بريطانيا دولة بوليسية تحولت إلى أكبر بلد في العالم يتجسس على مواطنيه. هذا ليس كلامي وإنما اتهامات أطلقها نائبٌ معارض للحكومة في مجلس العموم البريطاني.

ماجاء في اتهامات النائب عن حزب الديموقراطيين الأحرار Nick Clegg بعد اكتشاف فضيحة تنصت الشرطة على النائب العمالي من أصل باكستاني صديق خان.أن حكومة غوردن براون تتجسس على ألف شخص يوميا، وهي تفرض نظام أخذ البصمات حتى على التلاميذ في خمسة آلاف مدرسة بريطانية، و تقوم بفحص مواصفات الحمض الجيني لمليون بريئ لم تثبت إدانتهم.

أضيف إلى تصريحات النائب:

في بريطانيا أربعة عشر مليون ومئتا ألف كاميرا تراقب تحركات الناس. والحكومة الحالية لم تكتف بحبس المشتبه بهم في قضايا إرهابية مدة ثمانية وعشرين يوما دون تهمة، فهي تعمل على تمرير قانون جديد عبر البرلمان يمدد فترة الحبس إلى خمسة وأربعين يوما، مع الحديث عن اعتزام المحاكم البريطانية بناية أحكامها على أشرطة التجسس السمعية منها والبصرية.

نحن نعلم أن القانون البريطاني يتعامل مع الناس كأبرياء حتى تثبت إدانتهم لكن الأمور انقلبت بعد اعتداءات السابع من يوليو الإرهابية ومن قبلها اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، لتتحول بريطانيا من أرض الحرية والديموقراطية إلى دولة يشعر فيها الإنسان بأنه مراقبٌ في كل حركاته وسكناته.

فالتنصت على المكالمات الهاتفية ومراقبة البريد الإلكتروني والبريد العادي أصبحت إجراءات عادية تراها الحكومة ضرورية لمكافحة الخلايا الإرهابية، لكن في المقابل فإن المواطنين العاديين أصبحوا يشعرون بالاختناق في ظل هذا التشدد الأمني.

بمعنى آخر، هناك من يرى أن بريطانيا التي تتغنى بالديموقراطية، قد تحولت في سلوكها إلى مجرد دولة من العالم الثالث، همّها وهاجسها الأول والأخير هو الأمن.

في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي اشتكى لي صحافي عربي من أنه لا يُعطى حق طرح الأسئلة على المسؤولين الذين لا يؤشرون إلا على صحافيين يعرفونهم جيدا ويعرفون وسائل الإعلام التي ينتمون إليها، أما وجود صحافيين آخرين بالقاعة فهو مجرد ديكور في الصورة، وكل السيناريو يكون معدٌّ سلفا. فيما اشتكى صحافيون آخرون من رتابة العناوين الواحدة التي تتصدر معظم الصحف البريطانية وتصب في نفس الاتجاه، باستثناء القليل من الصحف التي تُبرز عناوين مختلفة.

يبدو أننا نعيش عصرا جديدا، عصرٌ لا تواجه فيه الدول المتظاهرين بالهراوات، ولا تقفل أبواب مقرات الصحف، ولا تُكمم الأفواه علانية، فبإمكانك أن تحضر مؤتمرا صحافيا لكنك لاتستطيع طرح سؤالك، أو تشتري بيتا لكنك لا تضمن خصوصيتك وأسرارك، أو ترسل عنوانك الشخصي إلى البلدية ولا تفهم من أين تصلك مئات الرسائل المزعجة من وكالات الإعلان.

إنه عصر الدولة البوليسية الأنيقة.

سليمان بوصوفه