ليس في هذا العنوان أي مزحة لان ثقافة الأطفال لا تخاطب الطفولة وحسب بل والكبار أيضا لأنهم معنيون بها أيضا لان تثقيف الطفل وتعليمه وتربيته منوط بالكبار وعلى هؤلاء أن يكونوا مؤهلين للتعاطي مع الطفل بالشكل الصحيح وبدون امتلاكهم لثقافة خاصة بهذا الأمر لن يكون بمقدورهم النزول إلى مستوى الطفل وفهم نفسيته لكن الطريق مازال طويلا لبلوغ هذا الأمر لان ثقافة الأطفال بالرغم من امتلاكها ل تاريخ طويل في ساحتنا الثقافية إلا أن من المؤكد أنها لم تحز على اهتمام وعناية المعنيين بذات القدر الذي حصدته ثقافة الكبار انطلاقا من تأثيرات ارثنا الأبوي وواقعنا المتخلف وبالتالي لاتحصد الفئات الضعيفة كالأطفال والنساء ذات الاهتمام الذي تحصده فئة الرجال أو الكبار في أي شان من شؤون الحياة وبالتأكيد فان حصتهم من الثقافة أو التعليم ليست بمستوى حصة الرجال هذا إذا لم يواجهوا الصد والتعنيف بسببها أو إذا طمحوا بأكثر مما لديهم الأمر الذي خلق إشكالية في إيجاد ثقافة عامة لجميع الفئات تحمل ذات القدر من القيمة و العناصر ومن المحتمل أن النموذج التراثي الخاص بنا لثقافة الأطفال يختلف كثيرا عن النموذج المعروف والمعتمد في أوساط المجتمعات الراقية فنموذجنا التقليدي يفصل بين ثقافة الأطفال وثقافة الكبار أو بين ثقافة المرأة وثقافة الرجل لان خطاب موروثنا الديني والثقافي يطرح ذلك انطلاقا من هيمنة وتأثير التراث البدوي المهيمن أو المحيط بالمنطقة وإذا ما توخينا الدقة في تناولنا لهذا الاختلاف فإننا نستطيع إن نؤشر ما هو ابعد من ذلك إذ أن ثقافة الأطفال والنساء التي نعرفها الآن ما هي في حقيقة الأمر إلا نموذج مستورد انتقل ألينا من الحضارات الأخرى وبالتالي لاتوجد في تاريخنا أو حضارتنا ما يمكن تسميته بثقافة الأطفال لان هذه الفئة المهمة لم يكن لها أي اعتبار في تراثنا وتاريخنا الذي هو تاريخ رجال أو كبار وبامتياز ولعلنا ورثنا هذه الحالة من عصور عبادة الأسلاف القديمة تلك العصور التي يبدوا أنها تعطي للكبير منزلة كبرى لأنه يمثل الهيبة والقوة في عصر لا يمتثل إلا للأقوياء الأمر الذي وضع حضارتنا المتعثرة تحت هدير وتأثير هذا النوع من القيم الخشنة والمتصلبة حتى جاء العصر الحديث الذي فتح أبواب منطقتنا المغلقة أمام التيارات الخارجية والجديدة ليتزعزع ولو قليلا موروثنا المغلق أو الجامد ويسمح بدخول القيم الغريبة التي كان دخولها في السابق من المستحيلات وبالتالي يمكن القول أن مفهوم ثقافة الأطفال قد ورد الينا من خلال هذه العملية إلا انه في ذات الوقت علينا أن نعترف أننا لم نتمكن حتى الآن من فهم معنى هذه الثقافة أو استيعابها ضمن واقعنا بعد أن أسبغنا عليها تمثيلات مختلفة. إن علينا أن ندرك أن مفهوم ثقافة الأطفال لدى الغرب لايجعل من هذه الثقافة حالة مختلفة عن ثقافة الكبار بل مكمل لها بمعنى أن المعرفة التي تقدم للطفل يجب أن تكون مؤدية إلى توسيع معارفه وتقوية صلته بعالم الغد لان صغار اليوم هم كبار الغد وهم بلا شك ينتمون إلى الثقافة العامة للمجتمع تلك التي تمثل الجميع كبارا وصغارا وربما لهذا السبب يختلف منهج ثقافة الأطفال بيننا وبين الغرب لان غاية ثقافة الأطفال لدى الغرب ليس سوى دمج الأطفال في ثقافة المجتمع وتوعيتهم بها فيما أن الأمر لدينا مختلف كثيرا لوجود مهام أخرى لثقافة الأطفال أهمها أنتاج أجيال طامحة ومتوثبة متسلحة بقيم وأفكار مختلفة عن قيم الكبار البالية وربما لهذا السبب يجب أن يكون اهتمامنا بثقافة الأطفال بارزا وكبيرا لأنهم يمثلون بوابة التغيير الناجح ولأننا قد نواجه بعض الصعوبات في تحقيق ذلك نظرا لعدم تفهم الكبار أو جهلهم بها وبما يجب أن يعملوه لصغارهم فأننا ربما بحاجة إلى نوع أخر من ثقافة الأطفال موجه للكبار أساسا حتى يتمكنوا من فهم حاجات وضرورات أطفالهم ويتفهموا ظروفهم وأحوالهم فيكونون مؤهلين لرعايتهم وتلبية مطالبهم وحاجاتهم لان الكبار مازالوا واقعين تحت تأثير الإرث المعادي للطفولة ارث البدا وه والنزوع الهمجي الذي اعتادت عليه شعوبنا لما لايحصى من العقود ما يجعل ثقافة الأطفال عرضة للتشويه والتخريب لكن إذا وجهنا اهتمامنا للكبار وحرصنا على زرع قيم وأهداف ثقافة الأطفال في نفوسهم فأننا ربما نكون في المسار الصحيح لبناء ثقافة خاصة بالأطفال تكون أكثر نجاحا ورصانة وتؤدي واجبها بالشكل الصحيح والأمثل فبدون معرفة الكبار بشؤون وشجون الصغار وامتلاكهم لخبرة ثقافية خاصة لن يكون بمقدورهم فهمهم الأمر الذي ينعكس بالتأكيد على وضع الطفل كمتلقي فينعدم تأثير النمط الثقافي المخصص له إذن لنجعل من ثقافة الأطفال ثقافة تخص الصغار والكبار معا لان هذا ما ينفعنا فعلا.

باسم محمد حبيب