من أبسط واجبات الكاتب تجاه شعبه بإعتقادي هو، الإصطفاف الى جانب قضاياه وحاجاته والتعبير عن همومه وآلامه ومعاناته. وتعظم تلك الواجبات في المجتمعات الشرقية المتخلفة التي تحكمها غالبا أنظمة دكتاتورية، وهي بالأساس أنظمة مستبدة معادية للشعوب قامعة لحريات التعبير والرأي. لذلك أعتقد أن الكتاب في مجتمعاتنا الشرقية يملي عليهم ضمائرهم الإنساني وشرفهم المهني أن يتصدوا لكل المظاهر السلبية والغريبة التي تتنافى مع ما تتآلف عليه تلك المجتمعات من القيم والمبادي والمثل النبيلة.
ولعل من أخطر المظاهر المدمرة لكيان الدولة،والسالبة لحقوق الفرد والمجتمع هو، الفساد الذي يضرب بلدا ما،وغالبا ما تتركز هذه الحالة في الدول النامية والمتخلفة.

لذلك عندما ضربت هذه الآفة الخطيرة بلدي العراق من شماله الى جنوبه مهددة بنخر بنيان الدولة التي طالما إنتظرنا أن نرقيها ونتقدم بها الى مصاف الدول المتقدمة، خصوصا بعد إنزياح ظل الدكتاتورية المقيتة التي بسطت قبضتها الحديدية على البلاد لأكثر من نيف وثلاثين سنة، آليت على نفسي أن لا أسكت في الدفاع عن حقوق شعبي بقلمي ومواقفي، لأن ضميري الإنساني والمهني يأبيان علي أن أسكت عن جوع الملايين من أبناء شعبي، مقابل إمتلاء كروش عفنة بالسحت الحرام والمال المسروق من أفواه أطفالنا ونسائنا وشيوخنا.
فبلدي يعاني من حالة خطيرة من الفساد المستشري كالسرطان في جميع مفاصله السياسية والإقتصادية، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل شرح أسبابها ومبرراتها الواهية، ولكني أعتقد أن الصراع الطائفي والحزبي والسياسي في العراق الجديد بعد سقوط النظام السابق هي بمجملها أسباب رئيسية، وقد يكون السبب الوحيد لإستشراء هذه الظاهرة الخطيرة في البلد، وإلا من كان من العراقيين ينتظر هذه الثمرة العفنة لأحلى وأعظم مكسب تحقق لهم في تاريخهم الطويل، وهو التحرر من الدكتاتورية التي حلموا بها لقرون طويلة، وتاريخ العراق شاهد على توالي الدكتاتوريات وحكم الطغاة على رقاب الناس منذ ظهوره على الخارطة.

قلت في الفساد ما لم يقله مالك في خمره،ولا قاله الحطيئة الشاعر في هجائه، لأني أعتقدت ومازلت أعتقد أن الفساد بشقيه المالي والإداري سيتحول في المحصلة النهائية الى فيروس مميت سينخر بكل تأكيد بنيان هذا العراق الجديد الذي طالما إنتظرناه إذا لم يتداركه الجميع، خصوصا وأنها تحولت الى ظاهرة عامة وسائبة بكل المعايير، فحتى الوزراء وكبار رجال القوم يتهافتون اليوم على سرقة أموال الدولة، وهي أموال الناس والعباد بكل المعايير، وقد يفلت أو يخرج الكثيرون منهم بسلام من العقاب بفضل الصراعات الطائفية والسياسية الدائرة رحاها في العراق، ولعل الملفات الموجودة أمام هيئة النزاهة العراقية تشهد بحجم وخطورة هذه الحالة، ومع ذلك لم نجد الحكومة تخطو بخطوة واحدة جادة وفعلية لإستئصال شأفة هذه الظاهرة المدمرة، بل وأنها لم تكلف نفسها لحد الآن حتى بملاحقة الفاسدين المفسدين الذين إنتشرت روائح سرقاتهم من المال العام لتزكم الأنوف، خصوصا وأن البعض منهم موجودون أما محتمين بجبال كردستان وكأنها دولة خارجة على القانون، أوهم منتشرون في دول الجوار وكأنها دول معادية للعراق، فما أسهل الملاحقة لو كانت هناك إرادة حقيقية لتنفيذ عدالة القضاء بحق جميع السارقين والمرتشين والفاسدين من دون إستثناء.

لذلك أجد لزاما علي وأنا أتصدى لهذه الظاهرة بقلمي وكتاباتي، أن لا أتغاضى عن بعض الشواهد الجميلة والمواقف النبيلة التي أراها بين فينة وأخرى كقبس من نور في دياجير الظلام العراقي،وهي نماذج ألمسها من بعض المسؤولين الذي يتعالون على مثل هذه التصرفات والأساليب الوظيعة وغير الشريفة للتنعم بخيرات السلطة والجاه والإغتناء على حساب الآخرين، فالساكت عن الحق شيطان أخرس كما يقال.
وأعتقد بأننا نحن الكتاب عندما نذكر مساويء البعض من المسؤولين الفاسدين وهم للأسف يشكلون الغالبية من حكام عراق اليوم، يبنغي أن لا نتغافل عن محاسن الآخرين منهم وهم قلة قليلة،لأن الإشادة بالنماذج الخيرة قد تكون طريقا لمحاربة النماذج السيئة.

إبتداءا، أرجو أن لا يتهمني القاريء الكريم بالإنحياز الى القادة الكرد الذين يحكمون في بغداد اليوم، أو أن أتحول الى بوق لهم مقابل حفنة من الدولارات كما يفعل الآخرون، ولكن لمن يريد التأكد مما سأسطره في هذا المقال، هناك شبكة الأنترنيت ومواقع الأخبار المنقولة لحظة بلحظة عبر الوسائل الإعلامية كلها متاحة للإطلاع والتثبت من تلك المواقف النبيلة والجميلة لرجال الدولة الكرد في بغداد الذين تركوا ديارهم وأهليهم وأحبائهم في كردستان ليزجوا بأنفسهم وسط حقل من الألغام ليسهموا في إعادة بناء هذه الدولة إنطلاقا من إيمانهم بالإنتماء الوطني، وإلا فأن كردستان الآمنة والمستقرة هي في كل الأحوال أفضل حالا من بغداد التي لا يستقيم لها حال، لا سياسيا ولا أمنيا..

سأخص هذا المقال بالدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي الذي أعتبره من شدة إعجابي بأدائه الجيد أنه المنقذ الذي ينتظره العراق في هذه المرحلة العصيبة لتخليصه من شرور الفساد، فالرجل معروف بقدرته الفائقة على تغيير وإصلاح (النظم )الإدارية والإقتصادية من خلال خبرته وكفاءاته العلمية والدبلوماسية والسياسية مهما كانت ثقل الأحمال التي تنوء بها تلك الأنظمة،وتحويلها الى نظم إدارية ومؤسساتية راقية مقيدة بقوانين الدولة الحديثة، وحالة الفساد المستشري في عراق اليوم لا تنصلح ولا تعالج بمجرد بعض الإجراءات الحكومية أو القرارات البرلمانية التي لا يحترمها حيتان العصر الحالي في العراق، بدليل أن هيئة النزاهة التي تشكلت منذ سنوات في بغداد لم تستطع أن تحد من وطأة هذه الحالة المريعة، بل أنها لا تمتلك الحول والقوة لمواجهة المفسدين الذين يرتكبون جرائمهم في وضح النهار، فكيف بالذين بسرقون كاللصوص في دياجة الليل، فهذه الهيئة ولدت أساسا مشلولة، ولكنها ماتت أكلينيا بسبب تدخلات بعض القيادات السياسية الفاسدة، لأن رأس الحكومة أو من يرأسونه في الكتل السياسية لا يريدون لهذه الظاهرة أن تنتهي وتنمحي من الدولة العراقية، ليستعيد تراب العراق هوائه النقي، ويستعيد المجتمع قيمه الإجتماعية النبيلة، فهذه الظاهرة لم تكن مألوفة في العراق حتى في ظل الدكتاتور صدام حسين. نعم كان صدام حسين يسرق من المال العام، ولكن لم يتجرأ أحد في أركان دولته بعهده أن يفسد الى مثل هذه الدرجة المريعة.


قرأت خبرا يقول أن برهم صالح إستغل زيارته الى محافظة النجف في الفترة الأخيرة وإلتقى على هامشها بعدد من الطلبة المتفوقين في جامعة الكوفة ووزع عليهم مكرمات مالية تقديرا لتفوقهم العلمي في الجامعة.
وثنيته بخبر يشير الى أنه سلم مكافأة مادية تقدر بمليون دينار لكل طالب متفوق في كليات جامعات بغداد أُثناء لقائه بهم،وتعهد لهم بتعيينهم في وظائف الدولة عند إستلام شهاداتهم.
أطلق برهم مشروعا في مدينة السليمانية سماه ( مشروع الأمل)، وهو مشروع يتكفل بتقديم راتب شهري لعدد كبير من الطلبة المتفوقين من كافة المراحل الدراسية على سبيل المساعدة لتمكينهم من توفير حاجاتهم الإنسانية والمدرسية لكي يواصلوا تفوقهم من أجل البلد.
ويقول خبر آخر أنه خصص 25 مليون دينار للجنة الدفاع عن حقوق الصحفيات في كردستان لتمكينها من أداء واجباتها تجاه الدفاع عن حقوق الصحفيات.
ساهم في تأسيس أول جامعة أمريكية في العراق بمدينة السليمانية بهدف الإرتقاء بالتعليم الجامعي ورفد الدولة بالتخصصات النادرة والضرورية التي يحتاجها البلد في شتى المجالات الإدارية والدبلوماسية والإقتصادية والعلمية.
هل يبقى المزيد لأخبر القاريء بأنه تبرع براتبه لشهر كامل لشراء كومبيوترات نقالة لعدد من طلبة مدينة السليمانية؟؟!!.
هذ غيض من فيض عطاءات هذا الرجل للعراقيين من دون إستثناء بين المواطن في الجنوب أو الوسط أو في كردستان، وبالمقابل نسمع ونرى يوميا كيف يعيش الآخرون من قادة ومسؤولي الدولة هنا وهناك، داخل العراق وخارجه، وما يصرفونه على ملذاتهم وشهواتهم في مزارعهم المنتشرة على طول الطرقات الخارجية للمدن، أو ينثروها في لياليهم الحمراء على رؤوس الراقصات الأوكرانيات أو الفتيات اللبنانيات اللاتي يأتين بأجور مدفوعة لأدفاء مضاجع هؤلاء المسؤولين.
قالت إبنة النبي شعيب وهي تحدثه عن موسى ( يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين )، فسألها : وكيف عرفت بأمانته؟ أجابتquot; جعلني أسير خلفه أدله على البيت لكي يغض الطرف عنيquot;. لم يكن مثل مسؤولي هذا الزمان يلتهم اللحوم البيضاء المخفية بين ثنيات ملابس النساء، حتى لو كانت زوجة أو إختا أو إبنة للشهيد قتل على يد الدكتاتورية...
وقال يوسف ( إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )،وقد كان من الصادقين، حفظ أموال فرعونه وعلم بأحوال ناسه يوفي الكيل ويزن لهم بالقسطاس المستقيم.
وأعتقد أن عراق اليوم يحتاج الى مثل هذا الرجل :
- القوي على نزواته.
- الأمين على أموال الأمة يوزعها عل الفقراء والمساكين والمحتاجين.
- الحافظ للأمانة التي أؤتمن عليها وأقسم بربه وشرفه أمام مجلس النواب أن يحافظ عليها.
- العليم بحاجات الناس فيوزع خيرات البلد في مواطنها.

شيرزاد شيخاني

[email protected]