تعرضت المعارضة السورية، في الآونة الأخيرة، لسلسلة من الإخفاقات والانتكاسات ضعضعت في بنيانها، وأثرت في قوتها، تزامن بشكل أساسي، مع إخفاق مشروع الشرق أوسطية، وانهيار الحقبة البوشية برمتها، على ذاك النحو البائس الذي توج بحفلة رجم الأحذية الشهيرة، والتي لا نأخذ منها سوى رمزيتها التي لا يمكن أن تخفى على لبيب، ما عنى، بالمحصلة، خذلاناً لكل المعولين، والمراهنين، على دعم أمريكي فيما يسمى بعملية دمقرطة وإصلاح الشرق الأوسط quot;الخربانquot; والقديم.
وقد شكلت جبهة الخلاص الوطني، التي تمثلت بقيام حلف بدا مبهما وغريباً في حينه، بين نائب الرئيس السوري المنشق السيد عبد الحليم خدام، وجماعة الإخوان المسلمين السورية ممثلة بالأستاذ المحامي علي صدر الدين البيانوني المرشد العام للجماعة السورية، مع إعلان دمشق، رأس الحربة، والجسم الأبرز للمعارضة السورية في السنوات الخمس المضطربة الفائتة التي راهن فيها كثيرون على انهيار وسقوط وشيك للنظام بشكل دراماتيكي مثير، على غرار ما حدث للنظام العراقي، وطرحت هذه القوى نفسها، عند ذاك، كبديل موضوعي وتلقائي للنظام. غير أن الأشرعة الإقليمية سارت، لاحقاً، بما لا تشتهي المعارضة السورية، ومن هنا فقد واجه إعلان دمشق، فيما بعد، ولاسيما بعد انعقاد مجلسه في أوائل شهر ديسمبر من العام 2007، وبسبب مما اعتبره البعض تحولات إيديولوجية جذرية في مساراته وإخفاق بعض القوى الفاعلة فيه في الحصول على أدنى تمثيل انتخابي، جملة من المنعكسات البنيوية والتنظيمية والفكرية، والاصطفافات والافتراقات السياسية والمواقف الوطنية استحدثتها التطورات التي شهدتها المنطقة أدت كلها إلى جملة من الانسحابات، وتجميد للعضوية، ناهيكم عن مثول بعض من رموزه وأعضائه أمام القضاء وحصولهم على بعض الأحكام المخففة، إضافة إلى تلك المتحولات الإستراتيجية الكبرى في المواقف واختلال موازين القوى الإقليمية، وما بدا رجحاناً لمعسكر الممانعة والمقاومة في المنطقة وما أعقبه من عودة قوية ومجلجلة لدمشق إلى الواجهة السياسية والدبلوماسية في المنطقة ومن بابها العريض، اقتصر بعدها نشاط إعلان دمشق على موقع إليكتروني بسيط يجمع ما تيسر من المقالات والبيانات من هنا وهناك، إضافة إلى نشر تحقيقات quot;مدويةquot;، وخبطات صحفية عن حضور مراسل الإعلان مجهول الاسم والهوية والتاريخ السياسي والشخصي للمؤتمرات الإعلامية والثقافية للمخابرات السورية.
واليوم ومع الغزو البربري الوحشي الصهيوني لقطاع غزة، والذي خلق هو الآخر جملة من الاصطفافات والمواقف الجديدة، وخلط كثيراً من الأوراق، وفيما بات يقتصر نشاط جبهة الخلاص الآن على وسيلة إعلامية لم تجد الكثير من الصدى والتفاعل في الداخل السوري لابتعادها إلى حد ما عن المهنية والحياد، وموقعاً إليكترونياً يفتقر للكثير من الدسم الفكري والأداء السياسي الرفيع والوطني الصحيح، تشكل خطوة الإخوان المسلمين الأخيرة، بتعليق كافة أنشطتها المعارضة للنظام، ضربة قاصمة أخرى لجسد المعارضة السورية ووحدتها وكيانها السياسي، باعتبارهم الأعداء الألداء تاريخياً، وإحدى القوى الأكثر فاعلية وتنظيماً وذات تداخلات محلية وإقليمية ودولية لا تخفى على أحد، والتي اتخذت مواقف متشددة من النظام على الدوام. وتعتبر هذه الخطوة، أولاً، وبغض النظر عما رآها البعض كتراجع تكتيكي، ومن خلال التقييم الذاتي والآني لها والذي لا بد وأن ينطوي على قدر من الإيجابية في بعض من جوانبه، إضافة هامة للرصيد الاستراتيجي للنظام أعطته زخماً جديداً وثقة أكبر بالنفس كان يدلل بها كثيراً في إعلامه على صوابية منهجه وموقفه الوطني، ومن دون النظر عما ستثمر، أو تفضي إليه. كما ينظر إليها باعتبارها تحولاً نوعياً بارزاً في موقف الجماعة الدينية، وضعت فيه، ولا شك، الكرة في مرمى النظام، لا يمكن الحكم على ارتداداته الداخلية والإقليمية مرحلياً، إلا بانتظار الخطوة المقابلة من النظام، التي لا نأتي بجديد لو قلنا بأنه قد يقابلها، ولفجائيتها، بشيء من الحساسية والحذر، غير أنه يستحسن استغلالها جيداً، لاسيما وأن النظام الذي يعتبر اليوم، ومن وجهة نظر الكثير من المحللين والمراقبين، في أحسن وأقوى تجلياته، ولن ينظر لذلك، البتة، باعتباره تنازلاً أو ضعفاً بل مكسباً سياسياً لافتاً يصب في أكثر من طاحون ترفد العمل الوطني العام.
إذن، مع انهيار إعلان دمشق على ذاك النحو المعروف، وتشتت قواه، وما يعتبر اليوم، في أحد قراءاته، ولأكثر المتفائلين، انسحاباً غير مباشر، للإخوان المسلمين من المعارضة السورية، يمكن القول، والتساؤل، وبكل طيبة نفس، وبراءة، ماذا تبقى من المعارضة السورية؟
نضال نعيسة
[email protected]
التعليقات