لقد فشل العرب في التنبؤ بالكوارث الاقتصادية وفي استشراف الهزات الاجتماعية والأزمات السياسية لكن لابأس أن يتداركوا الأمر ويلتحقوا بركب الأمم المتقدمة بالتبؤ بالكوارث الطبيعية. لا أتحدث هنا عن الزلازل والبراكين وحتى عن التسونامي، حاشا لله وإنما أقصد الأمطار الطوفانية. بالتأكيد فإن المهمة لا تكلفهم عناء كبيرا، ويمنكهم الاعتماد على التكنولوجيا الغربية التي لا تتعدى ضخ بعض الملايين من دولارات النفط والغاز في مرصد فلك غربي يراقب حركة السحب والرياح ليُوافيهم بالنشرة الجوية المرتقبة كل أسبوع. ثم تأتي المرحلة الثانية، وهي ضخ المزيد من الملايين في قمر صناعي أوروبي لإطلاق قنوات فضائية تهتم بنشرات أحوال الطقس. ومهمة العرب هنا تقتصر على جلب مترجمين يقومون بتعريب التقارير. ثم تعيين مذيعات منتفخات الصدور والشفايف لتقديم تلك النشرات وما ذلك عليهم بعزيز.
في الأسبوع الأول من العام الذي قضيته في واشنطن انزعجتُ من الانتشار الواسع لقنوات أحوال الطقس سواء الفيديرالية منها أو المحلية التي تنقل تفاصيل تقلبات الجو إلى المواطنين خصوصا في الولايات الشمالية المحاذية لكندا والتي يتهددها سقوط الثلوج الكثيفة، لكن وبعد مدة أصبحتُ مدمنا عليها وأترشف قهوة الصباح على متابعة أخبارها، فأحيانا يتوجب غلق المدارس والمطارات بسبب رداءة الأحوال الجوية، حفاظا على أرواح البشر وكم من مرة اضطررنا إلى حجز غرف في فنادق قريبة من مقر العمل لضمان عدم التأخر والغياب عن الدوامات.
أعود إلى الفيضانات التي اجتاحت مدن الملح في الأسابيع الأخيرة حيث تبيّن بأن أنظمتنا الهشة تواجه خطرا جديدا وعليها التصدي له، فخلال أسبوعين فقط قٌتل المئات وجُرح وشُرّد الآلاف إثر الفيضانات التي اجتاحت مدنا في الجزائر والمغرب ولبنان واليمن. هذا ناهيك عن الخسائر الاقتصادية المقدرة بمليارات الدولارات حيث جرفت السيول المحاصيل الزراعية والمدارس والمعاهد والمصانع وقطعت الماء والغاز والكهرباء وهدمت الجسور وقطعت طرق المواصلات.
منظر المناطق التي مستحتها الفيضانات من على وجه الأرض عبْر صور الأقمار الصناعية التي يوفرها لنا الشيخ والحاج غوغل حفظه الله ورعاه وأبْعده عن بطش أنظمتنا، تعكس مشاهد مُرعبة وكأنها آثار حرب عالمية ضروس حلّت ببلداننا. وهذه المشاهد من المفترض أن تُحرك شيئا في أدمغة ديناصورات الأنظمة العربية. فقد آن الأوان كي يقتنعوا بأن الحروب المقبلة لم تعد حروب أسلحة تقليدية تُعقد من أجلها الصفقات الفاسدة، لشراء الخردة من الطائرات والدبابات والصواريخ البالية بحجة الدفاع عن حمى الوطن.
الحرب القادمة ستكون من نوع آخر، إنها حرب مع تقلبات الطبيعة في زمن فرضَتْ فيه ظاهرة الاحتباس الحراري نفسها على سكان المعمورة. فالفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والتسونامي هي الخطر المستقبلي المحدق بدولنا الورقيّة. وهنا لا أطالب السلطات في الدول العربية ببناء عمارات تقاوم الزلازل على الطريقة اليابانية أو بناء السدود لاحتواء فيضانات السيول أو التحقيق في أطنان الاسمنت المغشوش الذي يملأ أسواقنا ولا أطالبها حتى بتعويض المنكوبين والمتضررين من هذه الكوارث التي تعتبرها قضاء وقدرا. وإنما أطالبها بتوفير مذيعات بالمواصفات أعلاه، يُنذرن الشعوب المطمورة بخطر الفيضانات، فعلى الأقل يمكن لهؤلاء المساكين أن يقضوا ليلتهم فوق سفوح الجبال أوعلى المرتفعات قبل أن يُعيدوا بناء منازلهم المدمرة بأنفسهم. أقول بأنفسهم، لأن مهمّة ترميم ما أفسده غضب الطبيعة ليس من صلاحيات السلطة عندنا، التي يقتصر عملها على التقاط صور تذكارية مع المنكوبين وتوزيعها على بقية الخلق، ليظهر المسؤولون بمظهر المواسي والمُنقذ في الأزمات. وهذا بالضبط ما يفعله نجوم هوليوود لكسب الشعبية وتحقيق الأرباح وهو ما تفعله أنجيلينا جولي مع جوعى أفغانستان، ومادونا مع يتامى مالاوي.
سليمان بوصوفه
التعليقات