هناك طرفة انكليزية قديمة تقول: quot;ضرب أحد لاعبي الغولف الكرة بقوة.اللاعب فتش كل مكان ولكنه لم يجد للكرة أثراً. بعد حوالى نصف ساعة جاء الشخص المسؤول عن الملاعب والمرافق التابعة لها الى لاعب الغولف وسأله: أليس أنت الذي اأضاع كرة الغولف؟.أجاب اللاعب بنعم.

ثم بدأ المسؤول بسرد ما حدث: ياسيدي الكرة تلك أصابت عين صاحب شاحنة وهو قريب من سكة الحديد التي تتقاطع مع الطريق. السائق فقد السيطرة على الشاحنة وإصطدم بالقطار وخرجت خمسة عربات مكتظة بالمسافرين عن السكة وتدحرجت بدورها وسقطت على مخيم للمصطافين. الحصيلة كانت موت 97شخصاً.

رد لاعب الغولف قائلاً: فهمت.....فهمت.....من الآن فصاعداً سوف أحافظ على التوازن بين إصبعي الإبهام والسبابة عند ضرب الكرة.

هذه القصة تنطبق الى حد بعيد على قرارالمحكمة الدستورية في تركيا والذي تضمن إلغاء وحظر quot;حزب المجتمع الديمقراطيquot; quot;DTPquot; الكردي، وسحب عضوية النيابة من شخصين، وكذلك منع سبعة وثلاثين من أعضاء الحزب من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات.

رئيس محكمة الدستورقذف الكرة.....ولا ندري فيما إذا كانت ستصيب عين السيد رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة، أم عين الجيش التركي وقواه السرية، والتي بدأت بالتآمرللعودة الى إدارة الدولة بعد أن فقد العسكر الكثيرمن مواقعهم في السنوات السبع الأخيرة من عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم والعودة بتركيا الى المربع الأول أي مربع quot;الدولة السريةquot; التي تتحكم بكل شارة وواردة، ولكن من خلف الكواليس.

قرار المحكمة الدستورية هو قرار سياسي وليس حقوقياً، وهذا بالذات يؤكد وقوف العسكروراءه. لن أخوض في التفاصيل ولكن ساتوقف عند ثلاث نقاط فقط، تبين أن القرار هو قرار سياسي محض ومقررسلفاً:

ــ عدد أعضاء الحزب الكردي في البرلمان كان 21 نائب{ ولولا وجود حاجز10% في قانون الأحزاب لكانت الأصوات التي حصل عليها الحزب كافياً لإدخال 90 نائباً كردياً الى البرلمان} برئاسة السيد أحمد ترك. هذا الأخير معروف وبإتفاق يكاد يكون إجماعاً من العدو والصديق بالسياسي الرزين والحكيم، وهو أقرب الى داعية سلام أكثر من كونه سياسي يقود حزباً سياسياً. المحكمة سحبت منه عضويته النيابية بالإضافة الى منعه من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات. ونفس القرار شمل السيدة آيسل توغلكquot;Aysl Tuğlukquot;.هذان الإسمان كانا يمثلان قمة الحمائمية في الحزب الكردي.

ــ رئيس المحكمة الدستورية السيد هاشم كيليجquot;Haşım Kılıccedil;quot; أقحم نفسه في مأزق حرج وذلك عندما شبه قرار المحكمة التركية بقرار صادر في إسبانيا في قضية حزب quot;باتاسوناquot; Batasunaquot; في الباسك، حيث تم حظر الحزب على خلفية أنه يدعم quot;الإرهابquot; من خلال دعمه لمنظمة quot;ايتاquot; الباسكية. والمحكمة التركية تتتهم الحزب الكردي المحظورDTP بدعمه لحزب العمال الكردستانيquot;PKKquot;.

رئيس وأعضاء المحكمة التركية لا يعلمون ما تتمتع به منطقة الباسك كغيرها من الكونفدراليات الإسبانية السبعة عشر من المزايا الديمقراطية. منطقة الباسك لها برلمانها وميزانيتها وعلمها وجهاز الشرطة الخاص بها....الخ. بينما في تركيا ليس هناك حتى تاريخه للكرد وجود رسمي معترف به. وهم قد لا يعلمون أنه لا يوجد لإسبانيا نص للنشيد الوطني، بل هناك عزف موسيقي دون أي نص متفق عليه ليكون النشيد للجميع وذلك بسبب وجود عدة لغات في البلاد.

ــ الفضيحة في القرار يتعلق بالسيدة ليلىquot;Lyla Zanaquot; زانا ومستخدم في البلدية كانا في عداد الذين منعوا من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات.

السيدة زانا كانت برلمانية سابقة في حزب كردي تم حظره أيضاً، وبعدها قضت عشر سنوات من ربيع عمرها في السجن في سبيل القضية الكردية. هذه الإنسانة ليست عضوة في الحزب موضوع البحث وذلك بسبب الحظر المفروض عليها من المحاكم، وظهر ذلك عندما إنتخبها مؤتمر حزب المجتمع الديمقراطي عضوةً في الهيئة العليا في آذار 2005. ولكن جاء الأمر من المدعي العام للجمهورية بأنها ممنوعة من العمل السياسي بسبب صدور حكم سابق بحقها. ومنذ ذلك التاريخ لم يعد لها أية علاقة بالحزب وذلك تطبيقاً لنص القانون. أي كل علاقة لها بهذا الحزب كان إسبوعاً واحداً فقط. ولكن المحكمة quot;الموقرةquot; حشرت إسم االسيدة زانا ضمن الممنوعين من ممارسة السياسة من أعضاء هذا الحزب.

السيد عبدالله إيسناج quot;Abdullah İsnaccedil;quot; هو عامل مستخدم يعمل بأجر يومي في بلدية شرناخ وعضو بسيط في الحزب. عمله الأساسي هو الإهتمام بالأبقارالشاردة في شوارع المدينة. هذا العامل المسكين سمع بإسمه من فم السيد رئيس المحكمة على شاشة التلفزيون، وهو في المقهى، ليعرف أنه من بين الممنوعين من ممارسة السياسة لمدة خمسة سنوات. من يعلم؟. ربما كان السيد إيسناج يُدرسْ اللغة الكردية لأبقار تركيا دون علم السلطات؟.

من هذه الأمثلة البسيطة يبدو واضحاً أن المحكمة كانت قد إتخذت قرارها مسبقا، وهذا يشبه الى حد كبيرما كان يحدث في القرون الوسطى: القرار بأن الأرض مسطحة أولاً ثم البحث عن البراهين لاحقاً. ولهذا كان إستهتار المحكمة في البحث عن البراهين والمستمسكات ليظهر للجميع أنها quot;محكمة كاريكاتوريةquot;. تاريخ الدولة الكمالية مليء بمثل هذه الفضائح.

دستور تركيا الحالي هو دستور عام 1982والذي جاء به العسكر بعد إنقلاب ايلول 1980وفيه ثغرات بحيث يتمكن العسكر من خلالها من الإستيلاء على السلطة عند اللزوم، وهذه المحكمة كادت أن تحظرالحزب الحاكم قبل عدة شهور. حسب مواد هذا الدستور تم حتى الآن حظر أكثر من عشرين حزباً كردياً وإسلامياً، ولذلك تسمى تركيا بـ quot;مقبرة الأحزابquot;.

حظر الحزب الكردي هو تآمر فاضح من العسكر للإنقضاض على السلطة وذلك بتحريض الشارع الكردي المحتقن ومن ثم تحريك عصاباتهم المدربة لإشعال حرب أهلية في المدن بطول البلاد وعرضها بين الكرد والترك وحدوث الفلتان الأمني، ليتسنى للجيش القفز على الحكم بذريعة quot;الحفاظ على وحدة وأمن البلادquot;، نفس الذريعة التي تذرع بها في إنقلابات 1960 و1971 و1980.

التاريخ لن يغفر للسيد اردوغان وحزبه عدم تغيير دستورquot;الجونتا quot;السيء الذكر، بالرغم من وجودهم في السلطة ما يقارب السبع سنوات وبأكثرية مطلقة في البرلمان. في جميع دساتيرالأنظمة الديمقراطية تكون الغاية من وجود المحكمة الدستورية هي حماية الأحزاب لتعميق أسس الديمقراطية. بعكس تركيا التي أصبحت quot;مقبرة للأحزابquot; ومؤسساتها الدستورية أدوات لتهيئة الظروف للإنقلابات العسكرية.

إذا أصابتquot; كرة quot;رئيس المحكمة عين السيد اردوغان، سيكون مصيره نفس مصيرالسيد عدنان مندريس رئيس الوزراء في الخمسينات والذي أعدم بعد إنقلاب 1960 أو مصير المرحوم توركوت اوزال رئيس الجمهورية الذي تم تسميمه في عقر دار رئاسة الجمهورية في عام 1993. هذه المرة سيكون الثمن هو تفتيت الدولة التركية نفسها.