ماذا كتب شازوف فى مذكراته عن بوكسا.. وعبد الناصر.. وبريجنيف

سؤال : الى اى مدى يحق لطبيب الرئيس ان يفشى اسرار مرضه؟ ومتى؟ هل قبل وفاته ام بعدها؟ ومن يسمح له بذلك : الدولة ام الحكومة.. ام الاثنان معا؟


واضح ان صحة الرئيس.. اى رئيس هى الشغل الشاغل للكثير من الاطراف : الدولة،الحكومة،الحزب، المعارضة،الدولة او الدول الاخرى التى تريد quot;التقاط الموجة quot; والتعرف على طبيعة القرار السياسى من خلال رصد وتشريح quot;البيانات quot; و quot;الفحوصات quot; والتحاليل الطبية الخاصة بصحة الرئيس.


عادة فإن الدول والحكومات تتكتم على طبيعة المرض الذى يودى بحياة الرئيس ويتسبب فى وفاته سنوات عديدة. ثم تفرج عن اسرار المرض على دفعات وجرعات حسب الملابسات والظروف.وربما يستغرق القوت عقود. لكن يفجينى شازوف الذى اختاره ليونيد بريجنيف منذ عام 1967 لتولى رئاسة الادارة الرابعة بوزرة الصحة وهى الادارة المختصة برعاية صحة الزعماء الحزبين وكبار رجال الدولة اضافة الى الدبلوماسيين والسياسين المقربين كشر هذه القاعدة.


وفى كتابه اومذكراته على وجه الدقة التى حملت عنوان quot;الصحة والسلطة quot; (ترجمة واعداد دز ايمان على ) يحكى شازوف كبير اطباء الكرملين عن الامبراطور بوكسا (صاحب الانقلاب العسكرى فى افريقيا الوسطى عام 1965 والذى نصب نفسه امبراطور عام 1976) الذى كان يعالج فى موسكو. فى بداية الامر قيل ان بوكسا يعانى من اضطراب فى الجهاز الهضمى وبعد ان فحصه شازوف مع زميله البروفيسور سماجين اكتشفا انه مصاب بالتهاب عادى فى القولون والمرارة. ووضع نظام علاجى لبوكسا يتضمن وجبات غذائية تساعد على ازالة الالتهاب،لكن بوكسا فجر المفاجاة فى عينى شازوف الذى استدعى على عجل يوم العطلة (الاحد )،وكانت قنبلة بوكسا عبارة عن عدة ثعابين وسحالى وحيات صغيرة وابراص وقطع من لحم التنين. واضطر شازوف ان يستخدم سلطته كطبيب معالج فأمر بالقاء ما احضره بوكسا من اطعمة quot;افريقية quot; فى صندوق القمامة وصعد الى جنحه ووبخه على فعلته النكراء وطالبه بالالتزام بنظام العلاج الذى وضع له.


وراقت المسالة لبوكسا الذى طلب من شازوف ان يخصص له طبيبا وطباخا روسيين يرافقانه الى بلده بعد انتهاء مرحلة العلاج quot;الروسى quot; التى استغرقت عشرة ايام. وبعبارة شازوف فإن بوكسا ألغى عقد الطبيب بعد ثلاثة شهور فقط بحجة انه حاول اجبار احد رجال حراسته على ممارسة الشذوذ الجنسى معه.


وضرب شازوف كفا بكف نظرا لوضاعة وخسة بوكسا الذى حاول الصاق تهمة اخلاقية بالطبيب الروسى السخيف الطاعن فى السن.
ماسح الاحذية العجوز وعبد الناصر:
ويحكى شاازوف قصة طريفة حدثت معه شخصيا اثناء علاج عبد الناصر عام 1968 فى quot;تسخالطوبو quot; فقد ضرب الكرملين نطاقا كثيفا من السرية حول زيارات عبد الناصر العلاجية وتصادف ان تاخر عن الحضور لمدة شهرين لاكمال العلاج وفى مدينة تسخالطوبو ذهب quot;اى شازوفquot; الى سوق المدينة لتلميع حذائه وهناك قال له ماسح الاحذية العجوز : هل اعجبتك هذه المدينة؟
ولم ارد. واخذ يصف لى جمال المدينة وهو يظن اننى سائح او مصطاف. ثم اقترب منى وهمس فى اذنى : سأفضى لك بسر ايها الرجل الطيب ! تفضل : فى تمام الساعة الثانية عشرة سيأتى الرئيس عبدالناصر. وفى استطاعتك ان تراه اذا وقفت على قارعة الميدان. كان ماسح الاحذية العجوز المرح يتحدث هامسا وكان معه جدولا بموعد وصول عبد الناصر او كانه احد افراد ال كى جى بى quot;المخابرات السوفيتية quot;.


وفى تسخالطوبو عالج شازوف عبد الناصر بالمياه الينبوعية والطمى حتى اختفت اعراض quot;الغرغرينا quot; من اصابع قدميه ومعها الاالام والاوجاع والارق،واخبره مع الدكتور تيولبين ان السبب فى تحسن صحته يرجع الىquot; نمو اوعية دموية جديدة الى جوار الاوعية الدموية القديمةquot;مما اعاد الدورة الدموية للساقين الى نشاطها وحيويتها.


وفى عام 1969 تدهورت صحة عبد الناصر بسبب الجهد والاجهاد الانفعالى والعصبى الذى صاحب quot;حرب الاستنزاف quot; وطلب اندربوف ( الذى كان يعمل رئيسا لجهاز المخابرات ال كى جى بى ) من شازوف ان يسافر الى القاهرة لمتابعة حالة عبد الناصر. وسافر شازوف على متن طائرة عادية وطلب منه اندروبوف ان يلبس نظارة سوداء وقبعة عند هبوطه الى مطار القاهرة حتى لايتمكن احد من التعرف عليه او تصويره فى شرفة مبنى المطار. وكانت القضية التى تشغل بال امين هويدى ( رئيس المخابرات المصرية انذاك ) هى كيف يمكن اخفاء تدهور صحة الرئيس عن الموساد (المخابرات الاسرائيلية )،وطلب من شازوف الا يغادر الفندق الا فى السيارة التى اعدها مكتب الرئاسة لفحص الرئيس ومتابعة حالته الصحية فى يته.


وفى بيت الرئيس سأله عبد الناصر:
ماذا سأقول للناس لتبرير عدم ظهورى وكذلك للتمويه على العيون التى ترصدنى؟ واجابه شازوف :ملازمة الفراش لمدة اسبوعين بسبب نوبة انفلونزا حادة والظهور لوقت قصير امام وسائل الاعلام. والحقيقة ان عبد الناصر لم يكن يعانى من نوبة انفلونزا حادة وانما من تصلب شرايين القلب حيث ادى ذلك الى حدوث احتشاء به وكان عليه ان يتعاطى ادوية وعقاقير توسع مجرى الاوعية الدموية وتحول دون تجلط الدم مع راحة تامة لمدة شهر على الاقل.


ولم يلتزم عبد الناصر بالتعليمات الطبية بل انه كان يفتح مع شازوف موضوعات سياسية وعسكرية وهو على يقين من انه سوف يوصل مضمون هذه الموضوعات الى بريجنيف مع الرسالة الخاصة التى طلب من شازوف ان يسلمها اليه.
هل يموت فى المستقبل القريب


وعن الملاحقة الامريكية التى تعرض لها شازوف اثناء مرافقته لبريجنيف فى بداية الثمانينات الى الولايات المتحدة،سألته صحفية لحوح :
هل يموت بريجنيف فى المستقبل القريب؟
فلما اجابها شازوف : ان قسم ابو قراط يمنعنى من ان اجيب على سؤالك؟ صاحت فى وجهه وهى تصرخ، لا اريد هذا الرد :فماذا يساوى قسم ابو قراط فى عالمنا اليوم؟
يقول شازوف : ساعتها لم استطع ان اتمالك اعصابى ونفاذ صبرى واجبتها : انستى المحترمة،ماذا كنت ستقولين لطبيبك لو انه اعلن فى مؤتمر صحفى نتيجة فحوصك النسائية..؟!
وضجت القاعة التى عقد فيها المؤتمر الصحفى بالضحك والصخب والتصفيق..!


ويقول شازوف ايضا ان يولان سيمونوف وهو كاتب وثيق الصلة بالمخابرات السوفيتية كان يحاول اقناع نفسه بهاجس كان يستوى عليه وهو ان بريجنيف ظل لسنوات يعيش ببطارية كهربائية من صنع امريكى لتشغيل القلب وهو امر عار من الصحة تماما.
بريجنيف والممرضة quot;ن quot;
بما ان المرأة لعبتها الرجل فقد مارست الممرضة quot;ن quot;( التى لاتزال على قيد الحياة ) هذا الدور مع وعلى بريجنيف مما اضطر اندروبوف عام 1973 ان يطلب من شازوف ان ينقل الممرضة اللعوب التى ترعى صحة زعيم الكرملين الى اى مكان واى عمل فى مدة 24 ساعة.
ولما سأل شازوف،اندروبوف هل يدخل نقل الممرضات فى اختصاصاته ومسؤلياته اجابه اندروبوف محتدا : نفذ التعليمات بدون اية اعتراضات علما بان ما اطلبه منك ليس مطلبا يخصنى انا..!
ومن المؤكد ان شازوف لم يلحظ ولم يرصد مراحل تقرب الممرضة quot;ن quot; من بريجنيف اثناء فترات الارق ونوبات الخمول التام الى درجة الانفراد به واقصاء كل من حوله بمن فيهم شازوف نفسه والفريق الطبى المعالج له.


ولم يكن هناك مناص فى ان يفاتح شازوف فيكتوريا زوجة بريجنيف بشأن quot;سحر quot; الممرضة quot;ن quot; على شخصيته لكن فيكتوريا صدمته حين قالت له : لا شان لى بهذم المسالة وعليك ان تحل مشكلتك بنفسك فأنا لا اريد ان افسد علاقتى بزوجى !ولجا شازوف الى اندروبوف عله يجد حلا لكن اندروبوف كشف له سرا حين قال له : لقد تحدثت عرضا مع بريجنيف عن الممرضة quot;ن quot; وزوجها الضابط الصغير فى جهاز المخابرات والذى نفش ريشه كالطاووس مفاخرا بعلاقة زوجته الخاصة بالامين العام للحزب الشيوعى؟وصمت اندروف ثم عاد للحديث قائلا : ياشازوف،هل تعرف ماذا قال لى بريجنيف؟ قال لى :هذا شأن خاص بى ولاتحاول ان تفتح معى هذا الموضوع مرة اخرى.
ثم حانت الفرصة فى المؤتمر الخامس والعشرين للحزب لابعاد الممرضة quot;ن quot; عنه بعد اعداد جدول تمريضى يضم ممرضين اخرين وتحدت الممرضة quot;ن ط الجميع حين اصرت على توديع بريجنيف قبل رحيلها. ويصف شازوف المشهد بقوله : كان المشهد غريبا للغاية كوكبة من الناس تخرج من المنزل الريفى لبريجنيف لمقابلة السيدة quot;ن quot; بينما اخذت بريجنيف تحت ذراعى ومن حولنا رجال حراسة وكاننا نخرج به الى مدينة يسيطر عليها الارهابيون. وعندما تباطىء بريجنيف لكى تكمل quot;نquot; اجراءات توديعها له لم يعطها شازوف ولا الحرص فرصة لذلك ورحلت الممرضة quot;نquot; وهى ترمق الجميع بنظرة ازدراء.وعاد بريجنيف الى السباحة مرتين فى اليوم والخروج فى رحلات الصيد والقيام بالمشى فى الحديقة. وفى عام 1978 وسع بريجنيف من دائرة عصيانه للاوامر الطبية وترك مقاليد الامور لشلة ماسحى الجوخ التى احكمت قبضتها على المكتب السياسى وغرق فى المسكنات والمهدئات والنوم لمدة 12 ساعة ومشاهدة مباريات الهوكى.وتدهورت صحة بريجنيف الى اقصى درجة بعد عطلة احتفالات اكتوبر 1982 ومات على سريره وسمحت فيكتوريا (زوجته ) لاندروبوف بدخول غرفة نومه بينما رفضت استقبال تشيرننكو لان كان يمده على الدوام بجرعات هائلة من المهدئات والمسكنات.
وبعد مافات،هل خرج شازوف على المألوف ام ان هناك قوى خفية ساعدته على ذلك؟!

أحمد يوسف
[email protected]
* مذيع قناة النيل الثقافية