط القواعد العربية، ثم إلى متى تبقى كتب التفسير القديمة دون تنقيح وتصحيح وهل السكوت على هكذا عمل يرتضيه الله تعالى، أليس الأولى إعتذاركم نيابة عن أؤلئك الذين لقوا ربهم عسى أن يغفر لهم.

عبدالله بدر إسكندر المالكي
[email protected]