في ظل العولمة والقرية الكونية، والتي تعني جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه أو تطبيقه وهي أيضاً العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات، سواء التجارية أو غير التجارية، بتطوير تأثيرعالمي أو ببدء العمل في نطاق عالمي. ويبدو أن أول النجاحات التي حققتها العولمة كان على الصعيد الإعلامي الذي خرج بالقضايا المحلية لكل دولة لينشرها على حبل غسيل أو يرمي بها في أوحال الجدل العقيم.
والأمر الذي ساعد في إخراج القضية الكردية التي عانت كثيراً من القمع والارهاب والتكتم الإعلامي من قبل الانظمة الدكتاتورية الغاصبة لكردستان الى العلن، هو الحرب الخليج الثانية وحدوث الانتفاضة المجيدة في عام 1991 وإقامة المنطقة الآمنة من قبل الولايات المتحدة الإمريكية وبريطانيا. ولقد نجحت القيادة الكردية في إملاء الفراغ الإداري الذي شكله النظام الدكتاتوري البائد واستطاع الكرد ان ينظموا انتخابات وان يشكلوا برلماناً وحكومة كرديتين، وحاولوا جاهدين ـ بالرغم من المشاكل المؤلمة التي حصلت بين الاخوة أنفسهم ـ تعميم الاستقرار في ربوع كردستان.
منذ 1991 ولغاية اليوم استطاع الاكراد بهدوء أن يطوروا البنية التحية لاقليمهم وان يرفعوا مستوى الوضع الاقتصادي والعمراني وان يكرسوا مناخاً من الحرية إن لم تكن ديمقراطية كاملة لكن هناك حرية صحافة وإعلام حر مرئي ومسموع ومقروء. وتصدر في كردستان يومياً العشرات من الجرائد والمجلات الثقافية والسياسية والاجتماعية الحزبية منها والمستقلة. وهناك أكثر من فضائية كردية ولكن الفضائيات الاساسية تابعة للحزبين الرئيسين وتعبر عن وجهة نظر أحزابها. كما واستطاع الكرد أن يوجهوا أنظار المنطقة والعالم إلى أقليمهم الفتي الديمقراطي، والذي يتميز عن أنظمة المنطقة غير الديمقراطية، واستطاع كذلك كسب وتأييد وعطف الكثير من الاصدقاء. وهكذا فقد زار الكثير من المثقفين العرب في مناسبات عدة بدعوات من قيادة الاقليم، كردستان وبعد عودة هؤلاء الى أوطانهم كتب الكثير منهم لمقالات والدراسات عن تجربة كردستان. وأمر طبيعي ان تترواح هذه المقالات والدراسات بين الإشادة والإنتقاد.
وفي الجانب الآخر كانت هناك حملات اعلامية موجهة ضد الكرد من قبل الدول الاقليمية ومن قبل الشوفينين العرب والترك والفرس، واتهام الكرد بشتى الاتهامات الباطلة والتلفيقات الكاذبة لتشويه صورة الكردي لدى الشارع العربي والتركي والفارسي، واتهام الكرد بإنهم عملاء أمريكا واسرائيل وغيرها من الاتهامات الباطلة وعمليات تشويه الحقائق في وضح النهار. كما استطاع الكرد ان يبنوا صداقات مع الاوربيين وزارت الكثير من البعثات الاوروبية الاقليم وفتحت الكثير من المعاهد الاوروبية والمراكز الثقافية والقنصليات الفخرية وغيرها حيث رحب الاوروبيون بالتجربة الديمقراطية للكرد في المنطقة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل استطاع الكرد اقناع جيرانهم وشعوب المنطقة بأنهم ليسوا اعداء لهم ولا يكنون لهم الا الاحترام ويودون العيش بسلام دون حروب واراقة الدماء.؟.
في اعتقادنا ان الكرد لم يستطيعوا أن يقنعوا الشارع العربي والتركي والفارسي بهذه الحقيقة لان اعلام الطرف الآخر الذي يرى في تقدم الكرد خطراً على هذه الشعوب أقوى ولديهم مؤسساتهم الاعلامية والاقتصادية والامكانيات التي لا يملكها الكرد وحملاتهم مستمرة في تشويه صورة الكردي.
الشعار الاساسي لدى الكرد هو الاخوة العربية والتركية والفارسية وهذا ليس شعاراً فقط بل ما يشعر به الكردي تجاه الاخر الذي يربطه معه تاريخ مشترك ويجمعه بهم دين واحد، وهناك التضحيات الكثيرة التي قدمت من قبل الكرد لبناء دول هذه المنطقة. ولكن رغم كل هذا يطالب بعض مثقفي هذه الشعوب الكرد بان يكون اوفياء ومخلصين وان يحافظوا على quot;وحدة البلادquot; بدون أي مقايل، أي دون ان يقدموا للكرد أي شيء، فأين كانت أصوات هؤلاء عندما كان الكرد يتعرضون للابادة الجماعية وعمليات الانفال والغازات السامة. لا بل كانوا يمدحون الدكتاتور ويطبلون لنظامه المجرم. حقاً أنها معادلة عجيبة وغريبة !.،
المطلوب كردياً وبالاخص من حكومة أقليم كردستان بذل جهود أكثر لأيصال الحقيقة الى شعوب المنطقة والعالم وبناء منبر إعلامي مستقل حر ينافس الفضائيات الكبيرة أمثال (العربية) و(الجزيرة) وفتح المجال أمام أصدقاء الكرد من المثقفين العرب والتركمان والكلدوآشور للتعبير عن عدالة القضية الكردية ودعم المختصين والعقول النيرة من أصحاب المهنة لمتابعة الاعلام المعادي للكرد ورد كل ما يصدر عنه من افتراءات واتهامات باطلة بدون وجه حق، وخاصة السموم التي تبثها قناة (الجزيرة) عبر أفواه البعثيين أمثال أسامة النجيفي وهارون محمد وغيرهم من أعداء الكرد.
أن الاحداث الاخيرة التي جرت في مدينة الموصل من تهجير الاخوة المسيحين اثبتت عدم صحة الاتهامات التي وجهها الصدامي أسامة النجيفي الى الكرد. وبعد التحقيقات صرح رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بأنه تم القبض على المجموعة الأرهابية التي كانت تقف وارء ذلك وبرأ الرجل الكرد من تلك التهم الشنيعة. ولقد أصدر رئيس الاقليم السيد مسعود البرزاني الاوامر باستقبال الأخوة المسيحين وتقدم كل المساعدات اللازمة لهم. وأن ما تحاول قائمة التحالف الكردستاني القيام به من تشكيل لجنة للتحقيق في الاتهامات الكاذبة للبعثي أسامة النجيفي ورفع الحصانة عنه أمر في غاية الاهمية لآن أمثال هؤلاء يشكلون خطراً على الكرد وعلى العلاقات الأخوية بينهم وبين الشعب العربي.
إدريس عمر
[email protected]
التعليقات