مقدمة :
* Change does not cause pain; resistance to change is what causes pain*
quot; التغيير لايسبّب الألم ، مقاومة التغيير هو المُسبّب للألم quot;
لتجنب التعميم أودُ التوضيح بداية بأن الموضوع يتناول أهمية بناء العلاقة الأستراتيجية بين القوى العربية والكردية في العراق بعد أنسحاب القوات القتالية الأمريكية بنهايةعام 2010 . وخيار العراق في بناء تحالف الأستراتيجي خارجي يتناسب مع وضعه ، واهمية التفكير الاستراتيجي بأن أي حرب مستقبلية في المنطقة يجب أن لا تشمل العراق . وسأشير بأقتضاب في هذا المقال الى فلسفة العقيدة العسكرية العراقية الخاطئة في تجنب التحالف مع دول عربية أو أجنبية للحفاظ على مصالحه الحرة ، والتطرق الى العقبات التي أثرتْ وقد تُؤثر على أستقراره نظراً لعدم فهم القيادات العراقية السابقة والحالية لحالة التوتر الداخلي من جهة وتدخل دور الجوار في شؤونه ، بشكل أو بأخر ، من جهة أخرى.


طبيعة العلاقة الأستراتيجية بين العرب وألأكراد
متى تُدرك القيادات العراقية بعض دروس التاريخ ؟ في مجتمع تسود فيه حالة أضطراب سياسي وشكوك في النوايا وتطغي عليه تاريخياً صفة العشائرية العربية والكردية ، وأرتجال القرارت الفردية والحلول المُجزءة ، لابد من التفكير في كيفية سد الفراغ ألأستراتيجي وتقديم خطة بديلة تحليلية نقدية تتعلق بأستراتيجية الحكومة العراقية القادمة لوضع لمسات الأستقرار في العراق كي لايقع ثانية ، ضحية لحرب أقليمية أو تحريض طائفي.
في الجزئين السياسي والعسكري ، العراق ولايرتبط ، منذ سقوط الملكية الهاشمية عام 1958 ، بأي معاهدات للدفاع المشترك ، أو الشراكة الأقليمية للدفاع المشترك والتنسيق العسكري على الصعيد الاستراتيجي مع أي من الدول ، أخذين في ألأعتبار أن مجلس التعاون والدفاع المشترك للجامعة العربية ليس له قيمة أستراتيجية كما يعرف الجميع . ويتفق المحللون بأن العراق ، على عكس كثير من الدول ، رغم حاجته ، لا يمتلك علاقة تحالف مع أي دولة ، ولاتنص عقيدته العسكرية على علاقات تحالف أستراتيجية متينة وبالأخص العسكرية منها مع أي من دول الجوار المحيطة به. فما هو المنطق والتفكير العسكري والسياسي السائد بالنسبة لهذه الثغرة الأستراتيجية الضخمة؟

وكدولة غير مستقرة تتجاذبها أمواج من الاختبارات والخيارات السياسية ، فأن القيادات العراقية والأستشارية العسكرية منها كانت في أدنى أدراكها لأهمية التحالف الأستراتيجي . فهي محلية التفكير ومازالت تعيش في معسكرات الأعتقال الفكري ، ومدفوعة بأهواء القيادات السياسية أو العشائرية العليا ورغباتها في خلق رؤيا الدفاع الاستراتيجي العسكري الأقليمي للعراق ، فلم يصل التفكير أو بالأحرى التخطيط لرؤيا الدفاع الاستراتيجي العسكري الأقليمي للعراق أو أمور التحالف والتنسيق الأستراتيجي مع دول عريقة في هذا الحقل وأهميته في تنسيق المصالح معها و وضع خطط دفاعية لردع الأخطار . أن التفكير القيادي العسكري والسياسي لم يتجاوز أكثر من توقيع عقود لشراء أسلحة وتدريب أفراد تدخل في حيز ضيق جداً في مجال التعاون والصفقات العسكرية ، كما كان الحال مع روسيا ، الصين ، وفرنسا . كما لا توجد دراسة فنية تفصيلية متخصصة (عربية أو كردية) لمنافع التحالف الأستراتيجي وفوائده في تخفيض الميزانية العسكرية والتخفيف عن كاهل جزء كبير من القطعات العسكرية بتقسيم مسؤولية عمل الوحدات الجوية والأرضية والبحرية مع دول وفق مبدأ المشاركة والتحالف الأقليمي.


وعراق الستينات من القرن الماضي فشل تماماً في الدخول في تعاقد عضوي لحلف عسكري أستراتيجي يُذكر ، كما تم رفض مشاركته في دول مجلس التعاون الخليجي أو قبوله فيها قبل وبعد مغامرات الحروب الأقليمية الصدامية المؤسفة.
لقد تجاوزت دول المنطقة ، العراق ، في فهمها لمبدأ التحالف وبقيّ العراق ودول خاملة أخرى كأيران و سوريا ، دولاً متخلفة في فهمها الأستراتيجي العام ، فدولة عُمان لها تحالف مع بريطانيا و الكويت مع الولايات المتحدة ، والمملكة السعودية تحميها مظلة جوية من طائرات التوجيه الراداري والأنذار المبكرE-3 أي واكس ، لحماية مصالحها النفطية ومراقبة خطوط مواصلاتها البحرية منذ أواخر السبعينات ، والبحرين أصبحت مقراً للأسطول الخامس ألأمريكي في الخليج العربي وبحر عُمان ، علماً أن الدول المذكورة كمثال ، ترتبط بمعاهدة دفاع مشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي . كما أن مصر وتركيا والمغرب ودول الخليج ترتبط مع الولايات المتحدة بأتفاقيات عسكرية تُلزمها بتدريب ضباطها في معاهد واكاديميات جوية وبحرية أمريكية وتتنافس على كسب تأييدها العسكري والتنسيق معها في فعاليات أستراتيجية ومناورات موسمية لامجال في شرحها هنا .


أن العقيدة العسكرية العراقية فقدت منذ الستينات من القرن الماضي الكثير من المفاهيم العسكرية الحديثة لمنافع التحالف العسكري ، الأمر الذي شكّلَ صعوبات عملية جمة لمشاركة وحدات قتالية فعالة حليفة في عمليات عسكرية ولوجستيكية ، علماً بأن العراق شمالاً وجنوباً ليس له عمق أستراتيجي للأمدادات والتموين دون وجود مثل هذا التحالف كما يعرف ذلك الكثير من القادة العسكريين الذين شاركوا في عدد من المغامرات العسكرية الطائشة التي أرتكبتها القيادات العراقية للستين سنة الاخيرة الى حاضرنا .

ماهي خطة التحالف الأستراتيجي للعراق مستقبلاً ؟
كلمة الرئيس أوباما في الكلية العسكرية الأمريكية في وست بوينت يوم 25 نوفمبر تشرين الثاني 2009 أوضحتْ جوانب أستراتيجية للقيادة الأمريكية بارسال 30 ألف جندي لدعم القوات الأمريكية بأن التركيز القتالي في أفغانستان هو هدف السنوات القادمة ، كما وضعَ أستراتيجية الأنسحاب من العراق وأمله بأن العراقيين سيبدؤون العمل لبناء مستقبل بلدهم .


الملاحظ بأن عدد غير قليل من قادة العراق الجدد كانوا قد أرتكبوا أخطاءاً تكتيكية في أدارة البلاد ولم يدخلوا في أعتباراتهم دروساً وعبراً تاريخية عن قيمة التحالف الاستراتيجي المُلزم ، رغم تحذيرات العديد من القادة السياسيين والسفراء والخبراء العسكريين من الذين شاركوا في قوات التحالف الدولي وأنذروا بالخطر الخارجي الذي يحيط حدود العراق من كل جانب . وبلا أي شك ، فقد لعبت تيارات القوى المُؤثرة في العراق وما تملكه من مليشيات داخل هيكل الدولة أدواراً وضغوطاً سلبية ساهمت في ضعف مقاومة الأرهاب من الداخل وأبتعاد التفكير عن ضرورة تحالف العراق الخارجي مع دول يختارها على ضوء مصالحه وأمنه القومي .
وتؤكد بحوث معاهد الدفاع والأكاديميات العسكرية التي تُدرّسُ فيها نظريات الحرب والتحالفات الدفاعية وطرق مقاومة الأرهاب ، حقيقة مذهلة عن العراق ، فمثلاً ، أن محاربة الدول للإرهاب من الداخل لم يكن من أجل المصلحة الوطنية العراقية العليا بقدر ماكان هدفه تصفية الخصوم والأنتقام الأمر الذي أدى الى أستمرارية أعمال الأرهاب والتفجير وغموض مسالكه وطرق تمويل القائمين به ، وهي بطبيعة الحال أطراف متعددة بالأضافة الى تنظيم القاعدة .
وقد دفع العراقيون ثمناً غالياً لعدم تحكم القيادة وسيطرتها على الموقف كلياً بالقضاء السريع على شبكات الأرهاب في الداخل . ولن يكون مستغرباً أن يدفع البعض ثمن باهض آخر أذا أستمرتْ قوى عراقية تصفية بعضها البعض بعد الأنتخابات التشريعية القادمة في 2010 لعدم فهمهم الخارطة العراقية السكانية من الناحية الجيوبولتيكية . وما أصح المثل القائل :
While seeking revenge, dig two graves hellip;.One for yourself.
عند أتخاذك قرار بالأنتقام .....أحفر قبران ، أحدهما لنفسك .


لقد ساد العلاقة الأستراتيجية بين العرب وألأكراد خليط من المفاهيم السياسية الدستورية التي كانت تعبيراً عن الخوف القومي من القومية الأخرى ، وبالأخص بعد الأضطهاد والعنف التركي والعراقي ضد الأكراد وتدخل أيران في أمداد المليشيات بالسلاح والتدريب وتخوف القيادات الوطنية السنية من توظيف جهدها لتعبئة الروح الوطنية . وبمجئ القيادة العراقية الجديدة الى السلطة عام 2003 وحلّ هيكل القوات العراقية المُسلحة وتسريحها ، بدأت طريقة عمل جديدة في تدريب وتوزيع وتسليح القوات العراقية بوجود قوات أمنية أجنبية وبقاء مليشيات طائفية محلية دون أيجاد بدائل لتجريدها من السلاح وضم من يتم تصنيفه منها الى الملاكات العسكرية المهنية حسب الكفاءة . ومما زاد في تعقيد مهمة القبول بوضع خطط سيادية لأستراتيجية التحالف أن العراق فقد الكثير من كوادره العسكرية ذات الخبرة والمعرفة بشؤون العلاقات الدولية ، أضف الى ذلك النزاع السياسي النفسي للمؤيدون لمبدأ التحالف وأمكانية نعتهم وصفهم بالعمالة والمترددين والانتهازيين وأمكانية وصفهم بالخونة ، فذلك ما حصل قبل وبعد توقيع الأتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة .
التحالف العسكري المشترك والسيادة الوطنية

متى تُدرك القيادات العراقية وتتعلم من دروس التاريخ دون أي تشنج أن التحالف العسكري ليس مقابلات وتصريحات بأهميته عند حضور وزير أمريكي أو مسؤول عسكري صيني ؟ تركيا الدولة العثمانية quot; الرجل المريضquot; لم تَعد الى سابق مجدها وبأسها وتقدمها وأزدهارها وأستقرارها ، أِلا بعد تحالفها الذكي مع الولايات المتحدة . فتاريخياً ، بعد أفول الدولة العثمانية وسقوط تركيا quot; الرجل المريض quot; عام 1918 لم تستعيد تركيا العلمانية بأسها وقوتها العسكرية في المنطقة أِلا بعد أن رمت نفسها في تحالف مصلحي وطني مع أعدائها التقليديين ، الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي . ودون الأسهاب في تفاصيل مملة ، يتخرج ضباط أتراك من معاهد وأكاديميات عسكرية جوية وبحرية أمريكية منذ أكثر من 30 سنة ، كما أن تركيا لاترى بوجود القواعد الجوية الأمريكية ضرراً يمس سيادتها الأقليمية الوطنية على أراضيها ، بل تعتبرها عنصر قوة وحماية .
مفاهيم التحالفات العسكرية وتقاليدها جرى عليها تغييرات تتعلق بنشوء الديقراطيات الحديثة ، وبدأ المفهوم الأستراتيجي للتحالف يتمتع بتقييم جديد لخلق مجتمعات من الأمم لها حقوق وعلاقات دائمية مبنية بصلابة على قيم وأهتمامات ومصالح مشتركة وحماية القانون ، وذلك بسبب تحديات الأرهاب وأنتشاره وطابع التحول السريع داخل كيانات الدول . وأظن أنهُ من المعقول أن يكون هدف العراق للسنوات العشر القادمة خلق مثل هذا التحالف أذا لم تتمكن منا أو تفسده ، عنصريات قومية أو تخديرات فتاوى أسلامية .


في مقال نشرته مجلة الدراسات الأستراتيجية SSQ في عدد الخريف 2009 للجنرال الألماني كلاوس نيومان بعنوان ( الأمن بدون الولايات المتحدة )
Security without the United States أبدي فيه الجنرال (مخاوف أوروبا وحلف الناتو من الأهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط وأسيا قبل أن نقرر (نحن الأوبيون ) كيفية صيانة وحماية أستقرار أوروبا ، وقبل أن نعرف فيما أذا كنا سننجح في ذلك ). هذا هو التفكير الأستراتيجي للتحالف ومغزاه العميق .
وتلعب الولايات المتحدة منذ بداية القرن الماضي الدور المباشر في تمتين مبدأ quot; الشراكة من أجل الأمريكيتين quot; quot; التحالف الأوربي quot; وتحالف القيادة الأمريكية مع القارة الأفريقية quot; ، وتؤكد عن طريق لجان عسكرية ومدنية على أهمية التحالف المشترك بين دول أمريكا اللاتينية للسير في طريق التنمية وتعضيد الأهداف المشتركة والحماية . ولاتشترك الولايات المتحدة رغم جبروتها العسكري والنووي في أي حرب تقليدية دون حلفائها . بكلمة أخرى ، ومنذ الحربين العالميتين الأولى والثانية ، وحرب فيتنام وكوسوفو وأفغانستان والعراق لم تخض الولايات المتحدة أي حرب دون اللجوء الى مشاركة دولية مع قوى التحالف لأنجاز المهام بالعمل المشترك .
ويوماً بعد يوم تُدرك دول عديدة أهمية الدخول في تحالف حقيقي مصلحي مع الولايات المتحدة بالذات ، وتسهم في خلق تحالف أقليمي لدولها ونصوص بنودها أحترام السيادة الوطنية كي لاتكون دول مسلوبة السيادة ويسودها الفوضى العنصرية أو الدينية .


التحالف الاستراتيجي العسكري والسياسي في عالم اليوم لايعني مطلقاً فقدان السيادة الوطنية الأقليمية . أنه العقيدة العسكرية التقليدية للقوات المسلحة التي لاتخضع الى طباع وميول ورغبات رئيس أو حزب أو عادات عشائرية موروثة, وتتضمن في فصولها مبادئ أحترام الأطراف وفهم عميق للجغرافية السياسية
والقيم المجتمعية للبلاد وبرؤية مستقلة لوسائل الدفاع المشترك مع حلفاء لهم نفس الاهداف وتكفل مصالح ألأعضاء والأطراف المشتركة وتضمن سلامة أراضيها ومواطنيها من الأخطار وحماية كيان الدولة من التقسيم والتلاشي والأنقراض . وهناك أمثلة عديدة على نجاح أستراتيجية التحالف وأحترام الحقوق العامة للأفراد والدولة .
أن مايعيق العراق من بناء أستراتيجية موحدة لحماية أقليمه الهش هو عدم القدرة على تنظيم ودمج الجهود مع جميع عناصر القوة الوطنية ونيتها الفعلية في وضع صيغة التحالف المطلوب. ويعود التلكؤ العراقي في الدخول في تحالفات أستراتيجية مع دول أجنبية الى الصراع الداخلي وفوضى الأفكار بين الحكومة المركزية وحكومة الأقليم وصعوبة الوصول الى أتفاقات دستورية بشأنها صلاحيات ونصوص ، الأمر الذي دفع بالعلاقة الى الواجهة والمواجهة رافقها حملات أعلامية وتصريحات عنصرية وتحالفات بين مكونات داخلية أدت ، وقد تؤدي من جديد ، الى تفاقم الخطر.


ويبدو أن القوى العراقية تضع ترتيبات أستثنائية لتحالفات داخلية مصلحية مؤقتة وتدعو الأمم المتحدة وممثليها للدفاع عن حقوقه بدلاً من الخيارات المتوفرة له للدخول في تحالف مؤثر يخدم الأستقرار الوطني ومصلحة الأطراف المُشاركة في القرار العراقي.
أنها بالتأكيد عناصر مفقودة لأهم حلقات الأستراتيجية في مهمات الدفاع عن الدولة ومؤسساتها التي تجدها في : أ - الدول الناقصة السيادة ب ndash; الدول الرخوة الهشة القابلة للأنكسار Fragile States ج- والدول الفاشلة ، التي تعتمد في عقيدتها العسكرية على مشتريات السلاح والتدريب وخزن العتاد ، دون فهم مغزى أختيار التحالف الأسترتيجي بين الأمم الحرة .

[email protected]