عمد مجلس النواب التركي أخيراً إلى مناقشة القضية الكردية في جلسة خاصة. كانت هذه الجلسة مناسبة لكي يبرز كل من حزب الشعب الجمهوري(CHP) وحزب الحركة القومية المتطرف(MHP) فكرهما المعادي لهوية وحقوق الشعب الكردي ورفضهما لأي إعتراف، ولو كان جزئياً، بالوجود الكردي في البلاد. أما حزب العدالة والتنمية الحاكم فهو الآخر لديه برنامجه الرافض للحق الكردي. برنامج الحزب الحاكم يقوم على المماطلة والتسويف وتقديم بعض الخطوات الخجولة للرأي العام وتصويرها على إنها إصلاحات كبيرة وخروقات هائلة في مجال الاعتراف بالكرد ومنحهم حقوقهم. الحقيقة إن الحزب الحاكم يخطط لإهمال الحقوق الرئيسية للكرد في البلاد وعدم قبولها أو الإعتراف بها في المدى المنظور على الأقل. الحزب الحاكم اطلق وعوداً معسولة ولم يقم بأي خطوة ملموسة على طريق الحل والتسوية.

الحكومات التركية المتعاقبة رفضت حل القضية الكردية وإستمرت في الإشارة إلى quot; الدولة الواحدةquot; وquot; حساسية الشعب التركيquot; وquot; رفض النزعات الإنفصاليةquot;. الشيء الواضح الآن بان حزب العدالة والتنمية سيستمر على السياسة الحالية إلى حين موعد الإنتخابات البرلمانية في 2011، وسيعمل على توسيع الحربين العسكرية والنفسية ضد حركة التحرر الكردستانية. حتى موعد الإنتخابات البرلمانية القادمة فإن الحزب الحاكم قرر اطلاق الوعود والتصريحات التي تتعهد بالحل، وتصوّيرها وكأنها quot;خطوات جبارة تهدف لحل القضية الكردية وإغلاق هذا الملف بشكل نهائيquot;. أما حزبا الشعب الجمهوري والحركة القومية فهما يصوّران اي quot; حلحلةquot; في القضية الكردية وكأنها quot;مؤامرة كبيرة ضد تركياquot; وquot; نصر لحزب العمال الكردستانيquot;. وهذان الحزبان يغذيان الشعور القوموي والعنصرية البغيضة وسط الجماهير في البلاد ويربطان بقائهما ببقاء القضية الكردية دون حل. عدم الإعتراف بالكرد وإبقاء سياسة الحرب والإنكار، هي بالنسبة لهذين الحزبين معركة حياة أو موت. الأحزاب السياسية في تركيا من تلك التي رفضت حل القضية الكردية وراهنت على الحرب والحسم العسكري فقدت رصيدها الجماهيري وإندحرت وزالت من الوجود. وهذا المصير يهدد حزب العدالة والتنمية الحاكم إذما هو أصر على ابقاء القضية الكردية دون حل وإكتفى بمجرد اللف والدوران حولها.

ثمة كذلك شيء جدير بالملاحظة وهو ان الحكومة التركية لم تعد قادرة على سحب ملف القضية الكردية من التداول، او الرجوع إلى الوراء. هناك تغيير شامل يطال السياسة الداخلية التركية الآن. ثمة تصدع لكل القيم الشمولية وسياسة الإنكار فيما يخص الشعب الكردي. تركيا الآن تتعرض إلى ضغط كبير، داخلي: مرده قوّة نضال حزب العمال الكردستاني وإمساكه بزمام المبادرة والسياسة في عموم كردستان، وخارجي: يتمثل في الضغوط الدولية والتغييرات الكبيرة والمساعي إلى عضوية النادي الأوروبي.

النقاش الدائر في تركيا الآن حول القضية الكردية وكيفية حلها يكشف عن السياسة الرسمية التي مارستها الدولة حيال الكرد وهويتهم منذ 86 عاماً. الآن تنكشف السياسة التي مورست حيال الكرد والعلويين في البلاد. ثمة الآن نقاش حام يدور حول quot;التابوهاتquot; في الدولة التركية. حول quot; الدولةquot; وquot; الجيشquot; وquot; مصطفى كمال أتاتوركquot; وquot; المذابح التي تعرض لها الكرد في ديار بكر وديرسمquot;. نضال الشعب الكردي ومقاومته دفعا إلى التوقف عند هذه quot; الرموزquot; والعودة إلى دورها الحقيقي في تاريخ البلاد. بفضل حراك النضال الكردي فإن وجه تركيا يتغير من الشمولي الواحد إلى الديمقراطي التعددي.

ذهنية الرفض والإنكار، اي الذهنية العنصرية، هي السبب في المشاكل المزمنة التي تعاني منها تركيا. هذه الذهنية التي توطدت منذ عمر الجمهورية الحديثة في مؤسسات الدولة هي التي تعيق أي تقدم حقيقي في الديمقراطية وفي حل القضية الكردية الآن.

لقد نجح حزب العمال الكردستاني منذ إنطلاقته قبل اثنين وثلاثين عاماً في إحداث تغيير كبير في الحياة السياسية التركية. لقد كشف عن كل المشاكل وأشار إليها وخاض فيها وطالب بحلها. لقد تحدث الكردستاني عن المذابح التي حاقت بالكرد وبالعلويين والأرمن ودعى إلى مناقشتها بكل شجاعة ومعالجة آثارها. لقد قام الكردستاني بتصدير القضية الأهم في تركيا وهي quot; القضية الكرديةquot; وخاض من أجل حلها صراعاً طويلاً. لقد أنكرت الدولة التركية الكرد ونفت وجود قضية لديهم، ولكنها عادت الآن واعترفت بوجود قضية كردية، وقال عنها عبدالله غول رئيس الجمهورية بأنها quot; أهم وأكبر قضية في تركيا وينبغي حلها الآن قبل أي وقت قادمquot;. بفضل حزب العمال الكردستاني تعرف الشعب التركي على أهم المشاكل الموجودة في بلاده، وبدأت قواه الديمقراطية تناقشها، جنباً بجنب مع القوى الكردية.

هناك اليوم من يهدد الشعب الكردي بإرتكاب مذبحة جديدة مثل مذبحة ديرسم التي أرتكبتها الدولة التركية ضد العلويين الكرد عام 1937. ولعل نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري quot; أونور أويمنquot; كان صريحاً وكشف عن وجه حزبه الحقيقي حينما قال بأن quot;قمع العصاة في دياربكر وديرسم كان في صالح وحدة تركياquot;. لذلك فإن الكرد وطليعتهم السياسة والعسكرية حزب العمال الكردستاني يعلمون حقيقة ذهنية الإنكار والحرب هذه، وهم لها بالمرصاد. حزب العمال الكردستاني عندما يلوح بغصن الزيتون بيد، تكون يده الأخرى ممسكة بالبندقية، مستعدة ومتحفزة لأي حركة غدر..


صحفي كردي