بعد خمسة سنوات تقريبا من بدا العملية السياسية بات من المناسب تقييم الوضع العراقي لمعرفة إلى أي مدا نجحت هذه العملية السياسية في تحقيق آمال الشعب العراقي فمن الواضح أن العراقيين لم ينقموا على الطريقة التي تغير فيها النظام السياسي السابق أملا في واقع أفضل لان العراق وبشهادة تاريخه كان على الدوام ساحة لهذا النوع من التغيير وربما قنع الناس بالاحتلال وتحملوا وطئته لهذا السبب لكن أن يتحول التغيير إلى ارتباك وفوضى فهذا مالم يحسب له احد حساب وبالطبع لانريد هنا أن نتهم أحدا ولا أن نرمي طرفا ما بالخيانة أو التعارض مع مصلحة العراق لان الحال العراقي اعقد من أن يجسد بهذا الوضوح لكننا نستطيع أن نطرح ماحصل للبلد على أنه تعبير عن وهن الساحة السياسية وانعدام التوافق الوطني وغياب الرؤية الموحدة والفهم الواضح لظروف العراق فمعظم الذين حكموا العراق كانوا من متواضعي الخبرة السياسية والإدارية ومن المتورطين بشكل أو بأخر بتعاقدات خارجية ربما حرمتهم من فرصة التعامل الحر مع إشكاليات الواقع العراقي فأصبح تعاطيهم مع القضايا السياسية هشا ومشلولا وخير مثال على ذلك افتقارهم لرؤية موضوعية بشان الاتفاق الأمني مع أميركا وبدلا من أن تناقش هذه القوى حقوق العراق ومصالحه أخذت تطرح هواجس الجوار وطلباته والأمر الأكثر إثارة أن تطالب هذه القوى بجدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق وتسعى للتملص من أي اتفاق إستراتيجي يحمل أميركا مسؤولية إصلاح الأوضاع في البلد وباتت ترفع لواء الرفض للوجود الأميركي مع أن جميع هذه القوى جاءت مع الدبابة الأميركية كما يقولون و لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بواسطة الخدمات الأميركية سواء بتقويض وجود النظام السابق أو بالوقوف بوجه القوى المناهضة للحال السياسي الجديد هذا الأمر انعكس حتى على خطابها الأيدلوجي وسلوكها السياسي فأصبحت حائرة بين أن تتنكر لذلك الخطاب الذي يرفض التعاون مع أميركا وبين الخدمة التي قدمتها أميركا لها وبغياب القدرة على تبني خيار محدد بين مقاومة أميركا ورفض وجودها بالأساس أو القبول بوجودها والتعاطي معه بالشكل الذي يضمن مصلحة الطرفين إلا أن هؤلاء ولدوافع عديدة اختاروا المراوغة التي قد تعني الذكاء والمرونة انطلاقا من كون السياسة تعبير عن فن الممكن لكنها من جهة أخرى لا يمكن أن ترى من الآخرين إلا بالشكل التي هي عليه موضوعيا تأمر وعمالة كما يفهمها معارضو التغيير وغدر وخيانة كما يمكن أن يقرؤها بوش وغيره من صناع القرار الأميركي سيما بعد تنكرهم له ولحزبه وإقبالهم على خصمه الديمقراطي الذي قدموا له دعما انتخابيا بتأخيرهم التوقيع على الاتفاقية الأمر الذي حرم الجمهوريون الاستفادة من ذلك في الحملة الانتخابية أما سلوك القوى العراقية في المجال الإداري فقد كان سيئا للغاية فقد فشلوا في توفير الخدمات وتحسين الظروف المعيشية للبلد وانساقوا خلف رغباتهم حيث الرواتب المليونية والامتيازات التي لا مثيل لها ولا قياس هذا ناهيك عن تفشي المحاصصة والمحسوبية والفساد الذي بلغ مستويات خطيرة لم يصل اليها من قبل فيما انساق كثيرون خلف المشروع الطائفي الذي كلف البلد انهارا من الدماء وكاد يصل بالبلاد إلى حافة الفوضى.

إن مايجب أن نستخلصه من كل هذا هو أن الجميع فشل في التعاطي المناسب مع الوضع العراقي الاميركان بتهورهم واختيارهم لقوى قليلة الخبرة ولا تمتلك رؤى أو أجندات وطنية بقدر امتلاكها لرؤى وأجندات طائفية وقومية وعشائرية ناهيك عن تورطها ب ارتباطات ثقيلة ومؤثرة ونفس الشيء حصل مع معارضي الوجود الأجنبي الذين فشلوا في صياغة رؤية وطنية واضحة فكانت معارضتهم تعبيرا عن غضب ذاتي لاغير سواء جاء هذا الغضب لأسباب طائفية أو مصلحية محضة الأمر الذي جعل الكثيرين منهم يتورطون في جرائم وأعمال بشعة كلفت العراقيين عشرات الالاف من الضحايا والمليارات من الدولارات هذا بالإضافة إلى التعاون مع قوى خارجية لها أجندتها الخاصة. لذلك لا نرى للعراق من مخرج في ظل هذا التخبط والتنكر لمصلحة العراق إلا بإجراء تغييرات مهمة للعملية السياسية مع تحمل أميركا لمسؤوليتها القانونية والأدبية في إعادة تأهيل البلد المخرب وان يتم ذلك برؤى وأفكار جديدة تأخذ بالاعتبار النتائج التي أفرزتها العملية السياسية متمنين أن يخدم التغيير الرئاسي الأميركي هذا الأمر ويحقق هذا الهدف الذي سينهي بلا شك ظروفا لم يتمناها احد تضع ديمقراطيتنا بالاتجاه الصحيح بدل أن نشهد عودة للدكتاتورية أو الفوضى.

باسم محمد حبيب