ماورد في أيلاف quot; نكتة عمرو خالدquot; للكاتب عبد العزيز محمود شجعني على كتابة هذا المقال. ذكَ الكاتب مايلي quot; صدقوني لن نحقق شيئا حربا أو سلما ما لم نبدأ في التفكير بنفس الطريقة التي يفكر بها الآخرون! وحتى يتحقق هذا يجب أن نبدأ في استخدام عقولنا حتى نتجاوز الهوة السحيقة بيننا وبين العالم المتقدم!quot;.


وذلك في رأيي هو روعة الأدراك الحسي لما يجري في العالم من حولنا على الصعيد السياسي والأقتصادي والمالي والعلمي. وأظن،على الأغلب، بأن الأخ كاتب المقال ليس عراقياً، لأن عراق اليوم بما فيه من حركات شعوبية وأنتماءات قومية ودينية متطرفة قبل أنتماءها وولائها للوطن، تناقض العقل والمنطق الذي وردَ في مقاله، وتشوه مبادئ اللحاق بألأمم التي تقدمتْ علينا حضارياً وتجارياً وأقتصادياً، وأصبح العالم ليس مهماً في المعادلة العراقية التي دنسها النظام السابق ويفرط بها،الى حد ما، قادة اليوم.


قبل أن أترك وطني العراق كنت موظفاً صغيراً في قسم العلاقات التجارية الخارجية في وزارة التجارة وأستطعنا أستخدام عقولنا لمعرفة ماهو لمصلحتنا الوطنية بالعقلية التجارية البحته التي لاتتحكم فيها الغيبيات أو التأويلات السياسية. فعلى سبيل المثال، كانت وزارة النفط وبالأخص شركة النفط الوطنية تبيع الصادرات النفطية الخام بأسعارالسوق الدولية السائدة وهو ماتعارفتْ عليه منظمة الأوبك وثبتت أسعارها لمصلحة المنتج.ألا أن ذلك تغيير بقرار من مجلس قيادة الثورة ليصبح العراق من المصدرين للنفط الخام بسعرين مختلفين: السعر سياسي (البيع للدول الصديقة للعراق) والسعر تجاري ( للدول الأخرى) حسب مايرتأيه المجلس ورئيسه.

ماهو وجه العراق الجديد؟ أحياء العسكرية أم المصلحة التجارية

لقد كان التفريط بحقوق ومصالح العراق وثروته تُبدد دون سند قانوني أو حجة تجارية معقولة. والمصاريف التي خصصها النظام البائد للشؤون العسكرية وشراء المعدات والأسلحة أوقعت البلاد والمواطن في ضائقة فاقت ضخامتها تقديرات المحللين وأوقعت العراق في ديون مالية تفوق الخيال. ولم يدخل النظام في حساباته خلال فترة أحياء البعث للروح العسكرية وعسكرة الشارع العراقي من سيقوم بتسديد الديون لدول أستغلتْ بالتأكيد حماس العسكرية الصدامية الساذجة وأذكتْ بل أوقدتْ بين قياداته أهمية هذه الأسلحة لمصلحتها التجارية، وأذكر على وجه التحديد ( روسيا وفرنسا والصين ) والحصول على عقود تجارية مغرية. فالدول تُدخلُ مصلحتها بل مصلحتها فقط في حساباتها التجارية ولاتوجد في العالم دولُُ تستند في قرارتها التجارية على أسس مجاملة أو أعتبارات سياسية يرتأها شخص بصفته الرئاسية.


وبعيداً عن مناقشة ماجلبته التيارات الرجعية المتطرفة من أراء بهذا الشأن موخراً وبعيداً عن التخريب والدمار الذي أرتكبته الأيدي الخفية للنظام السابق وتنظيم القاعدة للمنشأت والمرافق ومحطات التصفية العراقية، فأن ماأود التأكيد عليه هو أن دور الحكومة اليوم يكمن في وضع أسس وضوابط ومعايير متعارف عليها في العالم التجاري النفطي وماأسسته قبلنا دول الخليج العربية من نظم ومعايير خدمتْ مصلحتها النفطية وتعاملت بالسلعة الأنتاجية للطاقة تعاملاً مالياً وأستراتيجياً حقق لها ولشعوبها الخير والرفاهية والأستقرار المالي.


لقد أثارني تصريح وزير المالية العراقي مؤخرا حين قال quot; أن العراق قدر ايرادات 2008 بافتراض تصدير 1.7 مليون برميل من النفط يومياً بسعر 50 دولاراً للبرميل وقال ان متوسط الصادرات في 2007 بلغ 1.6 مليون برميل يومياً quot;. وقد يبدو التصريح في ظاهره التقديري الحسابي معقولاً ولكنه يفتقر الى أكثر من عنصرين مهمين في عالم السوق التجارية والنظرة المصلحية التي تسود أذهان خبراء الأسواق النفطية والمالية وتقلبات هذه السوق بالنسبة للعرض والطلب. وكما يبدو أن الميزانية ذاتها يتضاربها التخبط في التقدير. فتقديرات وزير المالية كما أعلن عنها هي في حدود 42 مليار دولار، في حين كانت تقديرات الخبراء 48 مليار دولار، وقد لا يكون الرقمان التقديريان الواردان صحيحين.


أن مراجعة دقيقة للميزانية والتخصيصات الموجهة لزيادة دخل الفرد العراقي و النهوض بواقع الاقتصاد المتدهور وخلق الوظائف والعمل وتحسين الخدمات الأجتماعية والصحية يجب أن لاتكون مجرد شعارات أو كلمات يمضغ فيها مسؤولو الحكومة ونواب البرلمان. كما أن عدم الأستجابة للواقع النفطي العراقي بالشكل الصحيح سيزيد من المشكلات الأقتصادية للمواطنين. أضافةً، فقد تستمر الفوضى بالشكل الذي يصبح تهريب النفط الوسيلة التي ترتأيها بعض الجهات داخل مؤسسات الدولة صحيحاً. وسأتطرق بأيجاز عن ذلك لاحقاً.


مالعمل؟

تبلغ أحتياطات العراق النفطية أكثر من 200 بليون برميل من النفط الخام ذو الجودة العالية. كما تحوي أرضه 110 ترليون قدم مُكعب من الغاز الطبيعي. أضافةً، يعتبر العراق نقطة أهتمام في عالم الأقتصاد لأن أكثر من 80% من أرضه لم يجر فيها التنقيب عن الطاقة فيها بسبب عدم الأستقرار والحروب التي أضرت بمصالحه المالية.


وقد وصلت الطاقة الأنتاجية عام 1990 الى 3.5 مليون برميل من النفط يومياً، لتتراجع بشكل مخيف منذ عام 1991 ومابعده الى أقل من 1.0 مليون بسبب الحروب والمقاطعة الدولية وعمليات التهريب.
ففي حديث لصحيفة quot;الحياةquot; اللندنية الجمعة 1-2-2008 أوضح السيد فرج موسى مسؤول في هيئة النزاهة العراقية، أن quot; في محافظة البصرة أكثر من 1000 بئر نفطي وتؤلف بمجموعها حزمة واحدة موصولة بـ12 أنبوباً، ستة منها للنفط الخام والستة ألأخرى للمشتقات،و بأن مهربي النفط يلجأون الى ثقب الأنابيب وجر النفط الى برك ليصار بعدها الى سحبه بأستخدام مضخات خاصة ونقله الى صهاريج عائمة التي تنقله بدورها الى بواخر متوقفة عند مرافئ غير شرعية في شط العرب وأن 15 بئراً للنفط في منطقة الطيب الحدودية مع أيران تتعرض الى السرقة بالحفر المائل من قبل ايرانquot;.
وقد أتساءل مع الأخرين، أِن صح الخبر، من هي الجهة المسؤولة في الدولة التي ترعى مصالح العراق وحماية ثروته الوطنية؟
وماهي الأجراءات التي تتخذها السلطة، دون أتهامي لأي جهة، لمقاضاة المهربين ومنع تكرار هذه السرقات التي بات الحديث عنها يسيئ الى المجتمع المدني العراقي ويقوض دور السلطة.

ومنذ عام 2003 و زوال النظام الدكتاتوري و المقاطعة الدولية لم يستطع العراق زيادة الطاقة الأنتاجية والتصدير الى المؤشر أوالدرجة التي يراها المحللون وخبراء الطاقة. ولايبدو في الأفق القريب أن هناك حلولاً عملية مدروسة أو موضوعة على أسس عصرية لأزالة الأسباب الأقتصادية والسياسية التي أدت الى قلة الأنتاج.


وهي على وجه العموم أكثر من النقاط التالية:
* لم يتم أعادة وتجديد المصافي النفطية ومحطات الضخ وخطوط الأنابيب التي تم تخريبها حول الموصل وكركوك (بعضها تعرض للتخريب لأكنر من ثلاتين مرة كما حصل للخط الذي يوصل النفط الى ميناء كيهان التركي) و بيجي والدورة في بغداد والبصرة. كما أن العراق يحرق عبثاً من الغاز الطبيعي أكثر مما يصدره الى الخارج، نتيجة عدم وجود الكفاءات الفنية العراقية وهروب معضمها الى الخارج خوفاً من المنظمات الأرهابية التي تبغي أفشال أي مشاريع تنموية في الوقت الحاضر.


* لم يبدأ تنظيف مجرى شط العرب وأعادته للملاحة الدولية وأزالة العوائق والترسبات الطينية. كما لم يتم تحدّيث الموانيء ( يبلغ طول النهر من القرنة الى الخليج العربي أكثر من 200 كم وعرضه232 متراً ) في مناطق مختلفة..... وقد كان التقريرالدولي الخاص للأمم المتحدة قد أوضح بشكل مفصل مايجب أن تتخذه الحكومة العراقية من أجراءات لتنظيف المجرى المائي ورفع العوائق المائية لمرور سفن الشحن.


* لم يتم الوصول الى أتفاق نفطي مع أيران أو تركيا بحيث يتدارس فيه الطرف العراقي مصلحته التجارية أولآً ومصلحة البلاد الجارة وفق أسس ومعايير تحقق المصلحة لشعوبهم ثانياً. أن الجهود المثمرة ينبغي لها أن تُترجم الى أتفاق فني وأداري وأمني بعيداً عن الأنتماءات الدينية أو الطائفية وبعيداً، كما أن الفساد ألأداري والمالي في تركيا وأيران لايعنينا أِلا بقدر مايؤثر على صادرات العراق، كما أنه من غير الممكن أدراج الحساسيات السياسية العقيمة لشكل نظام الحكم في أيران أو تركيا في عالم المصلحة الوطنية. فحرية التجارة ليس لها أنتماء قومي أو ديني.
* عدم الدخول كطرف معادِِ لأيران بالنسبة لما يجري من ضغوط وتحديات من أطراف دولية ضدها، كالمقاطعة الدولية الحالية وقطع البنك الدولي لأعتمادات وقروض طلبتها أيران مؤخراً.


* لا يبدو أن هناك جهة عراقية تدرس بدقة وتفصيل الفائدة المادية للعراق من مشروع الشركة التركية (بوتاس) التي تتدارس حالياً مشروع نقل الغاز الطبيعي عن طريق الأنابيب من كركوك الى منطقة يومير تالك التركية. فمصادري، أن صحتْ، تفيد بأن تبادل الأتهامات في مجلس النواب العراقي عما يجري من تقصيرات تشريعية وأستئثار لجنة أو أخرى أوتصرفات مسؤول أو أخر تُحيلُ فهم المسؤولية وموضعها. وأن هذا الأستئثار والتصرف وعدم وجود حدود فاصلة للصلاحيات التشريعية والتنفيذية يُسيئ تماماً الى مصالح الدولة والثروة الوطنية والحقوق العامة وحماية مؤسسات الدولة والبناء عليها. وتتضارب الجهات المسؤولة حول شرعية صدور قرارات قانونية وأدارية وتتضارب معها الأرقام والأحصاءات من قبل وزارتي المالية والنفط. يضاف اليها سلوكية عمل المؤسسات الكردية المنفرد، دون تسمية المسمى لضلوع أكثر من جهة في هذه التصرفات، التي تعيق العمل المسؤول وتدلّل على حاجة الدولة في وضع قوانين عصرية لتحل محل الفوضى السابقة و الحالية

أن معظم المشاريع والعقود والأتفاقات المؤشرة ( وأخصُ بالذات وزارة النفط ) لاتتحقق أِلا بعد مضي سنوات، ولاتُعرف نتائج نجاحها من عدمه والتعرّف على مردودها التجاري أِلا بعد مرور زمن. لذلك، فالتسابق في أطلاق التصريحات الرسمية الحكومية عن مشاريع مازالت على بياض الورق لاتخدم المصلحة العامة، خاصة وأن معظمها هو قيد الدراسة أو التحليل.


لقد سئم المُشرّع العراقي كما سئم المواطن من التصريح الحكومي للصحف لِما سيتم تنفيذه وأنجازه، فربما يكون من المسؤولية والدقة أن يكون أطلاق التصاريح للمشاريع النفطية بعد التنفيذ والأنجاز، ومن الشجاعة محاكمة أخطاء نا وعدم تبررها بعد وقوع الخطأ، فقد تركتْ تلكم الأخطاء ومازالت تترك ثقلا مالياً وأدارياً ثقيلاً، شلَّ من ناحية، كاهل الحكومة وأدى الى عزوف المواطن وشكّه لما تستطيع الحكومة من تقديمه للأسرة من ناحية لأخرى.

ضياء الحكيم

[email protected]