في الوقت الذي يدير أبناء لغة الضاد ظهورهم للغتهم الكريمة ويولونها ما لا تستحقه من إهمال وتفريط بل ويفخرون ويتبجحون بالتشدق بغيرها من اللغات الأجنبية يثبت لنا عشاقها من غير العرب - المرة تلو الأخرى - بأنها إليهم أعزّ وأقدس فيحتفون بها ويكرمونها أيَّما احتفاء وإكرام.


فقد أقام قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة سومطرة الشمالية وبالتعاون مع اتحاد مدرسي اللغة العربية في أندونيسيا مؤتمراً متميزاً للغة العربية تحت عنوان quot;اللغة العربية من المنظور الثقافي والاجتماعيquot; على مدى ثلاثة أيام من الثاني عشر إلى الرابع عشر من شهر تشرين الأول\ أكتوبر الجاري.


وقد حظي المؤتمر باهتمام بالغ من قبل الحكومة الأندونيسية حيث رعاه كل من وزير الشؤون الدينية والمدير العام للتعليم العالي بوزارة التربية الوطنية في أندونيسيا، وحضره جمهرة من الباحثين والأكاديميين من مختلف الجامعات حول العالم، وتمت مناقشة قرابة التسعين بحثاً حول اللغة العربية وآدابها والطرق المثلى لتعلّمها وتعليمها والسبل الواجب اتخاذها لحمايتها والحفاظ عليها. وقد كتبت تلك البحوث في لغات ثلاث وهي اللغة العربية واللغة الأندونيسية واللغة الإنكليزية وطُبعت في كتاب من مجلدين كبيرين.


وتركزت بحوث ونقاشات المؤتمر حول محاور أساسية أربعة وهي:


اللغة العربية كوسيلة للتفاهم عبر الثقافات قديماً وحديثاً
استراتيجيات تطوير طرق تعلم وتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
إساهمات اللغة العربية في رفد الحضارة البشرية في العصر الحديث
أثر التطورات العالمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية في صيانة وانتشار اللغة العربية.

وقد جرت الكثير من النقاشات الرصينة والموضوعية في أروقة المؤتمر وعلى هامشه عكست الرغبة الجادة والحقيقية من قبل الدولة المضيفة - حكومة وشعباً - في خدمة لغة القرآن الكريم وتكريمها. وقد دعى حاكم ولاية جزيرة سومطرة المؤتمرين إلى وليمة في بيته تعبيراً عن اعتزازه بهم وبلغتهم الكريمة رغم انشغاله بالمشاكل الكثيرة الناجمة عن الزلزال الذي ضرب الجزيرة قبل بضعة أيام من انعقاد المؤتمر.


وقد خرج المؤتمرون بجملة من التوصيات تضمَّنها بيانهم الختامي، ومنها:

ضرورة صياغة المعايير العالمية لقياس الكفاءة اللغوية لدارسي اللغة العربية في جميع المستويات
توسيع دائرة تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها خصوصاً في الدول الإسلامية واعتماد طرق التدريس الحديثة في ذلك
التأكيد على العمل المشترك بين الأفراد والمؤسسات والهيئات الدولية والوطنية من جامعات ومعاهد تربوية وتعليمية من أجل ابراز أهمية اللغة العربية في حياة الفرد المسلم
الاستمرار في عقد المؤتمرات والندوات العلمية حول اللغة العربية في الدول العربية والإسلامية
ضرورة إقامة اتفاقيات شراكة بين مختلف الجامعات التي تهتم بتعليم اللغة العربية وآدابها لغير الناطقين بها عن طريق إرسال وتبادل البعثات الطلابية وأعضاء الهيئات التدريسية بهدف إكتساب اللغة وإنجاز الدراسات والبحوث الميدانية التي تساهم في تطوير وتحسين مناهج تعليم اللغة العربية وآدابها
ضرورة الاهتمام بوسائل الاتصال المتعددة واستعمالها استعمالاً جاداًً من أجل تسريع وتسهيل عملية التواصل بين العلماء والمتخصصين في اللغة العربية وآدابها في مختلف أنحاء المعمورة ونشر البحوث المنجزة من قبلهم على شبكة المعلومات والمجلات العلمية المحكَّمة لتعميم الفائدة وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال
ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات والفروق الثقافية والحضارية بين الشعوب العربية والإسلامية لتحقيق التفاهم المتبادل والحياة الأفضل والتعايش السلمي.

وعلى الرغم من الإمكانيات المادية المتواضعة للقائمين على هذا المؤتمر فقد شكَّل تظاهرة رائعة يشكرون عليها ووضع المشاركين فيه من أبناء لغة الضاد - وأنا أحدهم - أمام تساؤل صارخ وهو: مالذي قدمناه من جهود لصيانة لغتنا العظيمة فضلاً عن نشرها وترويج فضائلها؟ وكيف يمكننا إشباع نهم هذه العيون المتطلعة نحونا واضعة فينا كل الأمل في حماية لغة القرآن وتعليمها لعشقاها من الناطقين بغيرها؟