كنا قد أشرنا أكثر من مرة إلى أن من أكبر معوّقات العمل الشيوعي هو هروب أبناء البورجوازية الوضيعة، الذين تلوّنوا بالماركسية وفق مقتضيات الحاجة، هروبهم من تفسير انهيار المعسكر الاشتراكي و quot;النظامquot; الإشتراكي في الإتحاد السوفياتي بعد أن كان قد عبر بنجاح فائق أصعب التجارب والامتحانات قبل أن يتصلّب عوده ويخرج من الحرب العالمية الثانية كأقوى قوة في الأرض. السواد الأعظم من هؤلاء البورجوازيين الوضعاء كانوا وطنيين يتدثرون بمعاطف ماركسية. وها هم اليوم يهربون من وظيفة الماركسيين الأولى وهي تفسير التاريخ، وخاصة انعطافه الحاد بانهيار المعسكر الإشتراكي، يهربون تحت شعارات سخيفة ومضحكة كالقول بالبيروقراطية سبباً للانهيار أو المؤامرة الخارجية. وثمة فئة أخرى من البورجوازية الوضيعة، هي بطبيعتها معادية للإشتراكية لكنها اعتمرت برانيط ماركسية، تزعم اليوم أن مشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية كان ذا وظيفة روسية تاريخية محددة تتمثل بتراكم رأس المال (Capital Accumulation) كأساس لا غنى عنه لإقامة النظام الرأسمالي. فكان أن قام في الإتحاد السوفياتي رأسمالية الدولة، كما كانت قد أفتت العضو القيادي في حزب التجمع المصري السيدة فريدة النقاش، وانتهى ذلك إلى ظهور اقتصاد السوق في روسيا كما يدعي اليوم الكاتب السوري السيد محمد سيد رصاص ويفتي بأن الوريث الشرعي للينين هو بوريس يلتسن وليس خروشتشوف أو أندروبوف، يلتسن الذي أتى باقتصاد السوق !
بمثل هذه التخرصات المتعارضة مع أبسط قوانين العلوم الاقتصادية علل السيد رصاص انهيار المعسكر الإشتراكي دون أن ينتبه إلى ما وقع فيه من تناقض حيث الإنتقال من quot; رأسمالية الدولة quot; إلى ما يسمى ب quot;اقتصاد السوقquot; لا يجوز اعتباره انهياراً طالما أن ذلك لا يقتضي انهياراً في البنى الإقتصادية والسياسية. الإنتقال من رأسمالية الدولة إلى إقتصاد السوق هو نهوض وليس انهياراً. الغطاء الماركسي للقوّالين بالبيروقراطية وبالمؤامرة هو أكثر ستراً مما يستر القوالين برأسمالية الدولة وباقتصاد السوق إذ اقتصر لبوسهم الماركسي على البرانيط، وها هم اليوم يخلعون البرانيط وينتقلون دون حياء أو خجل إلى صفوف أعداء العمال وأعداء الإشتراكية. الشيوعيون سابقاً الذين لم يقرأوا (رأس المال) لماركس تورطوا في مقولات خرقاء تفضح جهالتهم فقالوا برأسمالية الدولة السوفياتية ؛ وجهل السيد رصاص أكثر فقال ب(اقتصاد السوق).
نعود بفريدة النقاش وبسيد رصاص إلى العام 1922 حين اضطر لينين بفعل الدمار الذي حلّ بالصناعات الروسية جرّاء الحرب العالمية الأولى وما تلاها من حرب أهليه وحروب التدخل الإستعمارية وقد استغرقت جميعها تسع سنوات 1913 ـ 1922، اضطر إلى العمل ببرنامج السياسة الاقتصادية الجديدة (NEP) التي اقتضت الخضوع لمفاعيل قانون القيمة الرأسمالية وقوانين العرض والطلب. لكن ذلك لم يمنع لينين من التأكيد على انتصار البروليتاريا والاشتراكية بالرغم من أن النيب مثل بشكل ما انتصاراً محدودا للإقتصاد الرأسمالي، أو خطوة واحدة إلى الخلف بوصف لينين. لو استمر اقتصاد النيب لكان في ما يتفوه به سيد رصاص وفريدة النقاش شيء من الحقيقة ؛ لكن الحزب الشيوعي بقيادة البلاشفة وعلى رأسهم ستالين سرعان ما تخلّى عن اقتصاد النيب ومفاعيله مبكراً في العام (1926) حين استطاعت البروليتاريا السوفياتية من استعادة الصناعة لمستوى عام 1913 قبل الحرب.
نظام الإنتاج الرأسمالي لا ينمو إلا في تربة السوق، والسوق الحرّة بداية ؛ وبدون وجود مثل هذه السوق يموت النظام الرأسمالي مخنوقاً ؛ ولذلك رأينا القرنين التاسع عشر والعشرين حبلى بالحروب الإستعمارية الهادفة إلى توفير الأسواق وإعادة تقسيمها. في النظام السوفياتي لم يكن هناك أي سوق، وهو ما يعني مباشرة القطع التام ما بين السلعة وبين قيمتها الرأسمالية. هذه الحقيقة وحدها تنفي نفياً قاطعاً أي شبهة رأسمالية عن النظام السوفياتي. لا يمكن لأي نظام رأسمالي أن يوفر مختلف الخدمات الأساسية للإنسان وللمجتمع مجاناً وبدون أي مقابل. الخدمات الصحية والطبية بمختلف أنواعها ومستوياتها كانت مجانية تماماً، ومثلها الخدمات التعليمية والثقافية بل كان الطلاب في المدارس والجامعات يتقاضون رواتب شهرية. كما كانت المواد الغذائية كالخبز والألبان واللحوم شبه مجانية ؛ وكانت أجور المساكن رمزية. فكيف والحالة هذه يمكن أن يقال بأن النظام السوفياتي كان رأسمالياً من فئة رأسمالية الدولة؟ كيف يمكن وصف الإقتصاد السوفياتي بالرأسمالي طالما أن الإنتاج بمجمله كان يتم تخصيصه مسبقاُ وقبل أن يتم إنتاجه إلى المؤسسات المختلفة دون بدل أو أثمان؟
ما يمكن أن يؤكده المرء لدى سماع تفوّهات السيد رصاص والسيدة النقاش حول ما سمّياه quot;رأسمالية الدولة السوفياتية quot; هو أن هذين الشخصين كانا قد صرفا حياتهما بغير طائل. قضى كل منهما عمره يناضل ضد عدوّ لا يعرفه، هو النظام الرأسمالي. ليقل لي السيد رصاص أي سيماء مشتركة بين النظام الرأسمالي والنظام السوفياتي ! بل ثمة ما هو أكثر من ذلك فإن هذين المناضلين الإشتراكيين لا يعرفان من الإشتراكية حرفاً واحداً وقد وصما الإشتراكية السوفياتية برأسمالية الدولة ! التحدي الكبير أمامهما هو أن يتعرّفا على النظام الإشتراكي. ما هو النظام الإشتراكي؟ أنا أراهن على أن أيّاً منهما لن يفلح في الإجابة على هذا السؤال. ثم ما الذي كان سوفياتياً ولم يكن اشتراكياً؟ لن يقولا شيئاً آخر غير تلك التفوهات الكاذبة من صناعة ماكنات الإعلام الرأسمالي، أكذوبة البيروقراطية وغياب الديموقراطية. السيد رصاص سخر بداية من المتقولين بغياب الديموقراطية سبباً لانهيار الإتحاد السوفياتي لكنه ما لبث أن عاد ليقول ذات القول ويتحدث عن الحكم المطلق كوسيلة وحيدة لاستكمال عملية تركيم رأس المال. وهنا يحق للمرء أن يتساءل كيف لعالمي الإقتصاد، رصاص والنقاش، اللذين اكتشفا ما لم يكتشفه علماء الاقتصاد الآخرون، كيف لهما أن يظلا مخدوعين طيلة العمر من قبل البلاشفة الروس ظناً منهما أن هؤلاء البلاشفة اشتراكيون وتبين فيما بعد أنهم مؤسسون أمناء للنظام الرأسمالي؟!! وهنا أيضاً يحق للمرء أن يفترض أن رصاص والنقاش هما اليوم مخدوعان وليس أمساً.
السيد رصاص موقن أن النظام السوفياتي كان في مرحلة تراكم رأس المال لأن الحكم كان مطلقاً وعلى أساس الحزب الواحد. جرت القاعدة العامة في أن يستدل أهل العلم على النظام السياسي من خلال العلم بالنظام الإقتصادي حيث أن النظام السياسي هو التابع الأمين للنظام الإقتصادي، لكن السيد رصاص جرى خلافاً للقاعدة العامة واستدل على النظام الإقتصادي من خلال النظام السياسي. واتساقاً مع الاستثناء الوحيد والفريد الذي انتهجه السيد رصاص فالنظام في الاتحاد السوفياتي كان يمكن أن يكون اشتراكياً لو كان هناك حزب واحد على الأقل، عدا الحزب الشيوعي، غير اشتراكي ويناضل بقوة في مقاومة الإشتراكية !!
مثلما يجهل السيد رصاص الرأسمالية والإشتراكية فهو يجهل أيضاً الديموقراطية. ولئن كان مذنباً في جهله بالرأسمالية وبالإشتراكية فإنه غير مذنب في جهله بالديموقراطية إذ كثيرون قبله من شيوعيي البورجوازية الوضيعة وأولهم خروشتشوف كانوا قد قالوا بالحكم المطلق في عهد ستالين وانحرفوا ليؤيدوا تروتسكي فيما كان يزعم. ما كان في الإتحاد السوفياتي هو الديموقراطية الإشتراكية، الديموقراطية التي لا يستطيع البورجوازيون الوضعاء التعرف عليها. إنها الديموقراطية الإشتراكية التي بدونها لا تقوم دولة دكتاتورية البروليتاريا التي بدونها يستحيل أن تكون هناك اشتراكية كما أكّد ماركس. قد يخطئ السيد رصاص ويحتج على استدلالي عن الإشتراكية من خلال دكتاتورية البروليتاريا والرد على مثل هذا الإحتجاج غير السويّ يأتي في نقطتين أولاهما هي أن الإشتراكية ليست نظاماً على الإطلاق كما يسيء الإعتقاد الكثيرون ومنهم شيوعيو البورجوازية الوضيعة ؛ دكتاتورية البروليتاريا تلغي علاقات الإنتاج القائمة دون أن تقيم علاقات إنتاج بديلة، وهذا عمل لا تقوم به إلا دولة دكتاتورية ودكتاتورية البروليتاريا تحديداً. والنقطة الثانية هي أن تعيين البروليتاريا في الحكم يعني مباشرة الإشتراكية، لكن السيد رصاص عين النظام الرأسمالي على يد البلاشفة وليس على يد الرأسماليين، فلو قال البلاشفة الرأسماليين لانتحى اعتراضنا منحىً مختلفاً.
الترهات والأكاذيب التي سوّقتها ماكنات الإعلام البورجوازية والإمبريالية في كل العالم حول الدكتاتورية الفردية لستالين والغياب التام لكل مفردات الديموقراطية، هذه الترهات والأكاذيب أضفى عليها بعضاً من الشرعية والمصداقية البورجوازي الوضيع نيكيتا خروشتشوف وقد أخذ يدين التجربة السوفياتية منذ انشقاق عرّابه الخائن بوخارين وحتى رحيل ستالين في مؤتمرات الحزب العامة، العشرين 56، والواحد والعشرين 59 والثاني والعشرين 61. كل الشيوعيين من البورجوازية الوضيعة اصطفوا وراء خروشتشوف مع التصفيق الحاد والمتواصل من كل أركان الرأسمالية والإمبريالية وماكيناتهم الإعلامية الجبارة في العالم. كل هؤلاء اتفقوا على إدانة طغيان ودكتاتورية ستالين. ما زالت هذه الدعاية السميّة رغم مرور نصف قرن على انتهاء دكتاتورية ستالين والإنفتاح على ديموقراطية خروشتشوف، ما زالت هي بضاعة الطبقة الوسطى والبورجوازية بشقيها الكبير والوضيع حتى قالوا أخيراً أن ضحايا ستالين بلغوا خمسين مليوناً؟! البورجوازيون لن يصدّقوا، رغم كل الحقائق والوقائع، أن هناك ديموقراطية اشتراكية في عهد ستالين أرقى بمراحل كبيرة من الديموقراطية البورجوازية. فمثلا في العام 1952 وحين كان ستالين بأوج عظمته بعد أن حقق نجاحاً باهراً في إعادة إعمار ما هدمته الحرب خلال فترة قياسية 1945- 1950، وبعد أن تم اكتشاف مؤامرة الأطباء اليهود على حياة القادة السوفييت، إقترح ستالين على المكتب السياسي أن يصار إلى تجميع كل اليهود في جمهورية واحدة من جمهوريات الإتحاد السوفياتي، لكن مقترح ستالين لم يحظ بصوت واحد من أعضاء المكتب السياسي للحزب الإثني عشر. تأثر ستالين كثيراً من فشل اقتراحه وعندما نهض لمغادرة الإجتماع وقع مغشيّاً عليه. وبعد أيام استدعى ستالين الكاتب الروائي اليهودي الشيوعي المشهور إيليا أهرنبورغ وطلب إليه أن يصدر بياناً يؤكد فيه أن اللاسامية لا مكان لها في السياسة السوفياتية، لكن أهرنبورغ رفض أن يصدر مثل ذلك البيان رغم إلحاح ستالين. لا أعتقد أن لمثل هذه الديموقراطية المثلى مكاناً في سياسة دول الديموقراطيات البورجوازية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. لن تجد مطبخاً سياسياً فيها يعارض كله وبالإجماع مقترحات رئيس الدولة. أهم القرارات السياسية والإقتصادية كانت تقرر في القواعد سواء كان ذلك في الحزب أم في المعامل والمصانع. بل وصل بهم الأمر إلى حدود مستهجنة حيث كانت القرارات بخصوص العمليات الحربية تؤخذ من قبل القواعد، من الجنود وصف الضباط. وقد انعكس ذلك في اختلالات في بداية الحرب ضد النازية ولم يتوقف بعد إصدار القيادة العامة الأمر اليومي عدة مرات بوقف التصويت على العمليات الحربية. لم يتوقف التصويت على العمليات الحربية للجبهة الجنوبية على البحر الأسود بقيادة فورشيلوف. الفرق بين ديموقراطية ستالين وديموقراطية خروشتشوف هو كالفرق بين ابن ستالين فاسيلي وقد طلب من والده ستالين ثمناً لبذلة اشترى مثلها رفاقه الضباط ورفض ستالين لهذا الطلب بحجة أن الجيش يوفر ملابس جيدة للضباط فيه، وابنة خروشتشوف بالمقابل التي كانت ترسل غسيل عائلتها إلى باريس ليعود إليها بالطائرة مغسولاً ومكويّاً وملفوفاً كما يجب، وكانت تستورد وجبات عائلتها الغذائية من باريس أيضاً؛ بل كالفرق بينها وبين ستالين نفسه الذي لم يجد مشيعوه بذلة مناسبة يلبسها أثناء تشييعه فكان أن تأخر التشييع عن الموعد المقرر حتى تم إرسال بذلته القديمة لرتقها عند الخياط !! يتناسى هؤلاء الكذبة والمخادعون مثل هذه الوقائع لأنهم لو اعترفوا بها لما تمكنوا من معاداة الإشتراكية. والسيد رصاص والسيدة النقاش يعاديان اليوم الإشتراكية دون وعي منهما !
ومن الدلائل القاطعة إلى أن السيد رصاص لم يعرف أو يتعرف على النظام السوفياتي قبل أن يصفه بالنظام الرأسمالي في مرحلة تراكم رأس المال، كما سبق أن وصفته السيدة فريدة النقاش، هو تشبيه النظام السوفياتي بالنظام الناصري بل وبنظام عصابات البعث. لا يجوز بحال من الأحوال تشبيه النظام الرأسمالي في مرحلة تراكم رأس المال بنظام البورجوازية الوطنية في مرحلة التحرر الوطني وفك الإرتباط مع المراكز الرأسمالية الإمبريالية وهو ما كان عليه النظام الناصري. التحرر الوطني وفك الروابط مع المراكز الرأسمالية الإمبريالية في مرحلة الصراع والاستقطاب الثنائي (اشتراكي gt;lt; رأسمالي) في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لم يكن ليسمح لأي دولة من دول العالم الثالث بالانفلات من دائرة الصراع لتبني معزولة نظامها الرأسمالي بعد انقضاء مرحلة تركيم رؤوس الأموال وهو القيد الذي سماه المناضل والمفكر المصري الدكتور سمير أمين بقانون القطيعة الرأسمالية. أما نظام عصابات البعث المتنابذة فهو ليس نظاما وطنياً ولا يستوي مع قواعد أي نظام، باستثناء جماعة الأتاسي ndash; جديد في سوريا 1966 ndash; 1970 التي حاولت جاهدة أن تعيد الأمور إلى مجراها الطبيعي. ففي الثامن من شباط 1963 قامت عصابة بعثية وقومية عسكرية متآمرة متصلة بالاستخبارات الأميركية والبريطانية باغتصاب السلطة من جماعة وطنية بقيادة عبد الكريم قاسم نحت إلى فك الروابط مع مراكز الرأسمالية الإمبريالية. لم يستهدف الإنقلاب أغراضاً وطنية بل استهدف كما ثبت مؤخراً جني الإمتيازات على حساب جماهير الشعب الكادحة. وبالمثل قامت عصابة بعثية عسكرية متآمرة باغتصاب السلطة في سوريا بعد شهر تحديداً في 8 آذار من البورجوازية السورية العريقة بثورتها منذ بداية القرن العشرين. عصابات البعث في سوريا والعراق أزاحت قوى وطنية أكثر عراقة منها وأنفقت معظم الإنتاج القومي على أمن عصابتها فكان أن انتهى كل من سوريا والعراق إلى الكارثة على مسار التنمية. التطور التاريخي لا يسمح بمقارنة النظام السوفياتي بالأنظمة في مصر وفي سوريا والعراق. وكيف يمكن مقارنة النظامين في مصر وسوريا وقد انهزما شر هزيمة مراراً وتكراراً أمام دويلة صغيرة هي إسرائيل بينما قام الاتحاد السوفياتي وحيداً، نعم وحيداً، بسحق ألمانيا النازية المدعومة بكل الموارد المادية والبشرية في القارة الأوروبية، بعد احتلال فرنسا ومجمل القارة الأوروبية وبعد هزيمة بريطانيا في دانكرك؟
العديد من شيوعيي البورجوازية الوضيعة يتجاوزون حدودهم المعرفية فيلووا أعناق الحقائق خدمة لبنائهم نظريات متهالكة لا تقوى على الصمود أمام أدنى محاكمة. محمد سيد رصاص جعل من النظام السوفياتي رأسمالية دولاتية اجترحها أكبر بلشفي في التاريخ، فلاديمير لينين، ليخلفه وريثه الشرعي، بوريس يلتسن، فيقيم quot;إقتصاد السوقquot; ! أي فذلكة استحالت على أولي العلم والألباب أتى بها السيد رصاص !! هكذا، الوريث الشرعي للينين هو يلتسن وليس ستالين أو خروشتشوف أو حتى تروتسكي !! إنه يلتسن الذي انتسب إلى الحزب الشيوعي من أجل الحصول على وظيفة مناسبة، كما اعترف هو نفسه !!
ليس ثمة من شك في أن معلومات السيد رصاص في علوم الإقتصاد في غاية التواضع، ورغم ذلك سمح لنفسه أن يمخر في عباب محيط هادر تكتنفه أخطار شتّى. أبدى جهلاً مطبقاً في الإقتصاد الرأسمالي وجهلاً مماثلاً في طبيعة الإشتراكية وانتهت به الجهالة إلى اعتبار علاقات الإنتاج والمبادلات التجارية الجارية حالياً في روسيا الإتحادية هي من مفاصل ما يسمى ب quot;إقتصاد السوقquot;. لقد اعترف أساطين النظام الرأسمالي قبل نصف قرن أن نظامهم الرأسمالي قد تجاوز منذ أمد مرحلة اقتصاد السوق إذ أن السوق لم تعد حرة في مرحلة الإمبريالية وتنامي التروستات والكارتيلات. الإدارة الكينزية (John Keynes) للإقتصاد والتي تقوم على ضبط السوق وتقييده ضمن حدود معينة كانت قد أصبحت منذ أربعينيات القرن الماضي النهج الوحيد لإطالة عمر النظام الرأسمالي. حاولت مارغريت ثاتشر في بريطانيا ورونالد ريغان في الولايات المتحدة التحرر من قبضة الكينزية وإطلاق العنان لمفاعيل السوق (إقتصاد السوق) لكنهما انتهيا إلى فشل ذريع. إقتصاد السوق أصبح من التاريخ الذي لا يعود.
من المفاجئ حقاً أن تتعالي اليوم صيحة quot;إقتصاد السوقquot; ومن الطبقة الوسطى تحديداً، وهي الطبقة التي لا يعطيها الإقتصاد الرأسمالي حصة ذات شأن في السوق القائمة أصلاً على مفاعيل قانون القيمة الرأسمالية. لذلك بتنا نسمع صيحة أخرى مرافقة لصيحة اقتصاد السوق تقول ب quot;إقتصاد المعرفةquot; بمعنى أن المعرفة (know how) هي العامل الحدي في تحديد قيمة السلعة أو الخدمة وليس جهد العمل (labour-power) كما كان الحال قبل العام 1975. السوق الذي تقيمه الطبقة الوسطى اليوم في العالم كله هي سوق مختلفة تماماً عن السوق الرأسمالية بل والمعارضة لها كل المعارضة. بسبب انهيار المشروع اللينيني من جهة وانتهاء عمر النظام الرأسمالي من جهة أخرى تيسّر للطبقات الوسطى في مختلف بلدان العالم أن تسود مؤقتاً وتقيم سوقاً مصطنعة مزورة يغيب عنها قانون القيمة الرأسمالية غياباً تاماً وتذبح فيها البروليتاريا بالاستنزاف الجائر فتستبدل البضاعة المزورة للطبقة الوسطى، المعرفة، بأكبر قدر ميسور من السلع. وهكذا أخذ العمال يخسرون 80% من قيمة جهدهم المبذول في سوق النصب والاحتيال القائمة اليوم بعد أن كانوا يخسرون 20% فقط في السوق الرأسمالية. سوق اليوم، إذا جاز تسميتها بالسوق، تدمر الإقتصاد ولا تبنيه.
السمة الأبرز لعلاقات الإنتاج والمعاملات التجارية في روسيا اليوم التي وصفها السيد رصاص باقتصاد السوق هي غلاء المعيشة، وهي الأغلى في العالم، يقابله انخفاض في الأجور، وهو الأخفض في العالم أيضاً. مثل هذا التباين لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو أن السلع والخدمات تتم مبادلتها بأضعاف قيمتها وهو ما يعني مباشرة أنه ليس من سوق في روسيا طالما أن القانون النافذ في السوق يحكم بمبادلة السلع بقيمتها.
مسئولية الشيوعيين اليوم هي أعظم منها في أي وقت مضى. انهار المشروع اللينيني تحت ضربات الطبقة الوسطى المتلاحقة، وتفكك النظام الرأسمالي العالمي بفعل تهالك بناه من جهة،ومحاصرته من قبل المعسكر الإشتراكي وقوى التحرر الوطني في العالم من جهة أخرى، فظهر نتيجة ذلك quot;نظامquot; هجين هو نظام الطبقة الوسطى المتنكر لكل القيم الإنسانية عداك عن القيم الرأسمالية، نظام يشكل خطراً داهماً قد يكون ماحقاً على البشرية جمعاء. لذلك تقوم مسئولية الشيوعيين، كونهم الماركسيين ذوي الخبرة المتميزة في قراءة التاريخ وتحديد مساره، في أن يحموا الشعوب من الانخداع بالبضاعة المزورة، بأفكار لا تخدم إلا مشروع الطبقة الوسطى الإجرامي. عليهم قبل كل شيء ألا يكتبوا في مسائل محورية لم يدققوا في حيثياتها كما يكتب اليوم الكثيرون منهم من مثل السيدة فريدة النقاش من مصر والسيد محمد سيد رصاص من سوريا.
فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01
التعليقات