تزف الولايات المتحدة الأميركية اليوم عريسها الجديد، باراك حسين أوباما، إلى البيت الرئاسي، ومع هذه الزفة تدخل تلك البلاد مرحلة تاريخية قد تعادل في حجمها أحداث تاريخية كبرى مثل إعلان الإستقلال عام 1776 او مرحلة إلغاء عبودية السود في عهد ابراهام لنكون، أحد أعظم رؤساء أمريكا (1861-1865) وما نتج عن ذلك من حدث تاريخي آخر لا يقل أهميه وهو الحرب الأهلية التي امتدت أكثر من ثلاث سنوات تركت وراءها الكثير من الدمار.


من أهم اسباب قوة وشموخ بلاد العم سام انها قادرة على التغيير (شعار حملة أوباما الإنتخابية) والذي يعني القدرة على تجديد الذات حسب متطلبات الحقبة التاريخية.


كانت هناك ثلاثة عشر ولاية أمريكية فقط عند التأسيس، جميعها على أو قريبه من الساحل الشرقي لأمريكا على المحيط الأطلسي، انطلق بعدها أولئك المستوطنون البيض، الذين كان معظمهم من أصول أنغلوساكسونية ( مهاجرون من جزربريطانيا وإيرلندا كما نعرفها اليوم) في فتوحات متتالية لم تنتهي إلا في بداية القرن العشرين، تمددت عندها الحدود لتصل للساحل الغربي على المحيط الهادي حيث تطل الولاية الذهبية، كاليفورنيا، وولايات أوريغن وواشنطن وألاسكا. هذا داخل قارة أمريكا الشمالية،بالإضافة الى ولاية هاواي وسط المحيط الهادي وجزر السوموا وغوام وبورتريكو وغيرها مما يعرف بالتخوم الأميركية American territories.


مثل كل الفاتحين والغزاة عبر التاريخ، إرتكب اولئك المستوطنون أعمالا وحشية أثناء سعيهم وراء التوسع، خاصة ضد سكان تلك القارة الأصليين من الهنود الحمر، وكذلك تجاه المكسيكيين الذين خسروا مساحات شاسعة من أراضيهم، تتشكل منها اليوم بعض الولايات الهامة مثل كاليفورنيا وتكساس. وحتى بعد انتهاء غزوات التوسع تلك، كانت أمريكا طرفا رئيسيا في كل صراعات الأرض، إبتداء من الحرب العالمية الأولى وحتى العراق وأفغانستان، مرورا بالحرب العالمية الثانية والحرب الكوريه، وفيتنام، وتشيلي وغرينادا وبنما والكويت والصومال والبوسنة وغيرها.


ومنذ استقلال تلك البلاد، كان نفوذها دوما في صعود مع مرورها كل بضعة عقود بمطبات كبرى مثل الحرب الأهلية ومثل الإنهيار الإقتصادي الكبير عام 1929، والأزمة الإقتصادية الحاليه. إلا ان نظامها السياسي الشديد الوضوح والمبني على المراقبة الذاتية Checks and Balances وذاكرتها الثقافية المبنية على التنوع، كلها عناصر تمنحها القدرة على الإصلاح الذاتي، لتخرج من كل أزمة اقوى مما كانت عليه في كثير من الأحيان.

ومن الأخطاء الكبرى التي ارتكبت في تلك البلاد كان إستعباد الملايين من الأفارقة السود والذين بقوا قرونا في ذيل فسيفساء المجتمع الأميركي سياسيا وإقتصاديا وحتى إجتماعيا، حتى بدأت بوادر حركة التحرر في خمسينات القرن الماضي، ولتبدأ في التحقق بعض من أحلام ابرز قادتها، مارتن لوثر كنغ، من خلال إنتخاب أول رجل أسود رئيسا لأمريكا.


وفي الوقت الذي تجدد أمريكا سياستها وقوانينها الداخليه كل يوم بما يتناسب مع مطالب شعبها، تبدو سياساتها الخارجية ثابتة ومتشابهه، ولا تتغير إلا من خلال ما يملكه الخصم من قوة ونفوذ. انها معادلة القوة في العلاقات الدولية، وليست معادلة الأخلاق وحقوق الإنسان وكل أطروحات مشابهه.

محمد العضاضي