لا أقصد من العنوان أعلاه طريق بيكر- هاملتون الذي تاه فيه الأكراد، لأنهم إكتشفوا متأخرين الكمائن التي نصبها لهم الأمريكان لكسبهم الى جانب سياساتهم وإستراتيجيتهم في المنطقة، وهي العلاقة الإستراتيجية التي لم يجن منها الشعب الكردي حتى مجرد إعادة منطقة مخمور الكردية التي تبعد حوالي 20 كم الى حدودها السابقة ضمن محافظة أربيل، وهي منطقة كانت طوال ثمانين سنة تابعة لها، إنتزعها صدام حسين من إقليم كردستان ظلما وعدوانا، لتكون مجرد شريط حدودي دفاعي لنظامه؟!، وإنما أقصد ذلك الطريق الدولي الذي يربط بين بغداد وكردستان، والذي يمتد الى آخر نقطة حدودية للعراق مع إيران شمالا عند معبر حاج عمران. فهذا الطريق الذي أنشائه مهندس بريطاني يدعي هاملتون في عشرينيات أو ثلاثينيات القرن الماضي مازال باقيا على حاله لم تمتد اليه أيادي أية حكومة سابقة أو لاحقة بالتعمير والتحديث، فبقيت سيد الطرق في كردستان لحد يومنا هذا، فلم تجر على هذا الطريق ( الدولي ) أية تغييرات تذكرعلى الرغم من تعاقب عدة أنظمة وحكومات عراقية، ملكية وجمهورية، شيوعية وبعثية، دكتاتورية وعلمانية، وصولا الى الحكومة الكردية المحلية، فما زال على حاله ذو ممر واحد تقع فيه العديد من الكوارث المرورية تودي بحياة مئات الأشخاص كل عام.

كنا نمني أنفسنا منذ زمن طويل بسقوط الدكتاتورية الصدامية في العراق، وكنا نتوقع أنه بمجرد سقوط صدام حسين الذي كان يشاع أنه يصرف فقط 5% من ميزانية الدولة على المحافظات الـ 18 العراقية، ويسرق 95% منها لحسابه الخاص يودعها في بنوك عواصم أوروبية، أن تعبد الحكومة طرقنا وشوارعنا بالمرمر والكاشي الموزائيك، وأن تفرش الورود على رصيف الشوارع، وأن تنشيء عشرات مدن الألعاب للأطفال، ولكن ظهر العكس تماما.


فما كان ينهبه صدام من أموال الدولة طوال سنوات حكمه لم يبلغ عشر معشار ما يسرقه قائد ميليشاوي طائفي اليوم في العراق، ناهيك عن رؤساء الكتل السياسية الذين يتعاركون كل يوم على حصصهم من أموال الدولة، حتى أصبح لهم حق دستوري في ميزانية الدولة ضمن أبواب ( النفقات الخاصة ) أو ( الخدمات الأمنية ) أو ما يعرف بـباب ( مصاريف أخرى؟؟؟!!! ) وهو باب جديد في الميزانية العراقية خصص له 8 مليارات دولار سنويا،من دون أن يعرف أحد نوعية تلك المصاريف؟؟!!.


فعدنا الى ترميم طريق هاملتون العتيد ورتقها بالزفت والأطيان، فيما غرقت شوارعنا ومدننا في المستنقعات وأكوام القمامة ونضوح مياه الصرف الصحي، وأنشأت فعلا مدن الألعاب للأطفال لكنها مملوكة لبعض الأعوان وأفراد الحاشية؟ّ!.

تبلغ ميزانية الدولة أكثر من خمسين مليار دولار، وحصتنا المعتبرة منها في الإقليم تبلغ حوالي 5/6 مليار دولار، وهذا مبلغ يفوق ميزانية عدة دول عربية يقارب عدد سكانها سكان المحافظات الكردستانية الثلاث.


في الفترة الأخيرة بادرت محافظة كركوك الى تحويل الجزء العائد لها من هذا الطريق، وأقصد طبعا طريق هاملتون والذي يمتد من حدود مدينة كركوك الى حدود ناحية آلتون كوبري الى ممرين، وإنتهى النصف الأول من المشروع، ومن المتوقع أن ينتهي النصف الآخر في غضون الأسابيع أو الأشهر القادمة، ولكن الجزء المتبقي من هذا الطريق والذي يبدأ من أربيل عاصمة الإقليم الى ناحية آلتون كوبري ويبلغ 50 كيلومترا فقط، ليس هناك من يفكر في حكومة الإقليم أوالحكومة المركزية أن يحولها الى طريق ذو ممرين لكي ينهي معاناة آلاف المواطنين الذين يستخدمونه لسفراتهم اليومية؟!. فقط خمسين كيلومترا ليس في ميزانية الإقليم البالغة 5/6 مليار دولار حصة لها لتحسين هذا الطريق الدولي؟!.ولكن بالمقابل لدينا في مركز مدينة أربيل مثلا، مئات المجمعات او العمارات السكنية الجديدة التي يشيدها بعض المسؤولين لأنفسهم، ولا تقصر الحكومة في إنشاء عشرات القاعات والمباني الجديدة للوزارات والدوائر ومقرات إعلامية بمبالغ طائلة من ميزانية الإقليم بذريعة تزيين واجهات الحكومة لكي تصورها فيما بعد وتبثها الى العالم الخارجي كدليل على مستوى التقدم العمراني الذي يشهده الإقليم في ظل الحكومة المحلية.


هنا يبرز سؤال محير طالما شغلني وأنا أنظر الى هذه المظاهر المزيفة وهو، ما جدوى هذه البهرجة الإعلامية في الوقت الذي يعاني الشعب من الجوع والفقر والفاقة والبطالة؟. ماذا يستفيد المواطن من إقامة مشروع مدينة إعلامية في أربيل بملايين الدولارات، في الوقت الذي تعاني أغلب أحيائها من نقص في مياه الشرب وأزمة حادة في الكهرباء؟!.


لا أدري كيف أصف شعور ذلك المواطن الذي بالكاد يجد قوت عياله عند عودته الى بيته في المساء، وهو ينظر الى شاشة التلفزيون المحلي ويرى وقائع مؤتمر برلمانات 21 دولة عربية في مدينته؟!. ولا أدري أيضا، كيف سيكون شعوره لو رأى الولائم والمآدب والسهرات الباذخة التي تقام على شرف الوفود العربية الزائرة الى إقليم كردستان العراق؟؟؟!!
قال المسيح ( عليه السلام )quot;

ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه؟.

شيرزاد شيخاني
[email protected]