أنا لا أحب الشرطة! بهذه العبارة الوجيزة إختصر الکاتب الفرنسي المشهور ألبير کامو موقفه من الشرطة في کتابquot;الغريبquot;، وهذا الموقف رغم تلقائيته و عفويته، لکنه في نفس اللحظة کان صادقا و معبرا أيما تعبير عن ذات و مکنونات کامو الحقيقية، ذلك أن هذا المفکر الخالد بفکره العبثي الجانح نحو المزيد من التحرر من القيود و العقبات، کان يرى في الشرطة مصدرا أساسيا للحد من حرية و حرکة الانسان ولهذا فقد أعلن موقفه الصريح الآنف من الشرطة رغم أن هذا السلك أساسا غير محبوب في أوساط المثقفين في الغرب و ينظرون إليه بکل إرتياب و حذر و قطعا لا ينظرون إليه على إنه(في خدمة الشعب) وإنما في خدمة(بنيان فکري ـ إجتماعي)يحد من تطلع التواقين للمزيد من التحرر.


نيلسن مانديلا رفض جائزة أتاتورك لحقوق الانسان التي منحتها له ترکيا، وعندما سأله الصحفيون عن سبب رفضه للجائزة قال:quot;إذهبوا الى ترکيا و جربوا أن تعيشوا ککورد لمدة ثلاثة أيام و ستعرفون حينها سبب رفضي للجائزةquot;. موقف مانديلا هذا، لم يکن قد أعلن عقب عودته من زيارة رسمية له لکوردستان و لاحتى عقب لقائه بساسة أو مثقفين کورد، وإنما بناه على أساس من نظرته المبدأية ـ الاخلاقية لما هو سائد في العالم، مانديلا ليس الدکتور کاظم حبيب أو الدکتور منذر الفضل أو الدکتور عبدالحسين شعبان ذلك أن هؤلاء عراقيين عرب نظروا للقضية الکوردية من خلال تماسهم و إتصالهم المباشر بها کمواطنين يعيشون في نفس البلد الذي يضطهد الکورد فيه لأسبابquot;عرقية ضيقةquot;، وإنما هو شخصية أفريقية ـ عالمية تختلف کل الاختلاف عن هؤلاء(مع إحترامي و تقديري و عرفاني لمواقفهم المبدأية و الاخلاقية الثابتة)، مانديلا، رفض الجائزة ليشعر العالم بأن هناك قضية شعب يعاني الامرين من قمع و إستبداد السلطات الترکية وان هذا الشعب بحاجة الى دعم و إسناد و مؤازرة من جانب کل الخيرين في العالم وهوquot;أي مانديلاquot;عندما يرفض جائزة أتاتورك لحقوق الانسان في تركيا فإنه بذلك يفضح البنية السياسية الفکرية للنظام الترکي الحديث المبنية أساسا على رفض و مصادرة حقوق أي کائن غيرquot;التركquot;.

مانديلا، هذا الرجل العظيم و الغني عن التعريف، لم يطلب من الکوردquot;جزاءا و لاشکوراquot;و لم يمن عليه بصدقةquot;يتبعها أذىquot;کما فعل الاستاذ ابراهيم احمد عندما فاجأنا بموقفهquot;المتوترquot;وquot;المتشنج من القضية الکورية معلنا بذلك إنهاءquot;دعمهquot;وquot;إسنادzwnj;ه للقضية الکوردية مبيناquot;منهquot; وquot;إحسانهquot;وquot;ماضيه الابيضquot;من القضية الکوردية فيquot;الايام السوداءquot; و ساردا سيرته الذاتية تقريبا من دعم القضية الکوردية مستدرکا الموقفquot;العدوانيquot;وquot;الارهابيquot;للشعب الکوردي منquot;آرائهquot;وquot;مواقفهquot;الفکرية وکذلك تهديدquot;حياتهquot;بسبب من ذلك. الحق، لست أملك إلا أن أتوجه کمثقف کوردي بالشکر و العرفان للکاتب اليساري ابراهيم احمد على مواقفه السابقة مثلماquot;أحترمquot;مواقفه اللاحقة لکنني أود تذکيره بنقطة مهمة وهي أنه و رفاقه اليساريينquot;ولا أقول الشيوعيين لأکثر من سببquot;لقوا من الدعم و المساندة و الاحضان الحميمة الدافئة من جانب الشعب الکوردي و حرکته التحررية أکثر من الذي سيلقاه الاستاذ ابراهيم احمد بموقفه الجديد هذا من لدن أحبائه الجدد. الغريب في الموقف الجديد للاستاذ ابراهيم احمد والذي بناه اساسا على تهديد حياته، هو تهجمه القوي على القيادات الکوردية سيما شخصي مسعود البارزاني و جلال الطالباني و متهما إياهما ضمنيا بشتى الاتهامات و راسما صورةquot;المستبدquot;العربي و الشرقي في ملامحهما و موحيا بأنهما لا يختلفان عن صدام أو الاسد أو أي دکتاتور آخر في المنطقة، وخلال ذلك لم ينسى الاستاذ احمد أن يبين عنصرية الکوردquot;على وجه الاطلاقquot;و کأن لسان حاله ينادي:quot;أنصروا أخاکم ظالما أو مظلوماquot;، لکنني لست أعاتب الکاتب المذکور على موقفه الجديد و لا حتى أطالبه بتغيير موقفه وإنما أشد على يديه لکي يمضي فيما هو بصدده ذلك أنه و طوال الاعوام الماضية کان في غيبوبة فکرية من حيث موقفه الاخلاقي من القضية الکوردية وقد عاد الى quot;رشده و ذاتهquot; و أعاد رسم نفسه بالالوان الحقيقية التي کان ينبغي له الظهور بها منذ البداية، مبروك استاذ ابراهيم لقد عدت الى ذاتك!!

نزار جاف
[email protected]