خلال إحدى زياراته الأخيرة لطنجة، قبل رحيله طبعا، تحدث المبدع المغربي إدريس الشرايبي في لقاء مفتوح مع الجمهور بحضور كتاب من أوربا وإفريقيا والمغرب بصراحته المعهودة. صراحة تميز الرجل المستقل، المتحرر من كل استعباد وأسر حزبي لأنه قانع بما كتب له وبما استطاع تحقيقه عبر قلمه. قلم أثار ما أثار من ردود فعل منذ نشر صاحبه لروايته quot;الماضي البسيطquot;..
افتتح الشرايبي حديثه بقوله:
quot;لقد مات الحسن الثاني رحمه الله، ويجب على الكتاب أن يكتبوا، أن يعبروا عن كل ما يسكن أعماقهم. البلد يحتاج إلى من يكتب، من يتحدث، من يعبر عن أفكاره، يحتج، ينتقد، يوسع هوامش الحرية، يمارس إنسانيته..quot; ثم انتقل إلى مجال النشر باعتباره أداة نشر الأفكار وتداولها، وروافد تصب في نهر الحرية والتعبير عن الرأي، فالتفت نحو مديرة النشر والكتاب [السابقة] بالسفارة الفرنسية بالرباط وقال مخاطبا إياها:
quot;أقول للسيدة (رودوني..) لا تشغلوا أنفسكم بنشر كتب المغاربة، ولا حق لكم في ذلك. إن عملكم هذا يذكرنا بمرحلة الاستعمار وتدخلكم في شؤوننا ولا نريد أن نتذكر تلك المرحلة السوداء [hellip;] اتركوا الكتاب المغربي وشأنه، ينشر أو لا ينشر فذلك أمر يهم المغاربة، أمر داخلي يجب أن تجد له الدولة المغربية والمغاربة حلا مناسبا.. لا تحشروا أنوفكم في هذا المجال..quot;


ثم التفت نحو صاحب دار نشر مغربية معروف بعدم نزاهته [صاحب إديف]، وقال له:
quot;تحدثت إلى الشاب (وأشار نحوه بسبابته) وقد نشرت له رواية ولم تعطه أي شيء مقابل ذلك. ليس من حقك أن تفعل. للإبداع ثمنه، ولجهد الكاتب مقابله. لا يجب نشر كتاب من دون منح الكاتب حقوقه. لا يمكن للأدب أن يتطور إذا لم يحقق لصاحبه دخلا يشجعه على المضي في الطريق. لقد حرصت، يضيف الشرايبي، على الحصول على مقابل لأول نص نشرته. ولولا ذلك ما استمررت في الكتابة. حرصت على أن لا يستغلني أحد.. عندما لا تؤدي للكاتب حقوقه، فلا تقل إنك تشجعه على الكتابة.. اعطوا للكتاب حقوقهم..quot;
ثم التفت نحو الكاتب المعني بالأمر وقال له:
quot;على الكتاب أن يلحوا على الحصول على حقوقهم بالرغم من تذرع الناشر بأنه يشجع الكاتب المبتدئ على نشر كتابه الأول، وفي ذلك نوع من المغامرة![hellip;]quot;


بعد ذلك استطرد المبدع إدريس الشرايبي قائلا:
quot;سمعت أن وزير الثقافة أصبح ناشرا، وهذا أمر غير معقول ولا مقبول. لا يمكنه أن يصبح ناشرا. ما هي المقاييس التي يعتمدها في النشر؟ ما مدى تسامحه مع كل ما يقدم إليه؟ ما العناوين التي نشرها؟ ألن يتحول إلى ممارس للرقابة؟quot;
وامتطى صهوة سخريته فلاحظ قائلا:
quot;لم لم يحضر أي مسئول إقليمي، وليكن العامل نفسه، هذا اللقاء الذي يضم عددا من الكتاب والمواطنين المرتبطين بالثقافة والكتابة؟ أليس هذا جزءا من وظيفته: معرفة ما يقع اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، أيضا؟ الثقافة حاجة. والحاجة إليها ضرورة. وحاجة المواطن إليها يجب أن تنال جزءا من اهتمام السلطة المحلية. فهل لم تدرك السلطة أن الثقافة، بمختلف أصنافها، تحقق للمواطن التوازن والنضج.. وتحصنه ضد كل ألوان العنف المادي والمعنوي؟.. الثقافة، سبيل من سبل تحقيق الأمن والأمان والحرية وتحصيل الحقوق وقبول الآخر..quot;


وفجأة اقتحم المكان مراسلا القناة التلفزية المغربية الأولى، فأشار نحوهما الشرايبي بسبابته وهو يقول كالمبتسم:
quot;وأخيرا تحمل ممثلا وزارة الاتصال عناء الحضور. شكرا لاهتمام الوزارة بالثقافة والكتابةhellip; ما وظيفة هذه الوزارة إذا لم يتابع المواطنون المغاربة كل ما يحدث على امتداد ربوع المغرب والعالم؟quot;
وقال هذا المبدع المستقل كلاما آخر ينضح مسئولية..

عبد العزيز جدير