للزيتون كما للنخيل مكانة طيبة وشبه مقدسة في نفوس الشعبين العربيين المحتلين الفلسطيني و الاحوازي وذلك لكون كل من الشجرتين لهما ارتباط مباشر بحضارة وهوية الشعبين الشقيقين.كما ان كلا الشجرتين قد ورد ذكرهما في القرن الكريم بذكر طيب lsquo; وقد اقسم الله تعالى بشجرة الزيتون quot; والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ( سورة التين الآيات3 -1 ) lsquo; و أورد ذكرها أربعة. ولهذا فقد صبت العصابات الصهيونية حقدا كبيرا على شجرة الزيتون وذلك لمكانتها شبه مقدسة في نفوس الفلسطينيين أولاlsquo; وثانيا لكونها أصبحت عنوانا لتمسك الفلسطيني بأرضه التي لم يتخلي عنها أبدا. فخلال الستين عاما الماضية من عمر النكبة تعرضت شجرة الزيتون إلى نفس المأساة التي تعرض لها الفلسطينيون على يد الصهاينة الغاصبين. فما قتل فلسطيني إلا و اقتلعت معه شجرة زيتون أو العكس من ذلك فما اقتلعت شجرة زيتون إلا و دفن محلها جثمان شهيد فلسطيني. فحرب اقتلاع أشجار الزيتون كانت ولا تزال تهدف إلى اقتلاع الفلسطيني من الأرض و جذوره.
وهكذا هو الأمر اليوم في الاحواز فقد عرف عن الصلة بين العربي والنخلة بأنها صلة حميمة مؤكدة حتى لكأن الاحوازي يحس أن بينه وبينها وشائج قربى، وهذا الحب أمثالا صادقا للحديث النبوي الشريف quot; أكرموا عمتكم النخلة quot;. كذلك يعرف عن الاحوازي كما أي عربي آخر أنسه بالنخلة وحبه لها. فالنخلة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم lsquo; لفظاً مفرداً مرتين، والنخل والنخيل ورد ثمانية عشر مرة و من ذلك قوله تعالى quot; أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمراتquot;(البقرة آية 266) lsquo; quot; ومن النخل من طلعها قنوان دانيةquot; (الأنعام آية 99) lsquo; quot;أعجاز نخل خاويةquot; (الحاقة آية 7)lsquo; quot;أعجاز نخل منقعرquot; (القمر آية 20) lsquo; quot; فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل لك ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخل تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا.. quot;(مريم: 23-26)quot; lsquo; هذه النخلة هي اليوم كما كانت في الأمس عنوان للهوية الشعب الاحوازي هذه الهوية العربية التي يسعى المحتل الإيراني إلى تفريسها بكل الطرق والوسائل.
فبعد اغتصاب الأرض وإسقاط السيادة الاحوازية عمد الغاصب الإيراني طوال العقود الثمانية الماضية إلى تفريس أسماء جميع المدن والمواقع الاحوازية حتى بلغ به الأمر في ظل نظام الملالي إلى تفريس أسماء المواليد الجدد من أبناء الاحواز إلا ان ذلك كله لم يؤثر على تمسك الاحوازي بهويته العربية والحفاظ عليها.
فمنذ عام 2000م وبعد ان قرر النظام الإيراني إقامة قاعدة بحرية كبيرة عند مصب شط العرب في الخليج العربي وتحديدا في منطقة القصبة في مدينة عبادان جنوب الاحواز lsquo; وإقامة منطقة اقتصادية حرة شمال عبادان lsquo; بدأ السلطات الإيرانية بإجراءات تهجير العرب سكان القرى الواقعة ضمن حدود هذين المشروعين ( القاعدة البحرية والمنطقة الاقتصادية الحرة ) lsquo; ولكن أصحاب القرى وهم اغلبهم من مزارعين وصيادي اسماك رفضوا الهجرة من مناطقهم التي كانوا قد هجروها سابقا بسبب حرب الثماني سنوات مع العراق وذاقوا خلالها مرارة الغربة واضطهاد سكان المدن الإيرانية التي هاجروا لها مكرهين.
وبعد ان فشل النظام الإيراني في أقناع العرب بترك مناطقهم lsquo; فقد لجئ إلى أسلوب نضيره الإسرائيلي الذي مارس اقتلاع أشجار الزيتون كأسلوب لتهجير الفلسطينيين من أرضهم lsquo; ولهذا فانه عمد إلى إحراق أشجار النخيل في مناطق وقرى عبادان لإجبار السكان العرب على الهجرة لبناء قواعده العسكرية ومؤسساته الاستيطانية.
و خلال السنوات الثمانية الماضية تعرضت بساتين نخيل القرى الواقعة ضمن حدود المشاريع الإيرانية المذكورة إلى عشرات الحرائق المفتعلة أسفرت عن إتلاف عشرات الآلاف من النخيل المثمرة وغير المثمرة ملقية مسؤولية خذه الجريمة على العوامل البيئية حسب زعمها.علما ان أهالي القرى وأصحاب البساتين المتضررين كثيرا ما تقدموا بشكاوي أكدوا فيها مشاهدتهم لدوريات من الشرطة وعناصر مليشيا البسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني وهي تقوم بإشعال تلك الحرائق ولكن السلطات الإيرانية بقيت ترفض بيانات الشهود.
وهنا يمكن ذكر أهم الحرائق التي حدثت خلال السنوات الثلاثة الماضية والتي التهمت آلافا من النخيل في قرى منطقة القصبة جنوبي عبادان.
لقد تعرضت بساتين النخيل في قرية quot; النقشة الشمالية quot; الواقعة في منطقة القصبة وفي غضون عام واحد إلى ثلاثة حرائق متعمدة كان أكبرها وقع في صباح يوم الاثنين 21 شباط 2006م وقد أسفرت تلك الحرائق المفتعلة عن إتلاف أكثر من ثلاثة آلاف نخلة.
وحسب ما أكده سكان القرية المذكورة ان مليشيات الحرس الثوري هي التي تقف وراء هذه الحرائق حيث إنها المرة الثالثة خلال أقل من عام تتعرض فيها بساتينهم لمثل هذه الحرائق المتعمدة. وقد أثبتت التحقيقات التي أجريت من قبل المجلس القروي و مدير الناحية ودائرة الإطفاء في بلدية عبادان وناحية القصبة ان جميع الحرائق السابقة كانت بفعل فاعل إلا ان السلطات الإيرانية لم تتخذ أي إجراء يذكر.
إما ثاني اكبر حريق فقد وقع في يوم الخميس 7 حزيران 2007م في ثلاثة من قرى ناحية القصبة وهي lsquo; قرية نهر القصر lsquo;قرية نهر البلامة و قرية نهر علي شير. و قد خلفت تلك الحرائق أكثر من خمسة آلاف نخلة و أجبرت أهالي القرى الثلاثة على ترك منازلهم خوفا على حياتهم من شهدت النيران التي كانت قد اتسعت على مساحات واسعة.
وفي منتصف آب اغسطس من نفس العام كانت اثنين من بساتين قرية quot; طرة بخاخ quot; في ذات المنطقة الى احراق اكثر من مئة وخمسون نخلة. و قد امسك اهالي القرية بالفاعل. الا ان السلطات الايرانية ادعت ان الفاعل كان مدمن مخدرات ورفضت الكشف عن هويته.
وفي هذا الإطار أيضا فقد شهدت قرية نهر quot; ابوصدرين quot; من قرى منطقة القصبة في يوم الاربعاء 2 ابريل نيسان 2008م حادث اشتعال النيران في بساتين القرية اسفر عن احتراق 800 نخلة.
و قد نقل عن مسؤول دائرة الاطفاء في ناحية القصبة ان عملية اطفاء الحريق استمرت اكثر من ساعتين ونصف الساعة شارك فيها اهالي القرية بشكل فعال lsquo; وقدر الخسائرالناجمة عن ذلك الحريق باكثر من خمسين مليون تومان ايراني. وبحسب ما اكده السكان فان النيران اشتعلت في بساتين النخيل بعد مغادرة قافلة من السواح الايرانيين كانوا يقضون عطلة عيد النوروز في بساتين القرية الواقعة على شط العرب.
اما آخر هذه الحرائق الكبيرة فقد وقع بعد ظهر يوم الثلاثاء 19 حزيران الجاري في قرية quot; نقشة النصار quot; وقد اسفر عن احتراق اكثر من 1500 نخلة. وبحسب ما أكده مسؤول دائرة الإطفاء في ناحية القصبةlsquo; ان الخسائر الناجمة عن هذا الحريق تقدر بـ quot;مليار ومائة مليون ريال إيراني quot; lsquo;رافضا إعطاء أي معلومات عن الأسباب التي كانت وراء نشوب هذا الحريق الهائل.
وقد جاء هذا الحريق بعد أسبوعا واحدا فقط من إحراق بساتين قريتي quot; الفياضية quot; و quot; سليج الشرقية quot; في مدينة عبادان على أيدي مجهولين والتي أسفرت عن احتراق المئات من النخيل.
وكان عدد من بساتين النخيل في قرى quot; سليج الغربية quot; و quot; الإمام الحسن quot; وغيريها من الأخرى قد تعرضت خلال شهر آيار الماضي لحرائق متعمدة أسفرت عن احتراق عشرات من النخيل.
فوفق هذا العرض الموجز يتبين مامدى تاثرالسلطات الايرانية باساليب الصهاينة في فلسطين في تعاملها مع عرب الاحواز. الا ان السلطات الايرانية الغاصبة قد تناست ان اسلوب الصهاينة في اقتلاع شجرة الزيتون و ان كان قد ادى الى افقار الشعب الفلسطيني ماديا ومعيشيا lsquo; الا ان هذا الاسلوب في اقتلاع الزيتونة من قلوب الفلسطينين واصبح بازاء كل زيتونة تقتلع يولد طفل فلسطيني وقد اختلط حب الزيونة بحب الوطن في قلبه.
وهكذا هم عرب الاحواز فاذا كانت النيران الصفوية قد حرقت الالاف من نخيلهم lsquo; و ربما سوف تحرق الاف اخرى مستقبلاlsquo; الا انها لم تستطيع اقتلاع حب النخلة من قلب العربي الأحوازي الذي عجزت الجرائم الصفوية طوال الثمانين عاما من عمر الاحتلال تفريسه و سلخه عن هويته العربية.


صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي