عندما أنفرد نوري السعيد رئيس وزراء العراق في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي بمشروعه ألأقليمي الأستعماري (كما يقال ) لجمع دول الهلال الخصيب ليشمل دول شمال الجزيرة العربية quot; فقط quot;، كان له تحليلاته الصائبة. فقد كان على منتهى الأطلاع للخلاف التاريخي بين العوائل السعودية والهاشمية المتنفذة وصراعها على الحكم بعد أنهيار الدولة التركية وسيطرة ألأنكليز على منابع البترول في العراق ودول الخليج من جهة وقناة السويس المصرية من جهة أخرى. كما أن دعوته لهذا التجمع الأقليمي لم يكن كرهاً لمصر في عهد الملك فاروق أو الثورة المصرية عام 1952، وأنما معالجة واقعية لتاريخ المآسي الأقتصادية والمعاشية لدول الهلال الخصيب وتفضيل مدروس لتحالف أقليمي بينها لكونها تشكل أمتداداً جغرافياً من الخليج الى البحر المتوسط. كما أنها أرتباط عضوي وحضاري لدول تملك مصادر الثروة والقوة التجارية ولكنها فقيرة ومعدمة الحال أقتصادياً.


كما أنه أعتبرَ منظمة الجامعة العربية، تجمع أقليمي شكلي الصيغة لدول كانت مستعمرات بريطانية وفرنسية، وقام العرب بتأييد أنشائها عاطفياً، خاصةً في زمن الرئيس الراحل عبد الناصر.


المخلفات التي تركها الأستعمار العثماني والبريطاني والفرنسي منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وأحتلال اليهود لأرض فلسطين عام 1948 بعد الحرب العالمية الثانية، أعطتْ الفصائل السياسية والحزبية في البلاد العربية مجموعة من المفاهيم، بعضها، مازال دارج الأستعمال في السياسة، كتعبير الشرق الأوسط الذي يفضله الغرب وأسرائيل، وتعبير العالم العربي، المصطلح القومي لحركة القوميين العرب والحركة الناصرية، والشرق الأوسط الكبير، ومصطلحات أخرى.... فالشرق الأوسط هو الصورة البريطانية حيث كانت تقع مستعمراتها في الشرق الأدنى أوالأوسط أو الأقصى. ومايهمنا هو أستقلال هذه الدول العربية بعد الحربين العالميتين وتأسيس العرب لمنظمات ومؤسسات وتحالفات، وأيضاً ما حققته هذه المنظمات quot; بالتجربة quot; من منجزات وأزدهار أقتصادي لشعوبها.
فجامعة الدول العربية ظلتْ موضع تسائل المثقفين عن دورها، كما يتسائل أساتذة السياسة في العالم العربي منذ فترة، عن الجدوى والمغزى الفعلي لوجودها والترث السياسي والأقتصادي الذي خلفته. فميثاق الدفاع العربي المشترك أخلَّ بالأمن القومي العربي أكثر من تثبيته، حيث بدأت دول عربية عديدة منذ السبعينات بأنشاء تجمعات أقليمية جديدة بعيدة عن تأثير الجامعة وبيراقراطيتها. ووقعت أتفاقيات عسكرية مع الولايات المتحدة وبريطانيا خارج نطاق الجامعة عمل الجامعة. كما أن الدول الأعضاء في الجامعة، تتسابق الى منظمة الأمم المتحدة والجمعية العامة في نيويورك حين يحتدم صراع عربي عربي أو عربي أسرائيلي. كما يلعن الملوك والرؤوساء أجتماعات قممها وقراراتها الورقية، سواء خصتْ المشكلة النزاع في السودان، المغرب، ليبيا، الصومال أو لبنان، العراق، وسوريا. أما مواقفها من القضية الفلسطينية فلا تستطيع أن تجد أي فئة وطنية فلسطينية تراهن على القيمة المادية والمعنوية للجامعة، ناهيك عما سجلته الأحزاب الكردية في سوريا والعراق لجماهيرها من مواقف الجامعة في تحليلها للتطلعات القومية.


المطبلون للجامعة وأهميتها هم في رأيي موظفون يعملون على تخدير الشارع العربي والحكومة المُمثَلة.
في 25 أكتوبر rlm;تشرين الاولrlm;rlm; rlm;2008، ورد الخبر التالي في أيلاف ( لقاء في الجامعة العربية بشأن مشاركتها في الاتحاد من أجل المتوسط)، وتطرق الى الفيتو الأسرائيلي على (مشاركة الجامعة العربية في اجتماعات ذلك الاتحاد ) وتصريحات موسى لما أطلق عليه (جهد دبلوماسي لتجنب الاضطرابات المحتملة في مسار الاتحاد من أجل المتوسط). وقد لاينتبه الكثير الى كون المعارضة جاءت من أسرائيل للسماح لدول الجامعة العربية في المشاركة في مؤتمر أوربي يضم دول حوض البحر الأبيض. وأن الأمر تطلبَ أجتماعاً فورياً لسفراء الدول العربية في القاهرة. ولو كان الأنتقاد مسموحاً، لتسائلتُ، عن قيمة تأثير أسرائيل المخيف ووزنها الدولي على مشاركة عربية ndash; أوربية في مؤتمر يخص أساساً دولهم قبل أن يخص أسرائيل.


وفي الحقيقة، أكاد أجد في نفسي الحيرة، فجمع الحكمة ومهارة التشدد أو المرونة السياسية هي من فنون التفاوض والدبلومسية في علاقات الدول مع بعضها. والسفراء العرب المجتمعون في القاهرة قد يجدونها مزحة أن أسرائيل quot; ترفضquot; قبول أشتراكهم في أجتماعات دول المتوسط العربية - الأوربية. وقد لايجد البعض أستغراباً، فالجامعة مصرية التفكير والأرادة، وتقاعصها عن التأثير الجماعي في قضايا سياسية عسكرية وأمنية واضحة لايحتاج الى سرد الدلائل.


ولو كان للأنتقاد المسوح مكاناً مقبولاً لخصصتُ معظم الحديث عن منجزات الجامعة العربية التي لم تجمع ولم تقدم أي حلول للمنازعات الأقليمية التي سادت الأرض العربية منذ الأعلان عن تأسيسها لأول مرة على لسان مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر عام 1942.


فرغم شكلية ميثاقها، فأنها مازالت على قيد الحياة، ورؤسائها المنتخبون من القارة الأفريقية (دون الأسيوية) قد يعتبره البعض، مهارة دبلوماسية وعامل من عوامل نجاحها وديمومتها أو قد تُعتبرُ من عوامل فشلها وفقدانها مصداقيتها وقيمتها المادية والمعنوية، وذلك، حسب الجهة العربية التي تتكلم معها ومدى أدراكها لتراث الجامعة السياسي.


أن جامعة الدول العربية كثاني اكبر منظمة إقليمية في العالم بعد quot;منظمة الدول الأمريكيةquot; و تُمثل اللجان المتخصصة العديد من تفرعتها، هي تراث يحتاج الى أعادة نظر،لأنها حصان دون أرجل، يُحرّكها رئيسها ولجان العمل quot; المختصة quot; لتصمد أمام نكبات مرَّت على معظم الدول الأعضاء فيها. ولم تثر قراراتها من شعوبنا ألا النقمة والعجب، على ضوء المحن ألأقتصادية التي يمر بها السكان في عالم سريع يتحرك بحلول ومعالجات عملية تُحدّد نقاط الضعف وتتداركها.


ويرى البعض بأنها لايمكن أن تتطور بهيئتها الحالية ولاتستطيع أن تتماشى مع العصر. كما أن ضرورتها أصبحتْ شكلية لأفتقادها للقوة الملزمة. فما هي ألا بوق لتصريحات مرتبكة، قرارات مؤجلة، وشعارات لمفاهيم قومية، أكاد أخجل أن أقول، بأني كنتُ من حامليها.


وقبل قيام الثورة المصرية عام 1952، كان نوري السعيد قد قام بتقديم مشروع quot;الهلال الخصيبquot;الى الحكومة البريطانية عام 1943 وطلب (بألتماس ) قدمه الى أيدن وزير الخارجية البريطاني تحقيق هدف quot; توحيد سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين و إقامة جامعـة عـربيةquot;(1). وقد عارض الملك فاروق الفكرة لأنها تعزل مصر وتضر بمصالحها،كما الحال الى اليوم.


أن وضع الثقل الأقتصادي والتجاري والمالي للعراق هو الأرتباط مع سوريا ولبنان بفكرة معاصرة جديدة للهلال الخصيب على غرار الأرتباط العضوي الحالي لدول مجلس التعاون الخليجي والأرتباط لدول المغرب العربي. ويعتبر تبني المشروع وحيازته لثقة الحكومات الثلاث، رداً تاريخياً وحضارياً على تحفظات أملاها الغير علينا وعلى مالم تستطع هذه الدول أنجازه عن طريق الجامعة العربية. كما أنه الحل العملي لدول الهلال الخصيب الثلاث وما تعانيه اليوم من تخلف وفقر وتدني نسب الدخل السنوية وأستمرار الهجرة والبطالة. كما أن عدم شمول الأردن وفلسطين يعود لظروف سياسية وأدارية شائكة في الوقت الحاضر. أن الهدف الحقيقي المعلن هو ليس أتفاقية دفاع مشترك،( كما أشرتُ له في مقال سابق) كما أن المشروع يتطلب صياغة مجلس أقتصادي مالي وتجاري لتعاون دول الهلال الخصيب نظراً للجمود الذي أصاب الأنظمة الحكومية ونظمها الأقتصادية المعقدة الأجراء.

ضياء الحكيم


المصادر:
مجموعة مصادر ونشرات عربية وأجنبية مختلفة. ونشرات جامعة الدول العربية.
[email protected]