في العالم العربي و في عواصم القرار العربي تحديدا و في دول الخليج العربي بالضبط، ضجة و هزة و إمتعاض شديدين، و شكاوي متكررة من حجم التدخل الإيراني في العالم العربي و على تخومه الشرقية تحديدا حيث العراق المبتلي منذ قرون بأمراض الطائفية و العرقية و العشائرية و التخلف لا سيما بعد الإحتلال الأمريكي منذ عام 2003 و حيث قام واقع سياسي جديد تميز بالإستقطاب الطائفي الشديد و في هيمنة الأحزاب المؤسسة إيرانيا أو التي تدين بالولاء التاريخي للنظام الإيراني أو تلك المتشابهة في طروحاتها الفكرية و النظرية و العملية مع ما يطرحه النظام الديني الأوليغاركي في طهران و هي طروحات أدت على مستوى الواقع السياسي العراقي لتحولات فكرية و منهجية كبرى لا تنسجم أبدا مع الواقع الديموغرافي و الهوية الحضارية للعراق، فقد تداخلت العوامل الطائفية و السياسية لتشكل واقعا عراقيا مشوها نجح النظام الإيراني المتربص خلاله في التسلل الخطير و الواسع للسياسة الداخلية في العراق و بات اليوم اللاعب الأكبر و المؤثر في الساحة العراقية من خلال سيطرته شبه المطلقة و هيمنته التاريخية على الأحزاب القائدة و المتصدية للعملية السياسية القائمة خصوصا وأن رجال النظام الإيراني الأوفياء و المخلصين و المدربين جيدا في معامل و قواعد الحرس الثوري الإيراني قد باتوا اليوم مهيمنين على مفاصل القرار الستراتيجي في العراق كما هو حال القيادي في ( فيلق بدر ) الإيراني التأسيس و الهوى و الولاء.

و هي حالة من أغرب الحالات غرائبية في العالم المعاصر، فالولايات المتحدة التي قامت بالجهد الأكبر في التغيير العراقي و أسقطت نظام صدام بالقوة العسكرية المفرطة و حاولت نشر نظريتها الديمقراطية في الشرق الأوسط سلمت في النهاية العراق بأسره على طبق من ذهب للنظام الإيراني الخبير و الضليع و المتمرس في الساحة العراقية، و حيث تمكن من إحراز نصر ستراتيجي بأقل التكاليف مما جعل من الساحة العراقية بأسرها بمثابة خط الدفاع الإيراني الأول لأي مواجهة مستقبلية محتملة بينه و بين الغرب رغم أنها قد أضحت مواجهة مؤجلة بل غير محتملة الوقوع وفقا لقياسات المواقف و التحركات و المتغيرات الدولية، الإيرانيون وهم يعبثون في الساحة العراقية و يخوضون حربهم الخاصة بوسائلهم و أدواتهم و عن طريق وكلائهم في العراق يحاولون قطع الطريق على أي محاولة للمس بنظامهم من أي طرف كان و تمددهم في العراق قد فرض مخاوفا ستراتيجية حقيقية للمنطقة برمتها فليس سرا إن المشروع الإيراني هو مشروع تبشيري واسع النطاق يصرف عليه الإيرانيون المليارات سنويا حتى ضج العالم العربي بذلك النشاط الإيراني المحموم رغم أن هنالك وسائل بديلة يمكن للعرب إستثمارها بشكل جيد فيما لوتوفرت النوايا و الإرادات السياسية و أعني بذلك قضية حرية الشعب العربي في إقليم الأهواز ( الأحواز ) المحتل إيرانيا منذ عام 1925 بعد إسقاط آخر حكم عربي برئاسة الشيخ الراحل خزعل الكعبي الذي كان أحد أهم اللاعبين في سياسات المنطقة في أوائل القرن الماضي و كان يشكل مع حكام تاريخيين من أمثال الشيخ مبارك الصباح في الكويت و الأمير ثم الملك عبد العزيز آل سعود في نجد و السيد طالب النقيب في البصرة سلسلة تاريخية بارزة و مهمة في التكوين السياسي الحديث لبلدان المنطقة، و عروبة الأهواز ليست مجرد إدعاء بل أنها حقيقة ترعب النظام الإيراني و تقض مضاجعه و هو نظام عمل المستحيل من أجل تغيير الواقع الديموغرافي و التاريخي العربي الشاخص للإقليم المحتل، لم يترك وسيلة للتطهير العرقي أو لطمس الهوية الثقافية و الحضارية إلا و أتبعها منذ أيام الحكم الشاهاني البهلوي مرورا بالحكم الديني و الطائفي و حتى اليوم، و لم يترك محاولة لتفريس المنطقة و تهجير سكانها العرب إلا و فعلها، بل و مارس مع سبق الإصرار و الترصد إتباع سياسة تجهيل ثقافي فظيع بشكل متلازم مع نهب موارد و ثروات المنطقة و جعلها منطقة طاردة لأهلها و جاذبة للمستوطنين الفرس من العمق الإيراني،نرى المواطن العربي الأهوازي يعمل في دول الخليج العربي أعمالا بسيطة من أجل توفير لقمة العيش كغسل السيارات و بيع الأقمشة و بقية المهن البسيطة الأخرى بينما أرضه و بلاده تنام بل تسبح على ثروات نفطية و زراعية هائلة منهوبة لخزائن الشاه المستبد أو الولي الفقيه الذي تمادى في معاداة العرب حتى الثمالة، فهذا النظام المتفرعن و المنتحل للهوية الدينية و المذهبية يعتبر العرب أقوام دخيلة و يمارس بشكل تعسفي سياسات إحتلال و إحتقار كامل كما هو الحال مع الجزر العربية المحتلة في الخليج العربي و مع الردود العدوانية و الفاشية و التهديدات ضد عرب المنطقة الذين يطالبون بتحرير تلك المناطق من الإحتلال، و للشعب العربي الأهوازي كامل الحق و مطلق الحرية في إستعادة سيادته و إعادة الروح لثقافته العربية المنتهكة و حقه الكامل و غير المنقوص في تقرير المصير و معانقة سيادته و السير في طريقه الحر المستقل، و مسؤولية العالم العربي كبيرة و مضاعفة في دعمه و رعايته و تبني مطالبه المشروعة و التي هي في النهاية بمثابة تطبيق فعلي و حقيقي لأهم بنود الأمن القومي العربي، فالنظام الذي يعتبر العراق مجاله الحيوي عليه أن يعي بأن اللعبة أكبر من إمكانياته بكثير و إن تكريس عروبة الأهواز هو ضرب في الصميم لنظرية المجال الحيوي المتطرفة الإيرانية و دعم لقوى الحرية و السيادة في العراق ذاته و تكريس للتيار الوطني و القومي و منع عملية التفتت الطائفي و العشائري، لحرية الأهواز مضامين أمنية و ستراتيجية قوية و مهمة للغاية لم يلتفت إليها صانع القرار في العالم العربي جيدا و قد آن الأوان لتفعيل مقاومة الشعب العربي الأهوازي و عودة الأهواز للوطن العربي الأم و الأهم من كل شيء نصرة قضية الحرية و حقوق الإنسان، فكل شيء في الأهواز عربي الوجه و اليد و اللسان و التاريخ، و الأهواز على موعد مقدس مع الحرية و سيكون إستقلالها الفاتحة العملية لصيانة العالم العربي و تحرير أراضيه و مسح رياح الطائفية و العنصرية للأبد... تحرير الأهواز هدف قومي و إنساني مقدس و تكريس حقيقي لقضية الأمن القومي العربي المثقوب.

داود البصري

[email protected]