نحن العرب لدينا كل المناسبات أعياد،ولعل مبعث عدم فهمي هذا يرجع إلى أن الاحتفال بهذا العيد يمثل جلبا لثقافة غربية دخيلة ومحاولة لإثرائها وضخ الدم العربى فيها، وجعلها من مرادفات حياتنا، والمدهش أنهم نجحوا وبإمتياز فى ذلك الغزو المنظم،قد يكون لإفتقارنا لثقافة السعادة والفرح وما تعانيه مجتمعاتنا من تخمة الحزن والكآبة،أو لخطأ فى إستيعابنا لمفهوم السعادة والحب وأشياء آخرى وكيفية التعبير عنها وممارسة هذه المفاهيم.

أو عيد الحب VALENTINE،S DAYيوم عجيب وغريب،وعالم يصيبه الجنون فى هذا اليوم
أوقد تسبقه أيام من جنون الاحتفالات المتبلة باللون الأحمر التي تبثها الفضائيات ووسائل الإعلام، فى مسلك منحرف يبث للبسطاء وعامة الشعب،دفعتني إلى أن أعاود الكتابة فى هذا الموضوع مرة أخرى..وأعود وأسطر ولن ينتابنى الملل من ترديدها..وبعد أن أدركت أن خيبتنا أصبحت بالفعل حمراء ورغم ما يصلنى من إيميلات تتهمنى بالرجعية وعدم مسايرة العالم..أقول : إن كانت الحداثة تعنى أن تكون خيبتى حمرا..فأنا أرفض هذه الحداثة وأرحب بالرجعية.

والحقيقة أنني لا أدرى ولا أفهم المبرر الكافى لهذا الإصرار العجيب على الإحتفال بعيد العشاق هذا أو (الفالن-طين) الغربى..

وبالرغم من وجود البديل العربى المصرى الذي يوافق 4 نوفمبر..وأرجو ألا يفهم كلامي هذا على أنه ترويج لمناسبة مصرية، مع أنه سبق وخصص يوم للأم ـ وهكذا أحب وصفه ـ وأصبح هناك يوم للاحتفال به فى العالم العربى على غرار يوم الأم المصرى
(وإن كنت لا أحبذ إرتباط المعانى والقيم فى حياتنا بيوم وساعة محددة) إلا أنه يمر دون اى احتفال يذكر، وكأننا مكبلون بعقدة الخواجة والتشبث بكل ما هو غربى.

صيحات غريبة لا معنى لها.. ومناسبات أكثر غرابة..جاءت إلينا عبر الفضاءات المفتوحة.. لتدثرنا بثقافات غربية سلبية..رغم أن هناك ما هو أنفع كثيرا للمسلمين من يوم العشق هذا..وما يصاحبه من إحمرار للفاترينات والشوارع والوجوه..

ورغم أن الرسول الكريم نهانا عن الاحتفال بغير العيدين ـ عيد الفطر وعيد الأضحى ـ إلا أننا نصر على تجاهل هذا التوجيه النبوي الشريف، وعلى أن نكلف أنفسنا فوق طاقتها على مدار العام، بدءا من الاحتفال بعيد الأم، الذي يقتضي قيام الزوج بتقديم هدية لوالدته وحماته وزوجته، وأن تتكبد الزوجة نفس الشىء أيضا.. ناهيك عن أن الأولاد بدورهم و هدايا للمدرسات، والأصدقاء والأحبة..الخ

ونفس الأمر ينطبق كذلك على احتفالات أعياد الميلاد والزواج، وغيرها من الأعياد التي شرع المصريون والعرب في تقليد الغرب فيها، والتي تخلو جميعها من الدفء والصدق
ولكن كل هذه الأعياد -شىء- وعيد quot;الحاج فالنتينquot; الرومانى أو ما يطلقون عليه عيد الحب ـ شىء آخر، فهذا العيد أصلا تقليد غربى بل غريب على مجتمعاتنا ـوهو يمثل الاحتفاء بذكرى وفاة هذا القسيس الروماني في 14 فبراير عام 270 م

والغريب أن العالم يموج فى يوم عيد الفالنتين فى اللون الأحمر وكأن حمامات الدم الحمراء المنهدرة شلالات فى أرض المعمورة من كل صوب وحدب لا تكفيهم، آلا تكفينا شلالات الدم الفلسطينى والعراقى واللبنانى المنسابة على أسفلت الشوارع، والتى تصافحنا فى كل لحظة عبر نشرات الأخبار؟ والمفارقة أن هذه الدماء تسفك بأيدى غربية تعبث بمقدراتنا وبمستقبل هذه الأمة الفاقدة لوعيها، والغارقة فى اللون الأحمر الذى لا حل له.

كل شئ يكتسى ويغلف حولنا باللون الأحمر في هذا اليوم، وجوه البنات وقد رصعت بالقلوب الحمراء والشوارع وفاترينات المحال وملابس الشباب ـ وحتى الألسنة ـ صارت حمراء..حتى أن الحياة من حولنا غرقت فى غمامة حمراء اللون لم أجد أحمر منها إلا فى العالم العربى..فأصبحت خيبتنا ثقيلة وبالألوان، بينما-وهنا الطرافة- فى الغرب بدأوا يتخلون عن هذه quot;الخيبة الحمراquot; وأبدلوها باللون الأزرق، فصارت الورود الزرقاء ( البوكيه وصل سعره إلى 150 دولارا)، وعلى الزوج والحبيب طبعا ان يدفع!!! بينما خصصت الورود السوداء لمن فقد الحبيب أو فارقه

سباق محموم فى الفضائيات لتقديم الولاء للحاج فالنتين وعائلته..المذيعات والشاشات والديكورات quot;حمار فى حمارquot;.. ويتحول اليوم إلى تجارةquot;سبوبة عيشquot; و مجردة الحب من معناه السامى.. في حين أنه كان من الواجب على هذه الفضائيات أن تقدم المفهوم الجميل لهذا اليوم، وليس الاحتفال بهذه السطحية الثقافية وترويج أفكار غريبة وضيقة الأفق عن الحب للشباب الصغير من خلال كليب ساقط أو غنوة دلوعة أو رسالة موبايل، فكل ذلك من شأنه دغدغة عواطف الشباب المتأججة فعلياً..فقط من أجل تحقيق مكاسب مادية..حتى وإن كان الثمن ضياع مفهوم رائع عن الحب..وتسطيح معناه في عقول المراهقين

والعجيب أن غالبية من يحتفل بهذا اليوم هم شباب تحت العشرين أو في مرحلة العشرينيات من العمر.. فتجد شط النيل يزخر بالأحبة من الشباب الصغير..إثنان إثنان..وفى الشوارع..نفس الخيبة.. وهذا هو مربط الفرس (غزو عقول الشباب و تسطيح تفكيرهم بأشياء لا معنى له)

إن تاريخنا الإسلامي يزخر بالعديد من قصص الحب النبوى، وفى تراثنا الأدبي لدينا قيس وليلى وجميل وبثينة وعنتر وعبلة،..الخ

وأتساءل،ببساطة شديدة،لماذا لا نحتفل بتاريخنا ونفخر به..ونوقره..؟؟
ولماذا لا تتسم أعيادنا الإسلامية أو العربية الشرقية الهوية بمثل هذا الدفء الذى نراه فى عيد الحب هذا؟؟

إن اللون الأحمر لون مثير للأعصاب..وملازم لنا من فترة طويلة فى نشرات الأخبار، فلماذا الإصرار على جعله رمزا للحب؟؟ لماذا لا يكون الأبيض مثلا..ليرمز إلى كل ما يمثله الحب من صفاء ونقاء ووفاء..؟؟

ومما لاشك فيه أن الحب موجود بداخلنا.. وهو لا ينتظر التعبير عنه في يوم محدد مختوم بخاتم وإمضاء غربى.. ولا بشراء الورود والهدايا بين الأزواج.. فالحب يعنى الوجود.. وإن تزلزل هذا المعنى تزلزلت الحياة من حولنا

أحبائى،، أحيوا الحب بداخلكم أولاً ثم احتفلوا به.. وأحيوا مناسباتكم التاريخية قبل أن يجرفكم التقليد الأعمى للغرب، فرأس السنة الهجرية مرت دون أن يحس بها أحد..فهل كان من المفروض أن يكون لها لون حتى ننتبه لها؟! وهل كتب علينا أن نكون أذيالا للغرب فى كل شىء.. حتى فى احتفالاتهم الخاصة بهم؟ ولماذا لم نسمع عن أحتفالهم بعيد خاص بنا وتحمسهم له بدرجة حماسنا لمناسباتهم الغراء؟
بقي أن أقول إن الحب ليس بالشىء المخزى ولا الحرام، مادام محكوما بعاداتنا وتقاليدنا العربية النبيلة، وقبل ذلك كله محكوم بآدابنا الإسلامية السمحاء، فالحب هو الحياة وبدونه تتحول إلى صحراء قاحلة..ولكن..كن محباً وعبر عن حبك بدون إسراف، وبطريقتك الخاصة شريطة ألا تزعج أحدا.

نجوى عبد البر