تتحرك سارة بيلين بين صفوف مؤيديها برشاقة سياسية بليغة لم يعهدها المشهد السياسي الأميركي المعاصر من قبل. هي ابنة الـ 44 عاما، والتي صقلتها تجربتها السياسية التي بدأت رحلتها باكرا، ودفعها واقع quot;الفرص المتاحةquot; لكل مواطن أميركي ذي كفاءة، وبحيوية زائدة، إلى مشارف قمة الهرم السياسي الأميركي للعام 2008.


تتمتع مرشحة الحزب الجمهوري الأميركي لمنصب نائب الرئيس للعام 2008، سارة بيلين، وبخلاف الرجال الثلاثة الذين يشاركونها مشهد السباق على المكتب البيضاوي في البيت الأبيض(ماكين، أوباما، بايدن)، بخبرة تنفيذية، إضافة إلى خبرتها التشريعية. فقد خدمت بيلين خلال فترتين كعضو في مجلس مدينة واسيلا من ولاية آلاسكا، وتقلدت لاحقا منصب عمدتها. ترشحت بيلين لانتخابات حاكم ولاية آلاسكا في خريف العام 2006 بعد فوزها في انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية ضد شاغل المنصب الحاكم فرانك موركويسكي، وذلك في الانتخابات العامة التي خاضتها على أساس برنامجها الإصلاحي. وقد وصفها منافسها المستقل على منصب حاكم الولاية هالكرو، وقد كان ذهب للمناظرة ضدها مسلحا بدراسته في هارفارد، وحياته طول عمره في آلاسكا، وخبرته كمشرّع، وكل ذلك ذهب أدراج الرياح أمام حضورها السياسي الطاغي، وصفها بقوله: quot;إن الأمر مع بايلن لا يتعلق بالسياسة وإنما بشعبيتهاquot;. وأوضح قائلا quot;إن أكبر مواهبها هي قدرتها على أن تملأ المكان بوجودهاquot;.


لسارة بيلين سمعة سياسية نضرة تجعلها متفوقة في مجال الإصلاح السياسي والإدارة ومحاربة الفساد، حتى لو خالفت أحياناً البرنامج السياسي لحزبها الجمهوري. ولها مواقف مشهودة في مقاومة الجماعات الضاغطة من أصحاب المصالح الخاصة، وكذلك شركات النفط الكبرى العابرة للقارات. وأقرّت زيادة ضريبية على أرباح الشركات الكبرى يعود جزء من عوائدها إلى دافعي الضرائب في ولاية ألاسكا. وبالإضافة إلى ذلك، ناصرت تشريعاً نص على وجوب انقضاء سنة على الأقل بين ترك السياسيين مناصبهم الحكومية وتوليهم العمل لصالح شركات الطاقة العملاقة العاملة في الولاية، وذلك في محاولة لدرء الفساد والرشوة.
سجلت بيلين خلال حياتها السياسية سجلاً سياسيا محافظاً، لا سيما في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية. فنحن نرى بيلين تعارض الإجهاض، وهي عضو في منظمة نسائية ضد الإجهاض تدعى Feminists For Life، كما أنها تعارض زواج المثليين. إلا أن بيلين ليست أيديولوجية متشددة؛ وللتأكيد على هذه الصفة نستطيع أن نسرد أن أول فيتو رفعته بيلين كحاكمة لولاية آلاسكا أتى ضد مشروع قانون من شأنه حرمان موظفي حكومة الولاية المثليين من الحصول على نفس الحقوق والإعانات التي تقدم للأزواج والزوجات.


تحظى بيلين بشعبية لافتة لدى سكان ولاية آلاسكا، وقد نالت باستمرار تقييماً جيداً لسياساتها، ولكيفية تأديتها لوظيفتها، حتى بين سكان مناطق الولاية الحدودية المتسمين بالخشونة والقسوة. وقد جاء في نبذة عن حياتها نشرتها مجلة آلاسكا أنها quot;سياسية مجتهدة، ومؤيدة لرجال الأعمال في القطاع الخاصquot;. وقد جعلها مظهرها الودود، وهو كا يعرف بماركة مسجّلة لصالحها (ابتسامة بيلين الشهيرة)، جعلها مقبولة حتى في نظر الرجل الخشن ndash; سائق الشاحنة في أقاصي ولاية آلاسكا.


تؤيد بيلين بقوة مشاريع إنتاج الطاقة البديلة من مناجم الفحم الحجري الأميركي المعالج بأحدث التقنيات، وذلك للتخلّص من تبعية أميركا للنفط المستورد من الدول المنتجة له. وهي تدعم، مثل ماكين، التنقيب عن البترول في عرض البحر، ولكنها، على خلاف ماكين، تدعم التنقيب في محمية الحياة البرية الوطنية في القطب الشمالي (ANWR). وقد وقعت بيلين، في حزيران/يونيو من العام 2007، على quot;قانون تشجيع مد خط غاز آلاسكاquot; جاعلة منه قانوناً ساري المفعول، وهو يهدف إلى تسهيل مد خط أنابيب للغاز الطبيعي من شأنه في نهاية المطاف إيصال الغاز الطبيعي إلى مستهلكين في جميع أنحاء أميركا الشمالية.


وقد وصف ماكين، لدى إعلانه عن اختيار بيلين نائب للرئيس، بأنها مستقلة، مثله إلى حد كبير، مدت يدها إلى الديمقراطيين في مجلس الولاية التشريعي من أجل العمل يدا واحدة لتحقيق المصلحة الوطنية العامة. وقد أشاد ماكين بها كامرأة تتصف quot;بحنو كبيرquot; وتحارب دون هوادة quot;الفساد.quot; وقد وصفت بيلين نفسها quot;كأم عاملةquot; هدفها quot;تحدي وتغيير الوضع الراهن، وخدمة الصالح العام.quot; وقد أشادت في الملاحظات التي أدلت بها، بمواقف ماكين تجاه إيران والعراق والأزمة الأخيرة في جورجيا.


وقد اعتبر الكثير من الصحفيين الأميركيين اختيار ماكين لـ quot;امرأةquot; لتكون مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس، محاولة للتقرب من مؤيدي هيلاري كلينتون الذين أصيبوا بخيبة كبيرة لغياب اسم كلينتون عن البطاقة الديمقراطية بمنصب نائب ا للمرشح الديمقراطي للرئاسة ـ أوباما. وقد أشارت بيلين بشكل محدد إلى حملة كلينتون، قائلة إنه بالتصويت لماكين- بيلين، quot;فإنه يمكننا أن نحطم ذلك السقف الزجاجيquot; الذي أحدثت كلينتون شقوقاً فيه. ويشير quot;السقف الزجاجيquot; إلى عائق غير مرئي يمنع النساء والأقليات من الارتقاء إلى مناصب قيادية. وكانت هيلاري كلينتون تأمل أن تخترق السقف الزجاجي بالفوز بأهم منافسة في تاريخ أميركا السياسي، المنافسة المؤدية إلى رئاسة الولايات المتحدة.


وباختيار ماكين لسارة بيلين نائبا له، سيكون لدى الولايات المتحدة، مهما كانت نتيجة انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، إما أول رئيس أميركي من أصل إفريقي، أو أول امرأة في منصب نائب رئيس. هذا علما أن جيرالدين فيرارو كانت أول امرأة تترشح لمنصب نائب الرئيس على لائحة مرشحي حزب رئيسي، عندما اختارها المرشح الديمقراطي وولتر مونديل لتخوض الانتخابات إلى جانبه كمرشحة لمنصب نائب الرئيس في العام 1984. ولكن لائحة مونديل- فيرارو مُنيت بهزيمة في ذلك العام أمام شاغل المنصب الجمهوري رونالد ريغان، ونائبه جورج ووكر بوش، والد الرئيس الحالي.

إنه لمن نافل القول في هذا المقام أن نسرد ما ذكرته جريدة التايم بقلم الصحافية بيليندا لوسكومب quot;إن الأميركيات يكرهن سارة بيلين لأنها تتمتع بقدر بليغ من الجمالquot;! وأشارت لوسكومب في مقالها الذي يحمل عنوان quot;لماذا تكره بعض النساء الأميركيات سارة بيلينquot; وذلك في إشارة إلى سيكولوجية المرأة تجاه بنات جنسها قائلة: quot;كنا في المدرسة نكره الفتيات الجميلات، وكنا نغتابهن دائماquot;.

ونصحت الكاتبة الأحزاب الأميركية في حال ترشيح امرأة إلى منصب ما بالابتعاد عن اختيار امرأة جميلة لأنها ستثير غيرة النساء الناخبات، على أن يراعى في الوقت نفسه أن لا تكن المرشحات قبيحات لأن الرجال في حالها لن يمنحونهن أصواتهمquot;. وختمت التايم أن المشكلة الأعظم لدى بيلين هي أنها تعاني من quot;الشعور بالفوقيةquot;، فالنساء حسب لوسكومب إما أن يكونن خجولات جدا أو مغرورات جدا، وأن سارة بيلين تنتمي إلى النوع الثاني الأكثر إثارة للغيرة والحنق من قبل النساء حصرا!

مرح البقاعي