إستنباط معنى قوله تعالى (لم يخروا عليها صماً وعمياناً)

كيف يكون القرآن الكريم مهجوراً لدى أغلب المسلمين رغم هذا الكم الهائل من مئات الملايين من المصاحف المطبوعة على أعلى مستوى من التقنية الحديثة، وهذا الكم الهائل من الأشرطة المسجلة لعشرات الآلاف من المقرئين ما بين ترتيل وتجويد، وهذه الأعداد اللانهائية من السى دى هات التى تحمل كل سى دى منهم آيات القرآن العظيم ما بين مكتوب ومقروء بعشرات الأصوات الرخيمة والباكية والشجية، حتى أن الموبايلات ( التليفونات المحمولة ) غدت مكتظة بآيات القرآن الكريم ذهاباً ورواحاً، وكلما ذهبت هنا أو هناك واجهتك الأشرطة المسجلة فى سيارات الأجرة والميكروباصات والمحلات والمطاعم والمقاهى والكوفى نيت ومحلات بيع الأشرطة وأماكن أخرى كثيرة وكلها قرآن يتلى على المسامع والآذان فى كل لحظة من لحظات الحياة، فكيف يتهم الرسول الخاتم صلوات ربى وسلامه عليه قومه يوم القيامة بأنهم بعد كل هذا الزخم قد إتخذوا كتاب الله تعالى مهجوراً؟؟؟؟

ألا يدفعنا ذلك لتدبر وفهم قول الله تعالى
:
((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا )) ألفرقان 30؟؟

كيف هجروه وهو معهم أينما ذهبوا وأينما عادوا؟ كيف هجروه وهو فى أحضانهم ليل نهار، بل ويضعونه فى جيوبهم لقراءته فى المواصلات وفى أوقات الفراغ على مكاتب العمل؟ كيف هجروه وهم يستمعون لإذاعة القرآن الكريم ليل نهار ويدفعون الغالى والنفيس فى شراء الأشرطة والإسطوانات المسجل عليها القرآن والخطب الوعظية؟ كيف هجروه وهم يضعونه تحت الوسائد وفى غرف النوم لحفظهم من كيد الشيطان الرجيم ويضعونه معلقاً أو فى صندوق حريرى فخم على تابلوه السيارة لحفظهم من الحوادث؟ كيف هجروه وهم يعملون منه الأحجبة لمرضاهم النفسانيين ولأطفالهم لحفظهم من عيون الحاسدين؟ كيف هجروه وهم يتلونه على موتاهم بين القبور طلباً للرحمة والعفو والمغفرة من الله تعالى؟؟

ما هذه التهمة المفزعة والتى يجب أن تقض مضاجع من كان لهم قلوب أو ألقوا السمع وهم شاهدون؟ المسلمون بعد كل هذا الجهد الجهيد من حفظ القرآن فى المدارس والمعاهد وتفسيره على يد المئات من العلماء والمجتهدين وعمل المعاهد والجامعات المختصة فقط بالقرآن، وتعطى شهادات علمية تخصصية فى فقه القرآن وعلومه وآدابه ونحوه وصرفه وبلاغته موع ذلك ينتظرهم هذا الإتهام الذى هو فى الحقيقة ليس إتهاماً ولكنه واقع أكيد لا فرار منه مهما كان من وسائل إهتمام بالقرآن كما سبق وأسلفت أعلاه، فما هى الحكاية وما هو الموضوع وما هى الحقيقة؟ تعالوا بنا نطوف ونتدبر قول المولى عز وجل وهو يعدد صفات عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، يقول عز من قائل من ضمن صفات عباد الرحمن الذين هم النموذج الأمثل والأعلى الذى يحبه الله تعالى لعباده يقول عنهم :

((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا )) الفرقان 73

من بين صفات عباد الرحمن الصالحين أنهم إذا ذكروا بآيات ربهم سواء عن طريق تلاوتها بأنفسهم أو قيام آخرين بتلاوتها عليهم، فإنهم لا يستمعوا إليها وهم يلعبون أو يلهون أو يستهزءون، ولكنهم ndash; عباد الرحمن - يعطون لآيات الله تعالى حين يقرؤها أو يسمعوها كل عقولهم وقلوبهم وآذانهم مسخرين كل هذه الحواس لفهمها وتدبر معانيها والتوصل إلى عميق حقائقها والوقوف على أسبابها وأهدافها وأوامرها ونواهيها، وتحسس ما بها من دعوة لأخلاق حميدة ونهى عن أخلاق ذميمة، والسعى خلف معانيها لتلمس ما بها من أنوار تضىء القلوب بذكر الله وكلماته التامات ولذلك يقول جل من قائل :

)) وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (( الأعراف 204

فالإستماع للقرآن مجرد إستماع لا أهمية له ولكن الإنصات هو الأساس، لأنك بإنصاتك لقول الله تعالى تتمكن من تدبر آياته وفهم معانيها من خلال سياقها فى السورة فلا يصح أن تقتطع آية من سياقها دون فهم ما قبلها وما بعدها كأن تقول مثلاً ( فويل للمصلين ) ثم لا تتبعها بقوله تعالى ( الذين هم عن صلاتهم ساهون )، أو تقول (ولا تصل على أحد منهم مات ابداً ) دون أن تذكر ما قبلها وما بعدها ليعرف المستمع أن الله تعالى ينهى رسوله ص عن الصلاة على المنافقين لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون، ولا يصح أن تقول واصفاً رسول الله ص ( وما ينطق عن الهوى ) دون أن تذكر قوله تعالى ( إن هو إلا وحى يوحى، علمه شديد القوى... الآيات ) لكى يعلم المستمع الحصيف أن رسول الله ص لا ينطق هذا القرآن الكريم عن هواه أو من تلقاء نفسه ولكنه ينتظر وحى الله تعالى إليه فينطق به بعد نزول الوحى.

وعندما تنصت ( لا تستمع فقط ) فإنك ستعى وتفهم ماذا يريد الله تعالى أن يعلمك من قرآنه العظيم، وستعلم الفرق بين الحق والباطل وبين النور والظلام وبين الضلال والهدى، وستعرف بإنصاتك لكلام الله تعالى كيف تتدبر آياته لتصل إلى معنى معين تريد فهمه، أو تشريع تريد الوقوف عليه أو أمر أو نهى من أوامر الله تعالى ونواهيه التى يعلم بها عباده كيف يستقيمون فى هذه الحياة ويصبح كل منهم مثلاً يحتذى ونبراساً يقتدى به الناس ويقلدونه فيما يفعل من تعلم وتدبر آيات الذكر الحكيم.

إن قول الله تعالى :

((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا )) الفرقان 73

هو مفتاح آية هجران القرآن ) الفرقان 30 ) التى تنتظر الكثيرين من المسلمين رغم ما بها من رعب يجب أن يصيب قلب كل مؤمن يخشى الله تعالى بالغيب، ويريد أن يمرق من هذه التهمة خوفاً من أن تلبسه فى يوم القيامة فيكون والعياذ بالله تعالى كالذى خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق، هذه الآية الفرقان 73 هى فى الحقيقة مفتاح آية هجر القرآن لو فهمناها وعقلناها وتدبرناها بصبر وتؤدة وأعطينا لأنفسنا وعقولنا الفرصة لفهمها فى هدوء.

ولكى نفهم آية ( لم يخروا عليها صماً وعمياناً ) يجب أن نبحث فى معانى كلمات ( يخروا ndash; صماً ndash; عمياناً ) حتى تنجلى لنا الحقيقة ونعرف المعنى المقصود من هذا القول الكريم.

أولاً كلمة يخروا

وهى من الفعل ( خرر) لأن الراء مضعفة ومعناها هوى أو سقط من أعلى وندلل على ذلك بقوله تعالى ( يخرون للأذقان يبكون ) ومعناها أنهم عندما يستمعون وينصتون لكلام الرحمن يسجدون فوراً خاشعين لخالقهم وتلمس أذقانهم الأرض وهم يستغفرون ويسبحون رب الأكوان، كما ندلل على رأينا أيضاً بقوله تعالى عن الذى يتخذ مع الله تعالى إلهاً آخر ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح فى مكان سحيق) وهى آية شديدة الوضوع تبين أن كلمة ( خر) معناها سقط من أعلى إلى أسفل،وكذلك قوله تعالى عن يوسف وقومه حين استدعاهم للحياة فى مصر يقول عنهم ( وخروا له سجداً ) ومعناها ايضاً أنهم بعد أن كانوا واقفين جلسوا على ركبهم ( جمع ركبة وهو مفصل الركبة ) وهو نوع من سجود التبجيل والإحترام للحكام وليس للعبادة وهو دليل آخر أنهم كانوا واقفين فسجدوا مما يؤكد أن الفعل ( خر) معناه هوى من أعلى أو هبط أو سقط.

فإذا عدنا إلى قوله تعالى (لم يخروا عليها ) لعرفنا أن هؤلاء الذين يستمعون القرآن لاعبين يظهرون كأنهم يحبونه حباً شديداً ويشعر من يجلس معهم وكأنهم يفهمونه ويعلمون مقاصده، وتراهم يتمايلون عند سماعه ويرتجفون رعباً صناعياً مفتعلاً، ويتمتمون بكلمات غير مفهومة كأن عليهم مساً من الجن، ويريدون توصيل رسالة سطحية جداً لمن حولهم مفادها أنهم يحبون القرآن ويحبون الله وأنهم رجال الحق ولا يريدون شيئاً من زينة الحياة الدنيا، ولكن الحقيقة المؤسفة أنهم لا يعقلون القرآن ولا يفهمون ما يسمعون ولا يتدبرون آيات الله تعالى ولا يقتطعون وقتاً مخصصاً كل يوم من حياتهم لفهم كلام الله وتدبره وتطبيقه على أنفسهم، ورغم أنهم يستمعون للقرآن بما يوحى لمن حولهم أنهم خاشعون ولكنهم فى الحقيقة إستمعوه كأنهم صم ومرت عليهم معجزاته كأنهم عمى، فرغم إظهار الخضوع والسجود ( يخروا ) إلا أنهم لم يكلفوا أنفسم عناء الفهم والتدبر ومشقة الفقه والتمعن، ولم يتلذذوا بالخوض فى بحار القرآن الكريم ليرجعوا منها باللالىء والجواهر الربانية التى يحرم منها اللاعبون العابثون الذين يستمعون القرآن وهم يلعبون لاهية قلوبهم.

ثانياً كلمة صم

ومعروف أن الصمم هو عدم القدرة على السمع وقد يولد الإنسان أصماً أو يصاب بمرض يؤدى إلى الصمم، وهذا النوع غير مقصود على الإطلاق هنا ولكن المقصود هو الذى يصطنع الصمم لنفسه رغم سلامة أذنيه وقدرته على تلقف المعلومة، ولكنه يسخر كل ذلك لشهواته وملذاته وحياته الدنيا ومكاسبه الزائلة فإذا قرىء القرآن عليه أهمله ولم يعطه أذنه ولم يهتم بفهمه، معتمداً على أن هناك من سيفهمه له ( العلماء من وجهة نظره ) ثم يشرحه له، ومع ذلك فلو تعرض لهذا الشرح لما سمعه أيضاً ولأهمله ولاصطنع الصمم ولذهب بعقله وخياله هناك حيث دنياه وملذاته ومكاسبه، ويظل يخر أصماً على كتاب الله تعالى حتى يدركه الموت وهو لم يفهم منه شيئاً ولم يفقه شيئاً، فعاش ومات كمثل الحمار يحمل أسفاراً وبئس المثل لكل إنسان يتعامل من القرآن بلا مبالاة فهو بذلك يخسر آخرته ويكسب دنياه.

يقول تعالى عن من يهمل اذنيه ولا يستمع لقول الحق القرآنى العظيم :

((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ))الأعراف 179

ومن هنا نفهم أنهم لهم قلوب ( عقول ) لا يستعملوها فى فقه دينهم، ولهم أعين ترى فقط ما يلذ لهم من شهوات الدنيا، ولهم آذان تستمع لكل المتع فإذا جاءت نحو القرآن أصيبت بالصمم واستمعت إليه وهى تلهو وتتراقص وتتمايل مدعية العلم والإيمان ومعرفة الحقيقة والواقع عكس ذلك تماماً، فلو جلست مع أحدهم لتختبره فى آية قرآنية واحدة لوجدته فارغاً من داخله كالخشب المسندة، ولرأيته أمامك منظراً مهيباً لإنسان خطير ولكنه تافه قرآنياً ولا يفقه شيئاً ولا يحاول أن يفهم، ولو حاولت تفهيمه أو نقاشه لنهرك وسفهك وسبك بأقذع الألفاظ، بل واتهمك بالجنون وأنك تتعالم عليه، ثم يسألك : هل أنت عالم دين؟ هل أنت خريج كلية دينية؟ أليس هناك تخصصات فى الطب والهندسة والصيدلة؟ هناك أيضاً علماء للدين وأنت لست واحداً منهم حتى لو كنت أفنيت عمرك فى البحوث القرآنية والتأصيل القرآنى والإجتهاد لفهم كتاب الله تعالى، ولذلك فإن الله تعالى يختصر عليك الوقت ويصفهم بأنهم مثل البهائم ولا غاية ترجى منهم مهما تشدقوا بالإيمان وادعوا ndash; كذباً وزوراً ndash; معرفة الحقيقة يقول تعالى عنهم فى نهاية الآية السابقة :

(أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ).

ثالثاً كلمة عمياناً

وهى كما هو واضح جمع أعمى وليس لها أى علاقة من قريب او من بعيد بشخص ولد أعمى أو اصابه العمى الحسى ( فى نظره ) بسبب مرض معين، ولكنها تعنى عمى القلب وعمى البصيرة لقوله تعالى ( إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور)، وهنا ينفى الله تعالى صفة العمى عن العينين لأنها عميت بإرادة الله تعالى ولكنه جل شأنه يؤكد أن العمى الحقيقى المقصود هو عمى البصيرة وتعمد عدم الفهم، وعدم السعى نحو معرفة القرآن وتدبر آياته الكريمات والوقوف على معانيه الربانية العظيمة، ولذلك تنطبق الآية رقم 179 الأعراف على هؤلاء أيضاً الذين عميت بصيرتهم عن رؤية الحق ومشاهدة الحقيقة، ولم يكلفوا أنفسهم أى عناء لمعرفة حقيقة الكتاب الذى بين ايديهم وهو القرآن العظيم فاستحقوا أن يعيشوا ويموتوا مثل البهائم والعياذ بالله تعالى.

ومن عجب أن ينادى الكفار والمجرمون فى كل زمان ومكان بإهمال هذا القرآن العظيم وعدم الإستماع له، لأنهم يعلمون أن من يسمعه وينصت له سيهتدى قلبه، وسيصل لحب مولاه تعالى، ولذلك كانوا يقولون :

((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ )) فصلت 26

وهذا دليل قرآنى قاطع على غيهم وإجرامهم ورغبتهم فى التشويش على القرآن وكراهيتهم له لدرجة وصلت للدعوة العلنية لمحاربته والإعتداء عليه وعدم السماع له واللغو فيه بكل الوسائل مثل التحريف والتزييف والتقديم والتأخير والشوشرة عليه بروايات وأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان حتى يتوصلوا لهدفهم المنشود وهو إهمال القرآن العظيم وإلقاؤه وراء ظهورهم وعدم الإهتمام به والإستهزاء بمن يهتم به، وإلصاق التهم الجزافية له والكيد له وايقاعه فى المصائب والمصائد، وتسليط السفهاء عليه ليرموه بكل نقيصة وكل عيب حتى يظلوا هم دائماً الوارثون الذين يرثون الدين وهو له حافظون، والحقيقة أنهم عن القرآن بعيدون ولآياته الكريمات هاجرون وإذا استمعوا إليه إستمعوه وهو لاهون لاعبون.

والآن نعود إلى قوله تعالى عن عباد الرحمن:

((وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا )) الفرقان 73

أى أن عباد الرحمن الصالحين الأتقياء إذا قرىء عليهم القرآن أو قرؤه أعملوا عقولهم وآذانهم وعيونهم فتدبروا القرآن وفهموا معانيه وعقلوه وأيقنوه وطبقوه فى حياتهم اليومية تطبيقاً دقيقاً تقرباً إلى الله تعالى وخشية منه ورغبة منهم فى إصلاح أنفسهم وإصلاح من يحبون، ولذلك فهم يخرون أى تسجد قلوبهم لله حين يقرؤن القرآن ويعملون عقولهم فيه لفهمه ولا يصيبهم الصمم ولا العمى اثناء ذلك بل لديهم رغبة قوية فى تدبر القرآن العظيم وفهم معانيه، ولذلك فإنهم عندما يفعلون ذلك لا ينطبق عليهم قول الرسول لربه يوم القيامة ( يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا) لأنهم ndash; أى عباد الرحمن ndash; قد حققوا حكمة الله فى فهم كتابه وتدبره والعمل به، أما أولئك الأدعياء الكاذبون الذين يخرون على القرآن صماً وعمياناً بمزاجهم ويخدعون من حولهم ويوحون لهم أنهم أهل القرآن وأهل العلم وأهل المعرفة وهو فى الحقيقة لا يطيقون القرآن ولا يعتبرونه غير كتاب للبركة والحفظ من عيون الحاسدين ومن الحوادث ومن مس الشياطين، ولا يستمعون إليه إلا وهم يلعبون ويتراقصون فى حفلات العزاء وغيرها ويوهمون أنفسهم أنهم على شىء والحقيقة أنهم أهل باطل وعلى الباطل طالما ظل القرآن العظيم كتاباً مهملاً فى حياتهم ومهجوراً فى دينهم ومعتقداتهم وطالما ظلوا يلغوا فيه بالتشويش عليه بكل شىء حتى أصبح بينهم غريباً مهجوراً رغم الكم الهائل من الزخم التقنى الذى يحفظون عليه القرآن من أشرطة واسطوانات وكمبيوترات، ورغم أنهم يفتحون تلك الأجهزة بسبب وبدون سبب فى المقاهى والمواصلات والمنازل وغيرها ليخفوا نقصهم وجهلهم وليوهموا المتعامل معهم أنهم أهل تقوى وصلاح ولكن الحقيقة أن الذى يهجر القرآن ويعيش ويموت دون أن يفهمه أو يحاول جاهداً فهمه، فإنه يعيش كالأنعام صم بكم عمى فهم لا يعقلون.

حسن أحمد عمر