كنت كتبت في الأزمة المالية الماثلة قبل أكثر من ثلاثة أسابيع تحت عنوان quot; ما الذي ينهار اليوم في أميركا quot; مؤكداً أن الأزمة لا تمت بصلة إلى أزمة النظام الرأسمالي التي كان كارل ماركس قد تحدث عنها قبل قرن ونصف القرن إلا أنه ورغم كل الحقائق الصلبة التي تقطع الشك باليقين ظل الاقتصاديون البورجوازيون يبحثون في أثر الأزمة وأسبابها بافتراض خاطئ، دون أدنى مبرر، وهو أن الأزمة هي أزمة النظام الرأسمالي، وبعضهم يتخوّف من أن تكون الأزمة قاتلة ـ لنظام قتل قبل 33 عاماً ـ وبعضهم الآخر يؤمل أن تعالج الرأسمالية نفسها بنفسها كما كانت قد فعلت في السابق مرات ومرات. هكذا يضربون أخماساً بأسداس دون أن يجروء أحد من الذين قرؤوا ما كتبت، على الأقل، أن ينفي ما ذهبت إليه وهو أن الأزمة ليست أزمة الرأسمالية الكلاسيكية بل هي احتضار الإقتصاد الاستهلاكي ونهايته وليس الإقتصاد الرأسمالي الذي كان قد انتهى قبل أكثر من ثلاثة عقود.
نؤكد هنا مرة أخرى لكافة الاقتصاديين من مختلف النحل أن الأزمة الماثلة الآن في العالم ليست هي الأزمة الدورية التي تحدث عنها كارل ماركس، ليست هي أزمة النظام الرأسمالي بأي مظهر من مظاهرها الكثيرة المختلفة التي منها ما يلي..
الأزمة الدورية للرأسمالية تحدث دائماً بسبب الكساد واختناق السوق بالبضائع التي لا تجد من يشتريها نتيجة لهبوط القدرة الشرائية لدى عامة الناس وذلك لأن المجموع الكلّي للأجور في نظام الإنتاج الرأسمالي أقل من المجموع الكلّي لقيمة الإنتاج بما يساوي فائض القيمة. الأزمة الماثلة ليست بهذا الشكل على الإطلاق وذلك بسبب..
middot;أن الإنتاج الرأسمالي في الولايات المتحدة،middot; وهي مركز الأزمة،middot; هو أقل من 17.5% من مجمل الإنتاج القومي،middot; ولذلك يمكن القول أن مجموع الأجور المدفوعة في قطاعات الإنتاج المختلفة،middot; الرأسمالية وغير الرأسمالية،middot; هو أكبر من مجموع قيمة الإنتاج البضاعي الرأسمالي حيث يتضمن الأول أجور العاملين في الخدمات غير البضاعية.
middot;ثمة جفاف بضاعي في السوق الوطنية ولذلك تستورد الولايات المتحدة كل يوم بما قيمته مليارين من الدولارات زيادة على كل ما تنتجه وهو ما يعني أن الشعب الأميركي يستهلك سنوياً بما يزيد عن مجمل الإنتاج الأميركي زهاء تريليون دولار من البضائع المستوردة ومثله أو أكثر من المدخرات الأميركية.
العقارات التي تسببت بالأزمة الحالية ليست منتوجاً رأسمالياً بأي شكل من الأشكال طالما أن العقارات ليست بضاعة تتم مبادلتها كما هي البضائع الأخرى وهي أملاك غير منقولة ولا يمكن تصديرها للأسواق الخارجية ولا تستهلك آنياً، بالإضافة إلى أن مكوناتها ليست من المواد المصنعة إلى حد كبير.
من أفلس في الأزمة الماثلة هو البنوك وليس المؤسسات الرأسمالية الصناعية، وقد أفلست بسبب الرهن غير المضمون. ما كانت البنوك لتخاطر بمثل هذه المخاطرة، بالرهن العقاري، لو أن التمدد الصناعي الرأسمالي الذي هو خاصية حيوية من خصائص النظام الرأسمالي كان بالمساحة الطبيعية أو حتى قريباً منها. لقد أضحى على البنوك أن تخاطر بالاتجار بالعقارات ورهنها غير المضمون وبالتسليف بالبطاقة الائتمانية ـ التي من المتوقع أن تتسبب بأزمة كبرى لاحقة ـ بعد أن بدأ الإنتاج البضاعي الرأسمالي بالانكماش مما تسبب في تجميد الحركة في الدوائر المالية وتباطؤ دورة الأموال لديها.
في أزمة الرأسمالية النموذجية تكون القدرة الشرائية لعامة المستهلكين ضعيفة تقصر عن تحريك مجرى البضائع في السوق، أما الأزمة الحالية فليست كذلك إذ أن المستهلكين، إذا صحت التسمية، وهم الذين تملكوا مساكن عن طريق الرهن العقاري، اشتروا أكثر بكثير من قدراتهم الشرائية وعجزوا عن التسديد وهذا من المحرمات في النظام الرأسمالي. سياسة رفع القدرات الشرائية عن طريق الرهن أو التسليف تكسر قانوناً أساسياً في النظام الرأسمالي وهو تحديد القدرات على الاستهلاك بما يكفل السيطرة على مستوى الأجور وتوفير فائض القيمة المطلوب.
الشبه الوحيد بين الأزمتين هو أن الدورة الاقتصادية (نقد1 ـ بضاعة ـ نقد2) في الحالتين تتوقف عن الجريان لكن التوقف في كل من الحالتين مختلف تماماً عنه في الحالة الأخرى. ففي النظام الرأسمالي يتوجب أن يكون (نقد2) أكبر من (نقد1) والفرق هو الربح الذي هو المبرر الوحيد للنظام الرأسمالي. أزمة النظام الرأسمالي تبدأ بالتشكل عندما يميل (نقد2) إلى الإنخفاض باتجاه التساوي مع (نقد1)، وقبل التساوي بقليل، تتوقف المؤسسات الرأسمالية عن الإنتاج وتختنق السوق بفائض الإنتاج. وعلاجها الوحيد عندئذٍ هو الإنفاق على هامش من الأجور التي لا تنتج بضائع كما في حالة مشاريع البنى التحتية، التي منها بناء المساكن سبب الأزمة الحالية، كما كان قد فعل الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت في معالجة الكساد الأعظم 1929. أما في الأزمة الماثلة اليوم فجريان الدورة الإقتصادية لم يتوقف، حتى وبعد إنخفاض (النقد2) عن مستوى (النقد1)، بل واصل الجريان حتى أصبح ( النقد2 = النقد1 = 00 ). لكن لماذا لم تتوقف الدورة الإقتصادية عندما انخفض (النقد2( حتى مستوى (النقد1) ؟ ذلك هو الإقتصاد الإستهلاكي، وليس الرأسمالي بالطبع.
العلاج المعروف للأزمة الرأسمالية هو توسيع هامش الأجور في مشاريع البنى التحتية ـ ومنها بناء المساكن ـ التي لا تنتج بضاعة. أما الأزمة الماثلة فلا ينفع فيها إفاضة الأموال على الدورة الاقتصادية مما يستبطن المزيد من الإستهلاك، وهو سبب الأزمة، وليس المزيد من الإنتاج البضاعي حتى موازاة مجموع الأجور.
لنعد إلى مسألة انحطاط الإقتصاد الرأسمالي إلى ما يسمى مجازاً بالاقتصاد الاستهلاكي (consumerism). الدول الرأسمالية الغنية الخمسة (G 5) بعثت بقادتها إلى قلعة رامبوييه في باريس لأجل معالجة الأزمة الكبرى الخانقة 1971 ـ 1975 فلم يجد هؤلاء الزعماء من مخرج سوى التخلّي ولو مؤقتاً عن سرّ الحياة للنظام الرأسمالي ومبرره الوحيد وهو الربح، أي أن يكون النقد العائد (نقد2) أكثر من الصادر (نقد1)، مؤملين أن مثل هذا العلاج المؤقت سيخلصهم من تلك الأزمة القاتلة والمصيرية. من هنا قرر زعماء تلك الدول الغنية إغراق الدول المستقلة حديثاً، بعد أن كانت سوقاً مفتوحة لهم تمتص فائض الإنتاج لديهم، إغراقها بغمر من الدولارات لكي تعود تمتص فائض الإنتاج وهو سبب الأزمة. ففي العام 1975 كانت ديون العالم خلال قرن طويل تصل إلى 70 ملياراً من الدولارات فقط، إلا أنه خلال السنوات الخمس التالية تضاعف حجم ديون العالم الدولية ثلاثين ضعفاً وتجاوز 2 تريليون من الدولارات. كانت الدول الفقيرة وغير المليئة تستدين من الدول الغنية مليارات الدولارات بسهولة فائقة لتنفقها على استيراد البضائع الاستهلاكية الكاسدة في مراكز الرأسمالية. من هناك بدأ ما يسمى بالإقتصاد الإستهلاكي بالتعمّق والاتساع دون أن تستطيع أية قوى على إيقافه. حوت الكونسيومارزم نما بشكل هائل متجاوزاً كل قدرات السيطرة عليه فابتلع كل أسماك الرأسمالية الكبيرة والصغيرة على السواء وهضمها وطرحها فضلات في أعماق المحيط كيلا ترى من جديد. الاقتصاديون البورجوازيون بالطبع يشيحون بوجوههم كيلا يروا تلك العملية اللصوصية التي قام بها ربابنتهم خاصة وأنها عملية فاشلة كما ثبت في نهاية الأمر.
ما قامت به الدول الخمسة الغنية من توزيع مئات المليارات بشكل ديون على دول غير مليئة من أجل استهلاك منتوجاتها الرأسمالية المكدسة وانتهى ذلك، على غير رغبة منها، إلى انحطاط النظام الرأسمالي إلى النظام الاستهلاكي انحطاطاً نهائياً لا رجعة عنه، كذلك فعلت البنوك الأميركية إذ وزعت كل ودائعها ومدخراتها بما في ذلك رأسمالها، بشكل عقارات، على أناس غير مليئين، يستهلكون أكثر مما ينتجون ولم يحم ِأموالها ارتهان العقارات ـ البنوك ارتهنت العقارات أما الدول الدائنة فقد ارتهنت القرار السياسي والاقتصادي للدول المدينة. وهكذا تحققت دورة الإقتصاد الإستهلاكي (نقد1 = نقد2 = 00) وأفلست أكبر البنوك التي ذهبت بعيداً في السياسات الاستهلاكية. يقدر أن البنوك الأميركية أنفقت على بناء المساكن حوالي 6 تريليون دولاراً استعادت منها 4 تريليون وبقي تريليونان ديناً هالكاً وهو ما دفع هذه البنوك إلى الإفلاس. السؤال الفيصل هنا هو.. لماذا أنفقت البنوك الأميركية على بناء أكثر من 10 ملايين مسكن أكثر من قدرة الشعب الأميركي على الاستيعاب، ثم لماذا اشتراها الأميركيون بالدين وهم لا يقدرون على تسديد أثمانها ؟ ليس من جواب آخر على مثل هذه الأسئلة سوى أنه على هذه الشاكلة تجري دورة الإقتصاد الاستهلاكي. دورة الإقتصاد الاستهلاكي، التي عني بها أصلاً، بعد امتصاص فائض الإنتاج في مراكز الرأسمالية، تقويض الخطط التنموية للإقتصادات المستقلة في الدول المستقلة حديثاً، سرعان ما توسعت هذه الدورة لتفيض من الأطراف إلى المراكز وتغمرها حتى الأعماق. فإذا كان معدل ما ينتجه الشعب الأميركي خلال الفترة 1975 ـ 2008 هو سنوياً 8 تريليون دولاراً فإن معدل ما ينفقه هو 10 تريليون دولاراً أي بزيادة 2 تريليون سنوياً.
بعد 33 عاماً من إدمان الإستهلاك وصل (النقد1) لمستوى الصفر، أي أن الشعب الأميركي قد أنفق كل مدخرات الأمة عبر أكثر من قرنين ولم يبق لديه ما يحرّك به الإنتاج بكل أشكاله البضاعية أو الخدمية، الجماعية أو الفردية. ولذلك بتنا نرى عشرات ألوف الأميركيين يفقدون وظائفهم شهرياً. تقول الإدارة أنها ستعالج هذه الأزمة بإنفاق 700 ملياراً من الدولارات في شراء الديون المعدومة، لكن من أين ستأتي الإدارة بهذه الأموال الضخمة ؟ والسؤال الثاني الفيصل أيضاً هو.. ما الذي ستفعله هذه الأموال المعادة إلى خزائن البنوك ؟
ستجمع الإدارة قسماً من هذه الأموال من جيوب المواطنين كضرائب والقسم الآخر ستسكه في مطابعها. الدولارات في جيوب المواطنين تمثل في الغالب أجور عمل خدمي وهذه أصلاً فارغة من كل قيمة حقيقية ثم إنها لا تستبدل ألا مخدومة بتبادل سلعي ـ الخدمة عاجزة عن الوصول إلى السوق إلا وهي محمولة أو الأحرى مخبوءة في جوف السلعة ـ وهناك انكماش أمريكي هائل في الإنتاج السلعي، لذلك يذهب الجزء الأكبر منها في شراء سلع وخدمات أجنبية وفي الغالب صينية. أما القسم الثاني الذي ستسكه الإدارة ولعله القسم الأكبر فهو مجرد أوراق لا قيمة لها على الإطلاق طالما لم تشترها جهة أجنبية ـ والطامة الكبرى إذا توقفت الدول الأجنبية عن شراء الدولار.
أما بخصوص السؤال الفيصل الثاني، فإن البنوك وبعد أن تبيع للإدارة ديونها الهالكة وتسترد أموالها (700 مليار) فما الذي ستفعله بهذه الأموال ؟ لن تعود مرة أخرى لتجارتها المفلسة، وهي بناء المساكن وبيعها مرهونة على قيمتها، بعد أن تعلمت درساً قاسياً في مثل هذه التجارة. والتمدد الصناعي الرأسمالي كان قد توقف منذ عقود وغدا معه توظيف الأموال في هذا القطاع تجارة متقادمة لم تعد ذات فائدة. ما الذي ستفعله البنوك بهذه الأموال الهائلة المستردة ؟ هل ستخزنها في خزائن حديدية محكمة الإغلاق لا تفتح فتعدم هذه الأموال إعداما نهائياً وكما لو أنها لم تسترد دولاراً واحداً منها ؟ ليت أحداً من الإدارة يشرح لنا كيف سيتم الإشفاء ! الإحساس العام بغيض الدولارات يعمل على رفع سعر صرف الدولار دون مبرر وهذا ليس له أدنى علاقة بالاستشفاء كما توحي تصريحات الإدارة الأميركية. إنه أشبه بدفقات الحياة المتقطعة قبل الموت التام.
من الدلائل القاطعة على أن الأزمة الماثلة هي أزمة الإقتصاد الاستهلاكي وليس الإقتصاد الرأسمالي هي أن الأزمة تفشّت بصورة ملحوظة في البلدان التي انحط اقتصادها الرأسمالي ليكون اقتصاداً استهلاكياً أكثر من غيرها كما في مراكز الرأسمالية سابقا مثل الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية. أما في البلدان التي لم تتعرف بعد على الاقتصاد الاستهلاكي فإنها لم تتأثر إلا بمقدار ما توظف من أموال في الولايات المتحدة من مثل الصين وإلى حد ما اليابان. ففي الصين يتجاوز مجمل الإنتاج مجمل الاستهلاك بمقدار كبير ولعلهما قريبان من التعادل في اليابان. ولذلك كان أثر الأزمة فيهما قليلاً بالرغم من أنهما الأكثر توظيفاً لرؤوس الأموال في الولايات المتحدة. أما في بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول غرب أوروبا الأخرى فكان قد أنحط أيضاً اقتصادها الرأسمالي إلى الإقتصاد الاستهلاكي وأخذت تستدين في ظل الحماية المتبادلة بين عملاتها المختلفة والدولار اعتماداً على قرار مؤتمر رامبوييه. في دول غرب أوروبا لم يحكَ عن أزمة الرهن العقاري ورغم ذلك استفحلت الأزمة فيها !! تلك هي أزمة الإقتصاد الإستهلاكي، الإقتصاد الذي يعطي أجوراً أكثر مما ينتج من بضائع عكس النظام الرأسمالي الذي ينتج بضائع أكثر مما يعطي أجوراً.
في 16 نوفمبر 1975 اجتمع قادة الدول الرأسمالية الخمس الأغنى في قلعة رامبوييه في باريس وخرجوا بوصفة طبية ترسم إنقاذ النظام الرأسمالي من الإنهيار فكانت النتيجة عكس ما رسموا وهي تسريع انهياره. يتنادى اليوم زعماء العالم لمؤتمر يبحث في معالجة الأزمة الماثلة وإنقاذ الإقتصاد الاستهلاكي، لكن النتيجة مقررة سلفاً ولا تحتاج إلى بحث وهي الموت المحقق للإقتصاد الاستهلاكي وسبب ذلك هو أنه ليس اقتصاداً في الأصل، إنه تدمير للإقتصاد. علم الإقتصاد هو علم تنمية إنتاج المجتمع وزيادة ثرواته وهذا هو جوهر الأنسنة، إن ما يحمل الإنسان على طريق الحضارة عبر التاريخ هو عربة الإنتاج المتطورة والمتسارعة. أما الإقتصاد الاستهلاكي فإنه ينحط بالإنتاج ويستهلك الثروة وهذا ما يعود بالإنسان إلى أصوله الحيوانية. الانحطاط الاستهلاكي (consumptive deterioration) استغرق دورة اقتصادية كاملة ومدتها 33 عاماً وهي كل عمرها ولن تستطيع أن تبقى على قيد الحياة لأي مدة أطول. لكن السؤال المصيري في هذا المقام هو.. ماذا بعد ؟
قائمة الجرائم الفظيعة التي اقترفتها الطبقة الوسطى السوفياتية بقيادة خروشتشوف وزمرته بحق البشرية جمعاء، وليس بحق الشعوب السوفياتية وحدها، تطول وتطول ولا تنتهي. لكن الجريمة الأفظع من كل هذه الجرائم هي المأزق الذي يواجهه العالم اليوم والذي يتمثل بفقدان كل إجابة معقولة على السؤال المصيري.. ماذا بعد الموت التام للإقتصاد الاستهلاكي ؟؟ قبل خمسين عاماً ونيّف كانت قوى الاشتراكية في العالم هي التي تتحكم بمجرى الأحداث على مختلف المستويات. كانت نشرات الأخبار العالمية كما المحلية بكل لغات العالم تقتصر على نقل مجريات الصراع بين قوى الاشتراكية من جهة وقوى الرأسمالية والرجعية المنهزمة من جهة أخرى في مختلف زوايا الأرض. ما كان السؤال quot; ماذا بعد ؟ quot; يرد في الخاطر فالاشتراكية كانت تدقّ بقوة أبواب حصون الرأسمالية في قارات العالم. أما اليوم فقد انهزمت قوى الاشتراكية شر هزيمة على أيدي الطبقة الوسطى السوفياتية ورائدها خروشتشوف والطغمة العسكرية المحيطة به. ينادي بعض الحالمين بتجميع قوى الاشتراكية من جديد والقيام بجولة ثانية من الصراع ضد العدو الطبقي ـ يتصوره الحالمون الرأسماليين لكنه في الحقيقة هو الطبقة الوسطى ـ لكن هذا مجرد أضغاث أحلام فالإنتاج الرأسمالي انحط حتى القاع ولم تعد البروليتاريا، وهي قوى الاشتراكية الوحيدة، الطبقة الأوسع مساحة في المجتمعات المتقدمة حيث غدت مساحة الطبقة الوسطى تساوي ثلاثة أمثال الطبقة العاملة وغدا الإنتاج الفردي هو الإنتاج السائد وليس الإنتاج الرأسمالي.
لا أعتقد أن الماركسية، وهي كلية القدرة، تستطيع أن تقدم حلولاً لعالم انحطت به الطبقة الوسطى حتى القاع حيث الآفاق المحيطة سوداء حالكة وحيث يرجح أن الطبقة الوسطى في أميركا وروسيا بصورة خاصة لن تجد خلاصاً مما هي فيه غير الحرب النووية فتبيد البشرية وتبيد الحضارة. ولعل بقايا البشرية بعدئذٍ تبدأ تغريبة مختلفة في رحلة الأنسنة التي دُفع إليها الحيوان الإنسان.
فؤاد النمري
التعليقات