كثيرة هي الدراسات التي تناولت موضوعة العقل لاهميةهذا الموضوع الذي يشكل أمرا مهما لفهم واقع العقل ومنطقه الأدائي لكن باعتقادي هناك الكثير من القضايا التي لم تصل إليها هذه الدراسات.

وربما هناك حاجه لدراسة هذه القضايا من خلال تتبع مسيره العقل التاريخية ونموه عبر العصور فالثابت إن العقل مر بأربع مراحل تطوريه الأولى وهي البكر مثلت الأساس الذي انطلقت منه هذه المسيرة حيث عاش الإنسان فيها بشكل بدائي معتمدا بشكل أساس على قبلياته الجسدية وقدراته البايلوجية.

الأمر الذي سمح بإنتاج وعي التعلم الذي رآكم المهارات وجمع المعلومات لتكون سندا للعقل في رحلته الشاقة وبالتالي مثلت حقبه جمع القوت وصيد الحيوانات الحقبة الأولى في مسيره العقل بحيث ساهمت في إرساء أولى البرامج العقلية والمهارات الحياتية التي كان لها الدور الأكبر في تشكيل الحقبة الثانية حيث أصبح إنتاج القوت المعلم الأهم في هذه الحقبة التي امتدت زمنا قصيرا مقارنه بالحقبة السابقة الطويلة جدا والتي شملت عموم حقبة الإنسان الحيوانية أو البدائية وربما يعزى ذلك للتطور الكبير الذي شهده العقل خلال حقبه الصيد وما قدمته من برامج جاهزة سهلت كثيرا عمل العقل الذي أصبح مهيئا لإنتاج الحضارة بأولى إشكالها لتصبح الزراعة الركن الأهم فيها الأمر الذي يدعونا لإطلاق تسميه العقل الزراعي على هذه المرحلة العقلية التي لم تتعدى كثيرا القيم والمفاهيم ذات العلاقة بنمط الحياة الزراعية الأمر الذي يفسر نشوئه في مناطق الحضارات القديمة وتواصله فيها كل ذاك الزمن لكن التجربة الحضارية التي قدمتها هذه الفترة كانت من الكثافة والغزارة بحيث كونت وبشكل سريع مسار مرحلة عقلية جديدة يمكن تسميتها بمرحلة العقل التجاري الذي أخذت القيم فيه طابعا مرنا و تقدمت الخبرات والمعارف خطوات بعيدة إلى إمام ولعل هذه الفترة هي الأساس في إنتاج الوعي الفلسفي الذي عد تتمه للوعي الديني منتوج الحقبة الزراعية ومع إن هذه المرحلة كانت مهمة في تعزيز الوازع الإنساني إلى أنها لم تكن كافيه لبلوره أفق حضاري أكثر ترابطا مع أمال الإنسان وطموحاته الأمر الذي أخر ذلك عده قرون إلى مجيء الحقبة الحديثة حقبه العقل الصناعي التي لولا هذا التتابع لما كان بالإمكان تحققها أي إن ذكاء الإنسان المعاصر وقدرات عقله الكبيرة ما هو إلى نتاج لذلك التراكم الطويل الذي هيا سبل الاختراع والاكتشاف لهذا الإنسان الذي أصبح مرتبطا بمساره الصناعي بحيث لم يعد بالإمكان التفريق بينهما.

إلا إن هذا الأمر ليس عاما لان الانتقال من مرحله إلى أخرى يتطلب جمله من الشروط الاقتصادية والثقافية والسياسية بحيث لا يتيسر حصوله في كل مكان ولذلك يمكننا تفسير التباين الصارخ في مدى التطور من حضارة إلى أخرى أو بين المناطق إلى هذا الأمر وربما يمثل العراق مثالا مهما لذلك لان بلدا بهذا التاريخ لابد إن يكون مرتبطا بمسار عقلي معين ولان العراق هو احد المراكز المهمة للانقلاب الزراعي فلا بد إن يكون لهذا المسار علاقة به وربما أمكننا إدراك ذلك من خلال القيم والمفاهيم الزراعية الشائعة في واقعنا العقلي لكن ما يثير الغرابة هو عدم قدره العقل العراقي على تجاوز مرحلته الزراعية وبقائه ضمن نمطه العقلي القديم هذا النمط الذي لم يعد موافقا ل ظروف وتطورات العصر الحالي لذلك ما نحتاجه هو خضخضه هذا السكون لإنتاج وعي التقدم الذي يسمح لنا باقتحام الجديد المفيد فبدون ذلك لا يمكننا إن نتقدم حتى ولا خطوه واحده.

باسم محمد حبيب
[email protected]