مرة أخرى كنيران لهب بابا كركر الأزلية تسمو ساطعة ضياء أخبار المدينة عاليا في سماء العراق ولتأخذ مجالا واسعا في الصحافة المحلية والعالمية ولتتحول الى مادة سياسية دسمة للأحزاب السياسية العراقية منعكسة كذلك على مجمل سياسات الدول العربية و دول الجوار.

كركوك ليست بمدينة غريبة على القارئ الكريم فقد كتب عنه أبنائها الغيار بمحبة وشغف ووفاء ومن كافة القوميات والعقائد المكونة للتركيبة السكانية التعددية للمدينة نفسها ولمجل المحافظة المسماة باسم المدينة المركز أي كركوك. ما من شك ان كركوك بمواردها وثرواتها الطبيعية والبشرية تمثل العصب الأساسي لأي كيان سياسي في المنطقة وقد كانت ولا زالت تزود الاقتصاد العراقي من خيرات أرضها التي quot; لو quot; كانت كل تلكم الثروات استثمرت بحكمة وتعقل خلال سنوات بعد اكتشاف النفط في ثراها بعد الحرب العالمية الاولى ولحد يومنا هذا لكان العراق باكملة جنة من جنان الأرض وكان اهل المدينة من الميسورين وسعيدي الحظ في هذه الدنيا الفانية. ولكن هيهات من استخدام كلمة quot;لوquot; الشرطية للتمني فان ما جرى على المدينة واهلها من ماسي بعد اكتشاف النفط ومن ويلات نتيجة لطمع وغدرالعدو والصديق وانتهاك للحقوق لابنائها لم يجرى على أي مدينة على المعمورة. بقى ان نعلم ان معظم الحكومات العراقية المتعاقبة والاحزاب السياسية العراقية اطراف نشطين شاركوا فعليا في تلك الماسي. اليوم ياخذ المسالة الكركوكية بعدا جديدا كانعكاس لتلك السياسات القديمة.


كركوك جزء من العراق في كافة ادبيات الاحزاب العراقية من عربية وكردية وتوركمانية وسريانية. فيما يدعي كذلك تلك الاحزاب وتناضل من اجل عراق موحد وديمقراطي.


ان السياسة الحمقاء التي طبقت على المدينة وابنائها ادت الى تشكيل خارطة سكانية جديدة بعد انشاء الدولة العراقية. لا ريب ان الدولة العراقية التي كانت جزء من الإمبراطورية العثمانية كانت جل ابنائها تتحدث بلغة العثمانيين التركية تقربا من السلطنة وآل عثمان. اللغة التركية بقت لحد يومنا هذا تجري على لسان الكثيرين من القوميات الغير عربية كما الحال بلغة المستعمر الانكليزي الانكليزية او لغة المستعمر الاسباني الاسبانية في معظم دول أمريكا ألاتينية اليوم. فما بال مدينة تعدد فيها القوميات منذ تأسيسها لاول مرة واني ارى من الطبيعي ان يكون كل ذلك نتيجة كل هذا التفاعل والتداخل والحوار الحضاري السلمي لمكونات المجتمع الكركوكي حيث يختلط دماء القوميات الأساسية الثلاث العرب والتوركمان والاكراد مستثنيا مسيحيي كركوك لان الأعراف الدينية السائدة في المدينة يقضى بعدم تزويج المسلمات من ابناء المدينة من المسيحيين وكما هو أعراف المجتمع الاسلامي عامة. في حين تزوج العديدين من المسلمين من صبايا من القومية الاشورية والارمنية في المدينة.


ان ان أي تطور للمسالة باستخدام العنف والشدة والقتل سيكون نتائجه ماساويا على المدينة وابنائها حين يقف ابناء المدينة في خنادق مقابل بعظم الاخر يقتلون ابناء عمومتهم او ابناء اخوالهم. هذا السيناريو السيئ احد نتائج السياسة الحمقاء للاحزاب السياسية العراقية فيما يخص توجهاتها حول المدينة ومستقبلها. ومن الطبيعي ان كل ذلك هو اثر من بقايا السياسة العنصرية التي مورست في المدينة ويريد البعض اليوم اعتبارها حاصل نهائي مقبول يقيمون عليه سياساتهم دون العودة الى الضمير والعقل والتاريخ وانصاف الجميع دون أي تميز.


ان مجتمع كركوك السلمي مهدد من قبل هؤلاء وعلى المجتمع الدولي تحمل المسؤولية الأخلاقية كي لا تتحول المدينة الى ساحة قتال وخصام يكون ابناء المدينة اكبر خاسر فيها. ان تاريخ الصدامات العرقية في المدينة مرتبطة بالفكر القومي لمكونات العرقية لابنائها. وهناك حادثتين في التاريخ المعاصر للمدينة تخاصم اهلها باستناد الى المبادئ القومية وتأجيج الحس القومي فيها:
احداها بين المسيحيين من رجال الجيش إبان الانتداب البريطاني مع اهالي كركوك من التوركمان والحادثة الاخرى تعود الى ما يسمى في الأدبيات القومية ب مجزرة كركوك حيث قتل العديد من التوركمان في مناسبة الاحتفالات بتأسيس الجمهورية يوم الرابع عشر من تموز من عام 1959 والايام التي تلتها. كانت من نتائجسها النفسية والتي لا تزال حية في ذاكرة اهل كركوك ذلك العداء الخفي احيانا والمعلن بين ابناء المدينة من الكورد والتوركمان حيث عانى الاكراد من نتائج تلك الحادثة المشئومة كذلك حين اعدم كوكبة من بنائها الغيارى بيد القوميين العرب عام 1963.

ان أي نظام يتمتع باقل درجات الديمقراطية الحقة يمكنها حواريا حل مسالة كركوك دون استخدام العنف والشدة واقتتال الاخوة. اما التركيب الديمغرافي أي السكاني والاثني للمدينة وانتمائها الجغرافي فهو حاصل نهائي ونتيجة مباشرة لقبول جميع الاطراف والاعتراف بخطا الممارسات العنصرية للحكومات العراقية السابقة فيما يخص التغير الديمغرفي للتركيبة السكانية للمدينة من ناحية والتغيرات الادارية لحدود المحافظة ونائج سياسة الانفال وحرق الارض وهدم القرى التوركمانية والكوردية. حيث ان ايجاد قاسم مشترك بين المكونات الاساسية لابناء المدينة ليست بصعبة المنال اذا رفع السياسيون اياديهم عن المدينة ومصيرها. ان تجربة السنوات الخمس الماضية تؤكد وتبرهن على صحة هذه المقولة فأهل المدينة اعرف بشعابها وهم رغم الضغوطات الخارجية والتدخل غير المسؤول تمكنوا بالإبحار بالسفينة معا.


اما التعنت واجبار الطرف الاخر بقبول نتائج السياسة العنصرية للحكومات العراقية المركزية المتعاقبة فهو إعلان حرب على حساب مصير المدينة وابنائها. الأكراد مبدئيا حابوا من اجل كركوك منذ اندلاع شرارة الثورة التحررية الكوردية ولم يحيدوا من مبادئهم معترفين دوما بتركيبة التعددية للمدينة.


التوركمان يعتبرون المدينة حاضرة مركزية وعاصمتهم الروحية والثقافية. العرب من ابناء المدينة الأصليين واعني ممن كانوا في المدينة بان الإحصاء السكاني الذي اجري عام 1957 هم كركوكيين أصلين. أما الوافدين الى المدينة فمعظمهم ضحايا سياسة الحكومة العنصرية عالج الدستور العراقي الجديد مسألتهم في المادة 140 وبالإمكان حل مسألتهم بالتوافق والتراضي بين كافة الأطراف. للمزيد حول احوال المدينة واهلها راجع كتاب الباحث والموسوم quot;كركوك نامهquot; عن دار فيشون ميديا 2006.
كركوك ستبقى مدينة للتسامح والمحبة وقبول الاخر وجنينة ثقافية تعددية، كريمة في عطائها توزع ثرواتها على الجميع.
رغم ان نواقيس الحرب تدق اليوم وتم تقسم احيائها قوميا وعرقيا وطائفيا كل فصيل مستعد متحصن في خندقه في انتظار صوت ازيز الرصاص................
فصبرا جميلا يا اهلي في كركوك.

د. توفيق آلتونجي
السويد