بدءا، لابد من الاعتذار الشديد من الفنان المبدع مصطفى الخاني الذي أدى بجدارة دور النمس في مسلسلة باب الحارة لاستخدامي التسمية في مقالتي هذه، والحق هناك أکثر من سبب دعاني لذلك و سأحاول توضيحه من خلال سياق الحديث.


نمس العراق، هو رجل غلبان قضى شطرا من عمره يبيع الثلج (وهنا لسنا ننکل بالمهنة فکل عمل شريف له قدسيته و حرمته)، و کان يعيش حياة عادية و له قناعة بنصيبه من الدنيا و يؤدي فرائض دينه على أتم وجه ولطالما کان برد الثلج الذي يبيعه ينسيه حر بغداد القائض مثلما کانت الايام التي يبيع خلالها الکثير من الثلج تنسيه تعب اليوم و شقائه.
هذا البائع الغلبان، شاءت الصدف و الاقدار ان يتعرف على أناس منتمين لحزب البعث العربي الاشتراکي، ولکونه لم يمتلك أية خلفية او حصانة فکرية و کان من النوع الذي يمسيه العراقيون(جماعة موافج)أي موافق، فإنه سرعان ماإقتنع بأهداف و شعارات و افکار الحزب و صار عضوا فيه وبات بائع الثلج يحمل هم بيع الثلج بأسرع وقت کي لايذوب وهم المهام الحزبية التي کانوا يکلفونها به الرفاق سيما وان مهمنته و شخصيته تساعدانه کثيرا على انجاز العديد من المهام.


بائعنا الغلبان المسکين هذا، ومثلما أبلي بلائا حسنا في عالم بيع الثلج وصار واحدا من ألمع الوجوه فيه حتى إستحق لقب بائع الثلج بجدارة، فإنه فعل نفس الشئ في عالم السياسة لکن بإختلاف بسيط هو انه کان دوما يمتثل لما يطلب و يؤمر به من دون أن يناقش أبداquot;موافج دائماquot; ولهذا فقد حالفه الحظ إذ رفق بحاله الکثير من مسؤوليه وهو يتدرج سلم الصعود الى قمة الهرم الحزبي، سيما عندما کانوا يدرون کيف يقضي نهاره ببيع الثلج و الدعوة لأفکار و مبادئ الحزب او حتى القيام بمهام حزبية محددة من خلال ذلك.


وذات يوم وفي غفلة من الزمن، وفي مرحلة لاتتسم بأي من الحزم و الحکمة من تأريخ العراق المعاصر، إنسل حزب البعث العربي الاشتراکي وعبر عدة منافذ الى القصر الجمهوري العراقي وقام بإنقلابه المشؤوم في 17تموز/يوليو عام 1968، وبعد عمليات ترتيش و ترقيع و غربلة جرت في يوم 31تموز/يوليو1968، صفى الامر و الجو تماما لحزب البعث العربي الاشتراکي وصارت مقاليد الامور کلها بيديه، يومها لم يکن أمام بائع الثلج الذي وصل الى مکان مرموق في سلم الحزب سوى أن يودع مهنته والى الابد لکنه والحق يقال، انه قد تمسك بإلتزامه الديني ولم يفرط به أمام الدنيا التي إبتسمت بوجهه.


ولأنه کان دوما مطيعا و منفذا لأية أوامر تصدر إليه من الجهة التي تعلوه، فقد إنهالت عليه المناصب و صار يوما رئيس المجلس الزراعي الاعلى و آخرا وزيرا للداخلية، و و و حتى إنتهى به الامر الى ماکان يسمونه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي أو بکلمة أخرى نائب الرئيس الاسبق صدام حسين، ومثلما کان نائب رئيس الجمهورية الکارتوني طه محي الدين معروف ليس له أي عمل يؤديه سوى أن يلاعب اولاد السيد الرئيس، فإن بائع الثلج أو نائب رئيس مجلس قيادة الثورة کان أيضا يؤدي مايملى عليه حرفيا من قبل سيده و مالکه صدام حسين ولعل التفان و الاخلاص غير العاديين اللذين کانا يتسمان به، قد دفع بالرئيس العراقي الاسبق الى الوثوق به رغم أن العراقيين کانوا يتوقعون أن يقود أي کان إنقلابا ضد الرئيس بل وحتى ان تقود زوجة الرئيس بنفسها إنقلابا ضده أما بائع الثلج هذا فلا والف لا!


وتوالت الايام، و صار بائع الثلج السابق من مريدي الطرق الصوفية حيث بات يستقبل صاحب طريقة صوفية و إنشغل بهذا الامر و يبدو ان القائد الضرورة و رمز العراق قد أدرك بحصافته و حذاقته ان إنشغال نائبه(الرمزي)بهکذا أمور يخدم الامن القومي العراقي و حتى العربي والحق أيضا يجب أن نقر بأنه قد أخلص و تفانى في هذا المجال وبرع فيه سيما وانه رجل مؤدي للفرائض الدينية منذ نعومة أظافره.


وذات يوم، إنقلبت الامور و کشحت الدنيا بوجهها عن حزب البعث العربي الاشتراکي في العراق، وصارت قيادة الحزب مطلوبة للعدالة کالمجرمين السابقين ومن بينهم أيضا هذا الغلبان السابق، وقد توقع الکثيرون أن يتم إلقاء القبض عليه او قتله قبل غيره، لکنه فاجئ الجميع بکونه الافضل و الابرع و الاذکى من بين أقرانه في القيادة ولذلك وعند وقوع صدام حسين في قبضة الامريکان و إعدامه فيما بعد، صار بائع الثلج و نائب رئيس مجلس قيادة الثورة و نائب أمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث، أمينا عاما للحزب، لکنه للأسف لم يصبح رئيس مجلس قيادة الثورة لأنه لم يبق شئ بهذا الاسم وحتى لو کان باقيا فإننا نجزم بأن هذا الرجل الوفي و المتفان بخدمة أسياده لم يکن ليجرؤ على أن يسمح لنفسه بحمل صفة رئيس مجلس قيادة الثورة لأنها من الصفات الخالدة لرئيسه و قائده صدام حسين. وصار الامين العام لحزب البعث(العراقي) قائدا للمقاومة العراقية و نبراسا لها لکن، عمله ترکز في إتجاه محدد هو الخبث و الفتنة و التلصص على کل التيارات السياسية في العراق مثلما طفق ينسق و يبرمج خطط تحرير العراق مع أبرع و أهم المنظمات و التجمعات الارهابية و الدموية في العراق، رغم ان کل هذه التنظيمات قد خرجت اساسا من صندوق حزب البعث الذي يعتبر بحق مدرسة و نظرية متعددة الجوانب و الابعاد في عالم القتل و الارهاب و الجريمة المنظمة.


اليوم، هذا الرجل الذي يتخذ من الجحور و الزوايا المظلمة ملاذا و مستقرا له الى حين، ليس امامه أي خيار أو مهنة يحترفها سوى قيادة الفتن و الاضطرابات و الدسائس ودفع الآخرين الى القيام بهجمات إنتحارية تفجيرية رعناء و همجية يذهب ضحيتها المئات من العراقيين الابرياء العزل، وهکذا أيضا وفي غفلة من الزمن الزنيم، صار بائع ثلج الأمس، تاجر موت هذا الزمن و کما قال الرسول الاکرم:(بشر القاتل بالقتل) فإننا نبشر هذا النمس الدموي الهارب من وجه العدالة بشر قتلة في إنتظاره وان هي إلا قضية وقت!