كتبت في السابق مقالات عديدة أشرت فيها الى زيف إدعاءات بعض القادة والمسؤولين الأكراد حول ما يسمى بتوحيد حكومة إقليم كردستان السابقة. وللتذكير فإن حكومة الإقليم التي إنشطرت في عام 1996 وتفرعت عنها حكومتان محليتان في كل من أربيل بقيادة حزب بارزاني، وأخرى في السليمانية بقيادة حزب طالباني قد أعيد توحيدهما عام 2005 بعد إتفاق الحزبين إثر سقوط النظام السابق، وكنت في ذلك الوقت أشك في جدية الحزبين من عملية التوحيد، وقد ظهرت صدقية توقعاتي في السنوات اللاحقة حيث بقيت هذه الحكومة تعاني من إنقسام واضح إنعكست على إدارة شؤونها،وتحدد ذلك الإنقسام بجانبين، الأول عبر الإبقاء على إنقسام الوزارات السيادية على وزارتين ( أصيلة و بديلة )، واحدة في السليمانية وأخرى في أربيل، وهي وزارات ( الداخلية والمالية والبيشمركة) التي فشلت الحكومة السابقة حتى آخر لحظاتها من توحيدهما، حيث أصبحت لكل وزارة في التشكيلة السابقة رديفا لها تحت إسم وزارة الإقليم.
أما الجانب الثاني فقد تمثل في إعطاء الصلاحيات لوكلاء بقية الوزارات بما يوازي صلاحيات الوزير الأصيل.
وهذه الطريقة الغريبة في إدارة شؤون الحكومة التي إنفرد بها الحزبان في كردستان، إن دل على شيء فإنه يدل على عدم ثقة بعضهما ببعض، وهذا ما يستغربه العقل والمنطق السليم، خصوصا إذا عرفنا بأن الحزبين أصبحا متحالفين بموجب توقيع إتفاق إستراتيجي طويل الأمد بينهما، كما أن الواقع هو أنهما كانا يحكمان الإقليم بدون منازع، بالإضافة الى تقاسمهما للحصة الكردية في حكومة بغداد.
قبل يومين أكد رئيس اللجنة القانونية في البرلمان الكردستاني شيروان الحيدري في تصريحات صحفية quot; أن الظروف الحالية تتطلب أن تكون لكل وزارة وكيل للوزير، ولكن هذا الوكيل سوف لن يتمتع في التشكيلة الجديدة بنفس صلاحيات الوزير كما في التشكيلة السابقة quot;؟؟. إذن لقد شهد شاهد من أهلها، فهذا إعتراف صريح بأن الحكومة السابقة كان فيها وزيرين في كل وزارة على رغم الإدعاء بأنها كانت حكومة موحدة؟؟!!.
أنا عن نفسي أعيش في كردستان وأراقب الأوضاع عن كثب، وقد أضطر في كثير من الأحيان مثل بقية المواطنين الى مراجعة دوائر الدولة، وهذا بالإضافة الى أنه بحكم عملي الصحفي ألتقي الكثير من الوزراء والمسؤولين، وبذلك فقد عاينت بنفسي وجود هوة واسعة بين الحزبين في مسألة إدارة شؤون الوزارات السابقة.
فمن العجائب التي رأيتها خلال التشكيلة السابقة، هي أن الوزير الأصيل الذي يفترض أنه وزير للإقليم ككل إذا كان من حزب طالباني فإن قراراته وأوامره تنفذ فقط في حدود مناطق نفوذ الإتحاد الوطني في السليمانية، فيما كان وكيله يقرر شؤون المناطق الخاضعة لحزب بارزاني في مدينتي أربيل ودهوك، بالعربي الفصحيح، لم يكن هناك أي إحترام لأوامر الوزير الديمقراطي في حدود مناطق الإتحاد الوطني، كما لم تكن قرارات وزير الإتحادي تمشي في مناطق نفوذ الديمقراطي. وبذا لا أدري عن أي توحيد للحكومة كانوا يتحدثون ويحاولون خداع الناس به؟؟!!.
على كل حال ننتظر أن لا تتكرر تلك التجارب المريرة والفاشلة في حكومة الإقليم الجديدة التي يفترض أن تنال الثقة البرلمانية يوم غد، فمع إشفاقنا على الحمل الكبير الذي سيوضع على عاتق برهم صالح في قادم أيامه، والصعوبات التي ستواجهه لإصلاح كل هذه المفاسد الإدارية، الى جانب التركة الثقيلة من السلبيات التي رافقت عمل التشكيلة السابقة في مقدمتها مسألة معالجة الفساد الإداري والمالي، أو على الأقل التخفيف من وطأته، ولكني أرى بأن تكرار تلك التجارب الإدارية الفاشلة سيودي بكل جهود الإصلاح الإداري الذي ألزم برهم صالح نفسه به.
و من الضروري أن نشير بهذه المناسبة الى أن شعب كردستان ينتظر الكثير من الحكومة القادمة،وخصوصا من شخص برهم صالح الذي أثبت خلال السنوات الماضية مقدرة وكفاءة عالية في إدارة شؤون الحكومة سواء حين كان في السليمانية أو عندما ذهب الى بغداد. كما أن برهم ملزم بتنفيذ برنامج القائمة الكردستانية التي طرفاها الإتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني أي الحزبان الحاكمان، وأنه بموجب ذلك البرنامج الإنتخابي حصل الحزبان على النسبة التي تؤهلهما لتشكيل الحكومة على الرغم من ظهور تهديدات المعارضة في الإنتخابات الأخيرة، مما يفرض على قيادة الحزبين أن تقدما الدعم الكامل لرئيس الحكومة الجديدة في سبيل الإيفاء بتلك الإلتزامات من جهة، وإطلاق يده في عملية الإصلاح الإداري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وترميم ما يمكن ترميمه.
أنا أعتقد بأن أكبر مشكلة تواجه إدارة الحكومة بكردستان تنحصر في تكريس هذا التقسيم الغريب للسلطة المحلية بين الحزبين، فحتى الوفود الأجنبية أو غيرها من التي تزور كردستان إعتادت على زيارة مزدوجة لكل من مقر قيادة الحزبين في أربيل والسليمانية، وأعتقد أن بعض تلك الوفود كانت ترغم على ذلك وكأن دين أعضائها لن يكتمل إلا بزيارة المدينتين؟؟!!..
في الختام أعتقد بأن هناك حاجة فعلية لإحداث التغيير في صيغة الإدارة القادمة لحكومة الإقليم، لكي يشعر المواطن الكردستاني فعلا بوحدة الحكومة في إداراتها وقراراتها، عندها ستستعيد حكومة الإقليم بإعتقادي هيبتها المفقودة في الداخل والخارج..
التعليقات